طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

التطبيع السّعودي: شروطٌ رسميّة ورفضٌ شعبي
21/09/2023

التطبيع السّعودي: شروطٌ رسميّة ورفضٌ شعبي

محمّد باقر ياسين

كثُر الحديث مؤخرًا عن الوساطة التي تجريها الولايات المتّحدة الأمريكيّة بين السّعوديّة من جهة والكيان المؤقت من جهةٍ أخرى، بغية الوصول إلى صيغة للتطبيع بين الجانبين. والحديث عن التطبيع ليس بجديد، ولكن المستجدّ في الموضوع هو الحديث الرسمي السّعودي عن التطبيع، ولو من باب ما يمكن تسميته بالشروط السّعوديّة للقبول به. فما هو الموقف السّعوديّة الرسمي من التطبيع؟ وهل هذا الموقف يعبّر عن المزاج الشعبي السّعودي؟

بدايةً؛ يجب لفت انتباه المتابع الكريم إلى أنّ المقصود بالتطبيع هو خروج التطبيع إلى العلن؛ لأنّ التطبيع السّري بين الجانبين واقعٌ منذ سنين بعيدة، والمقام لا يتسع لتبيان ذالك. لكن ما كان يتجنّبه الموقف الرسمي السّعودي هو الخوض بأي حديث علنّي يتعلّق بالتطبيع. وهذا ما تبدّل منذ تسلّم سلمان بن عبد العزيز الحكم العام 2015، وكثرت التصريحات الرسميّة التي تتحدّث عن التطبيع مع الكيان المؤقت، آخرها ما صرح به ولي العهد بمقابلته مع قناة "فوكس نيوز"، نشرته صباح هذا اليوم، قائلاً: "نتباحث مع الأميركيين للوصول إلى نتائج جيدة ترفع معاناة الفلسطينيين"، مشدداً على "أهمية حل القضية الفلسطينية، يعد ذلك أساسياً في أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل"، نافياً "تعليق المفاوضات مع "إسرائيل""، بل أكد "أنها كل يوم تتقدم، وسنرى إلى أين ستصل". ورأى أنه "في حال نجحت إدارة بايدن في أن تعقد اتفاقاً بين السعودية و"إسرائيل"، فسيكون ذلك أضخم اتفاق مُنذ انتهاء الحرب الباردة". كذلك كثرت التصريحات السعودية عن الشّروط التي تطلبها السعودية لحصول ذلك، وليس آخرها ما قاله وزير الخارجيّة السّعودي فيصل بن فرحان بأنّ: "الإتفاق على إقامة دولة فلسطينيّة سيكون شرطًا مسبقًا لإقامة علاقات دبلوماسيّة رسميّة مع "إسرائيل"". فما هي هذه الشّروط؟

الشّرط السّعودي الرسمي الوحيد المعلن للتطبيع مع الكيان المؤقت هو ما قاله وزير الخارجيّة فيصل بن فرحان وردّده قبله وزراء الخارجيّة المتعاقبون، وكذلك المسؤولون السّعوديون في محافل عربيّة وإسلاميّة ودوليّة، وهو "قيام دولة فلسطين على حدود العام 1967".

أمّا الشّروط المخفيّة فيمكن حصرها بأربعة شروط، وهي على النّحو الآتي:

1- ما كشفه السّفير الأميركي السّابق مارتين أنديك في الكيان أنّ محمّد بن سلمان طالب الولايات المتّحدة الأمريكيّة بـ"ضمانة أمنيّة مثل التزام الناتو بموجب المادة الخامسة تجاه المملكة العربيّة السّعوديّة". إذ يسعى بن سلمان، من خلال هذه الضمانة لحماية عرشه عندما يتوّج رسميًا ملكًا للسّعودية، بالرغم من أنّه اليوم، يتمتّع بأغلبيّة صلاحيّات الملك التي ينصّ عليها الدّستور السّعودي.

2-  يريد التدفق الحرّ للأسلحة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بما في ذلك طائرات  F-35، وهذه القدرات برأي بن سلمان تعطيه تفوقًا عسكريًا على جيرانه في الخليج، وتضمن له تفوقًا جويًّا بحال اندلاع أي مواجهة في المستقبل.

3- يريد الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتّحدة لبناء قدرة سعوديّة مستقلّة لتخصيب اليورانيوم للاستخدام السّلمي، إذ يصبو بن سلمان إلى تنويع مصادر الطاقة، خوفًا من مستقبل النفط الذي تعتمد عليه السّعوديّة بشكلٍ كبير.

4- ما كشف عنه موقع اروتز شيفا العبري أنّ مطلب بن سلمان للتطبيع هو: "نزع الوصاية الهاشميّة للأردن على المسجد الأقصى وتسليمها للسعوديّة، بالإضافة إلى دور لها في الحرم القدسي. ويريد ولّي العهد، من خلال هذه الخطوة، تزعّم العالم الإسلامي بشكلٍ كامل؛ وذلك عبر سيطرته على قبلتي المسلمين الأولى والثانية، وبذلك يحافظ على مكانة السّعوديّة الدينيّة، فيستطيع بذلك إخراج التطبيع مع العدوّ الصّهيوني من السّر إلى العلن. وفي الوقت نفسه؛ هو تحقيق انتصار ضمن الصراع التاريخي للمملكة العربيّة مع الأردن والخصومة القديمة التي تعود إلى العام 1924، عندما بُويع الشّريف حسين وصيًا على المقدّسات الإسلاميّة في القدس بعد هزيمته وطرده من الجزيرة العربيّة.

الشّرط الأخير، وهو الأساسي غير المعلن للتطبيع. لأنّ المتابع لمسيرة الأمير السّعودي الطامح للعرش يعلم بأنّه يريد إبراز قدرته على القيادة، وهو ما قد حصل عليه أولًا بتولّي صلاحيّات الملك، فأصبح الملك الدستوري للسعوديّة بانتظار التتويج، وثانيًا من خلال سيطرة السّعوديّة على مجلس التعاون الخليجي وقيادتها له، ثالثًا قيادة العالم العربي بعد تراجع الدور المصري الذي أصبح يتماشى والسّعوديّة بعدما كان قطب العالم العربي الأساسي، رابعًا حصوله على وصاية المسجد الأقصى والدور في الحرم القدسي، بذلك يكون تسيّد العالم الإسلامي أيضًا.

أما على الصعيد الشعبي السّعودي؛ فهو تاريخيًا وحتى يومنا هذا، مع القضية الفلسطينيّة وداعم لها، والشواهد على ذلك عديدة، ولا يتسع المقام لذكرها بالتفصيل، ولكن يمكن التطرق إلى أبرزها:

1- قليلٌ من المتابعين يعلمون بمشاركة مقاتلين سعوديين في الدفاع عن فلسطين في جبهات القتال، حيث أورد الكاتب ناصر السعيد في كتابه "تاريخ آل سعود" إحصاء بعدد المشاركين في فلسطين المحتلة في معارك العام 1948، والذي بلغ عددهم 513 متطوعًا سعوديًا ذكر منهم الكتاب 374 بالإسم. والقليل أيضًا يعلم بأنّ عدد شهداء الشّعب السّعودي ضد الاحتلال الإسرائيلي في تلك المعارك بلغ 134 شهيدًا وعدد الجرحى 32 جريحًا. وبالرغم من تكبّد عناء السّفر ومخاطره الأمنيّة؛ كانوا يَصِلون إلى أرض فلسطين لمساندة إخوانهم في الدفاع عنها، فيستشهد منهم من يستشهد ويُجرح منهم العديد ويعودون إلى أرض الوطن بطرائق خفيّة كي لا تعاقبهم السّلطات.


2- برز في مونديال قطر 2022 مواطن سعودي رفض الحديث مع المراسل الإسرائيلي قائلًا له:"ليس هناك بلد اسمه إسرائيل؛ بل فلسطين".

3-  إحصاء جديد؛ نشره معهد واشنطن للدراسات يوم الثلاثاء (19-09-2023)، يخلص إلى أنّه لم تتجاوز نسبة الذين وافقوا على "منح الطائرات المدنيّة الإسرائيليّة الإذن بالتحليق فوق المملكة العربيّة السّعوديّة إلى وجهات أخرى" سوى 14 في المئة من السعوديين، في حين أنّ نسبة الذين عبّروا إيجابًا عن "السماح للفرق الرياضيّة الإسرائيليّة بالمشاركة في المباريات في المملكة العربيّة السّعوديّة" لم تتخطَ 13 في المئة. كما أنّ نسبة الذين وافقوا على دعوة "رئيس وزراء العدّو إلى حضور مؤتمر دولي في المملكة العربيّة السّعوديّة" بالكاد بلغت 7 في المئة.

التطبيع الرسمي العلني السّعودي مع الكيان المؤقت إن حصل لن يغيّر بقناعات السّعوديين الرافضين له. وهذا ما خبرناه أيضًا من الشّعب البحريني الذي ما يزال يصرّ على موقفه الرافض للتطبيع بالرغم من الاتفاقيات والزيارات المتبادلة، وآخرها افتتاح سفارة العدو في المنامة.

السعوديةالتطبيع

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة