طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

جوهر صفقة القرن المزعومة والتجارة الصهيو ـ أمريكية بالدين
21/04/2019

جوهر صفقة القرن المزعومة والتجارة الصهيو ـ أمريكية بالدين

إيهاب شوقي

لم يسلط الإعلام العربي الضوء على بعض تفاصيل زيارة وزير الخارجية الأميركية مايكل بومبيو الأخيرة لفلسطين المحتلة، رغم أنها تفاصيل غير مسبوقة في شكلياتها وخطورتها، ومن هذه التفاصيل قيام بومبيو ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بجولة في القدس المحتلة والأنفاق التي تقع تحت الحي الإسلامي في البلدة القديمة، وقد شاهد الرجلان في مركز تحت الأرض مهمته الإعداد لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى، محاكاة لإعاة بناء الهيكل بتكنولوجيا الواقع الافتراضي، والفيديوهات الخاصة بالزيارة متوفرة ويستطيع الجميع رؤيتها، وقد شُوهد بومبيو يوقع على أوراق، قيل أنه اتفاق على إقامة الهيكل ولا يمكننا تأكيد هذه النقطة، فقد تكون توقيعا بدفتر الزوار، ولكن الزيارة ورؤية نموذج الهيكل هي معلومات مؤكدة وموثقة.

الأمر الآخر، أنه وفي مقابلة مع شبكة الإذاعة المسيحية خلال الزيارة، أبلغت مذيعة البرنامج وزير الخارجية الأمريكي أن اليوم يصادف "عيد البوريم، بالعبرية، وهو ذكرى إنقاذ الملكة إيستر الشعب اليهودي من الإمبراطورية الفارسية"، وسُئل بومبيو "إذا ما كان يعتقد أن دونالد ترامب قد يكون أُرسل، كما أُرسلت الملكة إيستر لإنقاذ اليهود"؟، وكانت إجابة بومبيو نصاً: "كمسيحي، بالتأكيد أعتقد أن ذلك ممكن"، مضيفا: "أعتقد أن الرب يعمل هنا".

ونحن هنا لا نناقش الأمر من زاوية دينية، وإنما نناقشه من زاوية السياسة وربما من زاوية "التجارة بالدين" في السياسة، فقد قال "دايفيد بن غوريون": "لا معنى لاسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل".

ومسألة القدس ومحوريتها الدينية هي كنز استراتيجي لأي قوة محتلة لإسباغ شرعية على الاحتلال، وضم القدس دون هيكل لا يعطي مسوغا للمحتل الصهيوني، كما أن حصار ومحاربة إيران لا يبدو مقنعا دون استدعاء عيد البوريم وانقاذ الشعب اليهودي من الفرس، كما وأن الانحياز الأمريكي العابر لكل القوانين الدولية والأعراف، لا يمكن تسويغه دون استدعاء الدين والملكة إيستر "مبعوثة الرب لليهود"!

هنا يمكننا مناقشة صفقة القرن المزعومة ومحاولة تحليل خلفياتها وأهدافها، ووفقا لجميع تسريبات الصفقة، فإن هناك تباينات لا يربطها سوى بعض الخيوط التي يمكن أن تكتسب وجاهة لسببين، الأول هو ورودها بشكل متواتر في التسريبات، والثاني هو اتساقها مع الشواهد والممارسات والتصريحات، ويمكننا هنا أن نرصد هذه المشتركات، ثم نحاول استنتاج وتحليل الخيوط الرابطة وما بين سطورها وأهدافها الخفية، أما عن المشتركات فهي:

1ـ تراجع حل الدولتين وربما التجهيز لحل آخر مرحلي طويل الأمد وفقا لشروط بعينها.

2ـ حسم مسألة القدس باعتبارها عاصمة للعدو الإسرائيلي، وربما يكون هناك نقاش عن وضع المقدسات الإسلامية بوضعها تحت إشراف هيئة مشتركة فلسطينية أردنية.

