طوفان الأقصى

لبنان

لا صوت يعلو صوت الموازنة في لبنان
17/04/2019

لا صوت يعلو صوت الموازنة في لبنان

سلطت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الضوء على الترقب لإقرار الموازنة، فيما تترواح المعلومات في الأوساط السياسية حول العمل بتخفيض أجور القطاع العام، وفي ضوء ذلك جاء في الصحف أيضًا، إضطرابات الشارع اللبناني، منذ إضراب أمس حتى اليوم.

زيادة ضريبة الفوائد مقابل خفض الأجور

بداية مع "الأخبار" التي تناولت اقتراح وزير المال علي حسن خليل، حول خفض أجور العاملين في القطاع العام (والمتقاعدين) بنسبة تصل إلى 15 في المئة، من ضمن سلّة تتضمن رفع بعض الإيرادات. تلقّف رئيس الحكومة سعد الحريري الاقتراح، وعرض على شركائه في الحكومة مقايضة زيادة الضريبة على أرباح الفوائد بخفض الأجور! اقتراح اعترض عليه ممثلو حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي.

وأوضحت الصحيفة أن غالبية القوى السياسية الممثلة في الحكومة تتعامل على قاعدة أن الكلفة الأكبر لخفض عجز الموازنة يجب أن تكون على حساب موظفي القطاع العام. حتى اللحظة، لم يُطرح في النقاشات الدائرة بين ممثلي هذه القوى أي اقتراح جدي للبحث عن واردات إضافية، كإدخال تغيير جذري على النظام الضريبي. غالبية المقترحات تدور حول خفض الإنفاق. جميع نفقات الموازنة يمكن حصرها في أربعة «أبواب» رئيسية: خدمة الدين العام (نحو 32 في المئة)، وأجور الموظفين والمتقاعدين (نحو 36 في المئة) ودعم الكهرباء (نحو 11 في المئة)، والنفقات الاستثمارية والتشغيلية (نحو 19 في المئة). وأي خفض جدي في الإنفاق، بحسب الباحثين في كيفية إعداد الموازنة، ينبغي أن يكون على حساب خدمة الدين العام والأجور. 

وبما أن خدمة الدين العام تعني مباشرة أصحاب المصارف وكبار المودعين، تستسهل بعض القوى السياسية التركيز على الأجور والتقديمات الخاصة بموظفي القطاع العام، وخاصة العسكريين. وكان معروفاً أن أكثر المتحمسين لإجراءات «قاسية» كهذه هم الرئيس سعد الحريري وفريقه، ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وفريقه. لكن الجديد الذي كشفته مصادر وزارية لـ«الأخبار»، انضمام وزير المال علي حسن خليل إلى مقترحي خفض الأجور والتقديمات للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين، وبنسبة تصل إلى نحو 15 في المئة. وقالت مصادر وزارية لـ«الأخبار» إن اقتراح خفض أجور العاملين في القطاع العام وضعه وزير المال ضمن سلّة المقترحات التي أعدها، ونوقِشَت في الاجتماع الذي ضمّ رئيس مجلس النواب والحريري وخليل بعد الجلسة النيابية الأسبوع الفائت. ولفتت إلى أن من ضمن المقترحات أيضاً إجراء مصرف لبنان «هندسة مالية»، تتيح استبدال سندات دين بالليرة قيمتها نحو 10 آلاف مليار ليرة بأخرى فائدتها لا تتجاوز 1 في المئة.

وأضافت "الأخبار" أنه يبدو أن الحريري وجد ضالته في هذا الاقتراح، فطرح مقايضة تتضمنها «سلّة» وزير المال، تنص على الآتي:
- زيادة الضريبة على ربح الفوائد من 7% إلى 10%، وفرض هذه الضريبة على أرباح مصرف لبنان من الفوائد، ما يحقق زيادة في الإيرادات بقيمة تراوح بين 500 مليون دولار و750 مليون دولار سنوياً.
- في المقابل، تخفيض أجور العاملين في القطاع العام بنسبة 15%، وتجميدها لمدّة 3 سنوات، وكذلك تخفيض معاشات التقاعد وحصرها بالمتقاعدين أنفسهم وزوجاتهم وأولادهم القصّر فقط، وحرمان كل المستفيدين الآخرين (البنات العازبات والوالدين وسواهما). وأيضاً تمديد سنّ التقاعد في الجيش والأجهزة الأمنية، وحصر علاوات التدبير رقم 3 بالذين يخدمون على الحدود والجبهات. بالإضافة إلى إلغاء المنح التعليمية وبعض التقديمات الأخرى، ولا سيما التي يستفيد منها موظفون في المؤسسات العامّة وصندوق الضمان الاجتماعي ومصرف لبنان. وقُدِّر أثر هذه الإجراءات بقيمة تراوح بين 900 مليون ومليار دولار.

وهذه المقايضة طُرحت في الاجتماع الذي دعا إليه الحريري يوم الأحد الماضي، وحضره ممثلون عن جميع القوى السياسية المشاركة في الحكومة. وتفيد المعلومات بأن شق الضريبة على أرباح الفوائد حظي بقبول الجميع، أو على الأقل لم يعترض عليه أحد، إلا أن ممثلي حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي كانوا مترددين في مناقشة الشق الثاني (خفض الرواتب والأجور). وبناءً على ذلك، اقتُرح إعفاء أول مليون ليرة من الراتب من اقتطاع الـ15%، بحجّة حماية أصحاب الأجور المتدنية وتخفيف حدّة الاقتطاع على الأجور المتوسطة، ولكن هذا الطرح لم يخفف من تردد المترددين الذين طلبوا المزيد من الوقت لدراسة الأمر.

وكان وزير المال قد عرض في بداية الاجتماع المذكور مشروع الموازنة لعام 2019، وفيه عجز يفوق 6 مليارات دولار، وأبلغ الحاضرين أن هذا العجز بقي مرتفعاً على الرغم من كل التخفيضات التي طاولت بنود الإنفاق المختلفة، بما في ذلك النفقات التشغيلية والاستثمارية والتحويلات إلى الجمعيات.
بعد هذا العرض، جرى التوافق على إجراء تخفيض إضافي للعجز ليصبح أقل من 4.5 مليارات دولار، أي تخفيض الإنفاق وزيادة الإيرادات بقيمة لا تقلّ عن 1.5 مليار دولار في هذا العام. علماً أن مشروع وزارة المال تضمّن إنفاقاً بقيمة 15.8 مليار دولار (من دون الموازنات الملحقة)، بالإضافة إلى سلفة خزينة طويلة الأجل لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1.6 مليار دولار، أي ما مجموعه 17.4 مليار دولار، في حين أن الإيرادات قدّرت بأقل من 12 مليار دولار. وكانت وزارة المال قد توصلت إلى هذا المشروع بعدما حذفت نحو 2.5 مليار دولار من النفقات التي طالبت بها الوزارات.

الشارع يتأهّب للتحرك أمام إرتباك السياسة

من جهتها أشارت "البناء" إلى التحركات الشعبية التي سبقت إعلان الموازنة العامة في ظل التسريبات التي كشفت نيات المساس برواتب القطاع العام، حيث بدأ العسكريون المتقاعدون تحركهم أمس ويليهم اليوم الموظفون بإضراب تحذيري، في ظل ارتباك سياسي يُخفي خلاله المسؤولون حقيقة النيات ويتحدث كل منهم بلغة مختلفة عن الآخر، بصورة ترفع منسوب الارتياب من وجود نيات خفية للنيل من مكتسبات حققتها سلسلة الرتب والرواتب، وتباين الاجتهادات التي تحملها مواقف المسؤولين في الدولة حول معالجة العجز، بصورة حولت الموازنة إلى مجرد اجتهادات متعددة لم تستقر بعد على رؤية موحدة يمكن مناقشتها، ما دفع بالقيادات النقابية إلى الاعتقاد أن عملية جس نبض تجري لطبيعة ردود الأفعال ليتم حسم القرار بصدد مد اليد على الرواتب ما يستدعي وفقاً لهذه القيادات تحركاً استباقياً يرفع الصوت التحذيري عالياً منعاً لأي التباس ناجم عن التريث، بينما يؤكد وزير المال علي حسن خليل بصفته مسؤولاً عن إعداد الموازنة وبصفته من قيادة حركة امل أن لا وجود لسبب للقلق لا من مضمون ما تم إعداده في الموازنة ولا من فرضية تمرير إجراءات مالية تصيب ذوي الدخل المحدود، لأن حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب نبيه بري تعتبر هذه الإجراءات خطاً أحمر ممنوع تخطيه.

وقالت الصحيفة في لبنان لا صوت يعلو صوت الموازنة وما سيرافقها من إجراءات صارمة ستطال الموظفين من إداريين وعسكريين بدأت القوى السياسية التلميح لها بهدف جس نبض الشارع الذي تحرك أمس، رفضاً للمس بالرواتب سواء للمتقاعدين أو الذين ما زالوا في الخدمة الفعلية. فقطع العسكريون المتقاعدون عدداً من الطرق رفضاً للمسّ بمخصصاتهم، على ان تنفذ اليوم هيئة التنسيق النقابية ومعلمو المدارس الخاصة واساتذة الجامعة اللبنانية وموظفو الادارات العامة والبلديات اعتصاماً احتجاجياً في ساحة النجمة. في حين سجّلت زيارة لافتة قام بها قائد الجيش العماد جوزف عون الى عين التينة، تناولت ما يطرح من أفكار تصب في خانة تخفيض التقديمات للعسكريين.

وأكدت مصادر مطلعة في تكتل لبنان القوي لـ"البناء" أن التكتل لديه مجموعة مقترحات سلمها الى وزير المال علي حسن خليل وتنص على خفض التهرب الضريبي وتخفيض العجز، لافتة الى ان سد العجز يمكن تحقيقه من خلال معالجة أزمة الكهرباء، تخفيض الرواتب العالية التي تشكل نسبة 10 من الموظفين، مشددة على ان التيار الوطني الحر عندما يتحدث عن تخفيض الرواتب للقطاع العام يتحدث عن فئة محددة وليس عن الفئات الدنيا، ولافتة الى ان كل الطروحات في ما خص رواتب الموظفين لا تمس الراتب الأساسي انما تتصل الامتيازات التي اعطيت من تقديمات تتصل بالمنح المدرسية وسواها، وخلصت الى ان العجز يفترض ان ينخفض الى 6 في المئة.

في مقابل ذلك، فإن للنائب شامل روكز رأياً ينسجم مع موقفه الوطني، وشدد في حديث لـ «البناء» على ضرورة البحث عن مصادر تسد العجز في الدولة وما أكثرها بعيداً عن المس برواتب العسكريين الحاليين والمتقاعدين. وقال لا يجوز الاقتطاع من راتب العسكري بعد تقاعده، قائلاً كيف يجوز الاقتطاع من رواتب عسكريين شهداء تستفيد عوائلهم من رواتبهم بعدما قدموا حياتهم دفاعاً عن لبنان. وشدّد روكز على أن الأمور لن تنتهي عند هذا الحد وما حصل في الشارع هو تحرك استباقي لما قد تقدم عليه الحكومة، مشدداً على انه سيكون الى جانب تحركات العسكريين وموظفي القطاع العام واعتصامهم في الشارع ضد اي قرارات ستتخذ بحقهم، لا سيما ان «العسكريين وموظفي القطاع العام لم يتسببوا بالعجز، فهناك مزاريب للهدر والفساد الجميع، يعلم المعنيون مكامنها ولا يقتربون منها.


التهرُّب الضريبي ومزاريب الهدر أم الرواتب؟

بدورها تحدثت "اللواء" المشهد في ساحة النجمة اليوم، قبل 48 ساعة من يوم الجمعة العظيمة: جلسة تشريعية، بجدول أعمال يُحاكي «سيدر» تشريعياً، النواب الممثلون للكتل جميعهم على المسرح في الداخل، وفي الخارج، فاعلون من نوع آخر، حركتهم أحاديث الحلول للعجز في الموازنة على حساب رواتبهم، وتعبهم، ولقمة عيش عائلاتهم واطفالهم.. التي هي خط أحمر.. هم روابط الموظفين في القطاع العام، اداريون، ومعلمون ومدرسون وأساتذة ثانويون، وأساتذة الجامعة اللبنانية، الذين استفرد بهم التشريع، وأعادهم إلى آخر درجات السلم الوظيفي، بعد سلسلة الرتب والرواتب، وضرب قاعدة المساواة مع القضاة.. على مستوى التدرج والراتب.. وذلك بعد يوم حافل، بتحرك غير مسبوق لقدامى ضباط الجيش، والعسكريين المتقاعدين، الذين سجلوا أوّل تحرك من نوعه، فكانوا السباقين إلى الشارع، يقطعون الطرقات لبعض الوقت، ويحرقون الاطارات، رافعين الصوت تحذيراً من مغبة الاقدام على اجراءات ترفع من حدة التصعيد، إلى ما لا تحمد عقباه.. هذه الحركة التي تزامنت مع زيارة لقائد الجيش العماد جوزاف عون الى عين التينة، حيث جرى البحث مع الرئيس نبيه برّي في المخارج، ومن بينها التنسيق بين وزارة المال وقيادة الجيش اللبناني..

وتابعت "اللواء" أنه فيما شلت الوقفات الاحتجاجية التي نفذها العسكريون المتقاعدون، ولو لمدة قصيرة، معظم الطرقات الدولية، وتلك المؤدية إلى العاصمة بيروت، تستعد هيئة التنسيق النقابية ومعها أساتذة الجامعة اللبنانية، لاضراب عام اليوم واعتصام حاشد في ساحة رياض الصلح، رفضاً للمس بحقوق الموظفين وسلسلة الرتب والرواتب، بالتزامن مع الجلسة النيابية المطروح امامها بت مصير خطة الكهرباء، بقي الغموض يلف الإجراءات التي ستتبعها الحكومة لخفض العجز في موازنة العام 2019، مع انها أصبحت لدى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء منذ مُـدّة، بسبب قرار الرئيس سعد الحريري عدم طرحها على مجلس الوزراء قبل تأمين غطاء سياسي كامل للتخفيضات القاسية والموجعة والقرارات الصعبة التي تحدث عنها، وزاد من الغموض تكتم الأطراف السياسية المعنية بالتوافق المالي على الاقتراحات التي تطرحها والإجراءات التي يُمكن ان تتخذ، أو ان يكون قد حصل توافق عليها، علماً ان كل الدلائل تُشير إلى توقعات بتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في الشارع، في حال تأكد ان تقشف الموازنة قد يطال رواتب الموظفين، بحسب ما كان أشار وزير الخارجية جبران باسيل، قبل سفره إلى موسكو.

وذكرت مصادر رسمية أن مجلس الوزراء لازال ينتظر التوافق على إجراءات التخفيضات قبل عرض الموازنة عليه، علما ان لا جلسة للمجلس غداً الخميس، لا في قصر بعبدا ولا في السراي الحكومي، وتردد ان السبب ربما يعود لمصادفة الخميس بيوم خميس الأسرار قبل الجمعة العظيمة لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، أو بسبب سفر الرئيس الحريري إلى الخارج للقاء عائلته والاحتفال معها بعيد ميلاده.

وأفادت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان الوزراء لم يتبلغوا أي موعد محتمل لجلسة لمجلس الوزراء تكون مخصصة للشروع بدراسة مشروع الموازنة، مشيرة إلى ان جدول أعمال لجلسة تعقد غداً الخميس في السراي وزّع أمس على الوزراء، ثم تمّ سحبه لجدول يتضمن بنداً وحيداً وهو دراسة خطة شركة ماكينزي، ومن ثم أعلن ان لا جلسة للحكومة هذا الأسبوع.
 


 

إقرأ المزيد في: لبنان