3ـ حسم السيطرة على الضفة الغربية بشكل عام من جهة التأمين والمداخل والمخارج للعدو الإسرائيلي، وكذلك حسم سيطرته على المستوطنات والقرى التي يسكنها الصهاينة، مع نوع من الحكم الذاتي لباقي الضفة ولكن تحت السيطرة الصهيونية.

4ـ الربط بين الضفة وغزة عبر طريق بري مع دخول غزة تحت الحكم الذاتي للسلطة عند استردادها من حماس.

5ـ الحديث عن حزم مالية للمساعدات عوضا عن الاجراءات الاستباقية الأمريكية تجاه الفلسطينيين بوقف تمويل الأونروا.

6ـ الحديث عن اعتراف بالكيان الإسرائيلي من الدول العربية.

هذه ربما تكون المشتركات من بين العديد من التسريبات والتي تحدث بعضها عن أشياء أخرى خاصة بتبادل للأراضي مع دول مجاورة مثل الأردن ومصر، وتفاصيل أخرى نرى أنها مبالغ فيها ولا تتصف بالمعقولية، رغم كل الأخطاء والضعف والتراخي الرسمي العربي، وستظهر الحقائق كاملة عند إعلان الصفقة ولكل حادث وقتها حديث.

أما عن الخيوط الرابطة بين هذه المشتركات فيمكن رصدها فيما يلي:

أولا: سياسة الاستباق الأمريكية وهو نوع من الدبلوماسية القسرية الذي تتميز به إدارة ترامب، وهذا الاستباق تمثل في نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، ثم وقف تمويل الأونروا ثم الإعلان عن الاعتراف بضم الجولان المحتلة للعدو الصهيوني، وهو غلق مسبق لباب النقاش حول وضع القدس والجولان، ونوع من التجويع لخلق جزرة للفلسطينيين متمثلة في حزم مساعدات عند قبول الصفقة.

ثانيا: معظم ما يتم تسريبه من الصفقة هو واقع عملي، فالعدو يسيطر أمنياً على وضع الضفة وعلى القدس ولكن المراد هو شرعنة هذا الواقع وقطع الطريق على المقاومة، بحيث تصبح المقاومة لهذا الوضع عملا مخالفا للاتفاقيات وتمردا غير شرعي.

ثالثا: وربما هو الأهم وهو الغرض الرئيسي من الصفقة، وهو الاعتراف الرسمي بالدولة الصهيونية، لأن ببساطة شديدة، يضع هذا الاعتراف أي دولة مخالفة، وهنا تحديدا ستكون ايران ومحور المقاومة في وضع سياسي شاذ، وكأن هذا المحور هو المخالف للشرعية الدولية بعد أن اعترف العرب جميعا بشرعية "اسرائيل" وقد كانت قضيتهم المركزية طوال القرن الماضي، مما يدخلنا بالفعل في قرن جديد مختلف يتم به الاعتراف بالصهاينة، ويكون غير المعترف هو المخالف للشرعية، وربما هذا هو سر إطلاق لقب (القرن) على هذه الصفقة المشبوهة.

إذن نحن بصدد شرعنة مرتقبة لأوضاع بائسة عملية، وبصدد محاولة عزل جديد للمقاومة تكون فيها مخالفة لشرعية دولية، وبصدد أوضاع جديدة على الأرض ربما تطال المسجد الأقصى لحسم النزاع على القدس باعتبار وجود المقدسات الإسلامية ذريعة للفلسطينيين تجعلهم يتنازعون على عاصمة "اسرائيل" الأبدية!!!

هو أمر جد خطير، وربما تتبع هذه الصفقة أسلوب التدرج وتكريس الأمر الواقع بنظام الخطوة خطوة، رهانا على الوقت وعلى مزيد التنازلات المخزية العربية، ورهانا على إضعاف المقاومة بفعل الحصار والعزل السياسي.

ربما تكون هذه هي الحسابات الصهيوـ أمريكية، ولكن للمقاومة حساباتها وردودها، وللشعب الفلسطيني رده اللائق، ولبقية الشعوب العربية والإسلامية دور أصبح غائبا نرجو عودته قبل أن يصبح استرداد الحقوق أكثر كلفة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف