يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

تخفيض العجز.. للقرارات الموجعة  بدائل.. ما هي؟
15/04/2019

تخفيض العجز.. للقرارات الموجعة بدائل.. ما هي؟

فاطمة سلامة

تبدو الحلول المطروحة لتصحيح الواقع الاقتصادي وخفض العجز عن طريق الشعب أقرب الى "السريالية"، أو كمزحة "سمجة". فبدلاً من أن تبحث الطبقة السياسية عما يُعزّز وضع المواطنين، تبحث في المس برواتبهم وتقديماتهم. في معظم بلدان العالم، إن لم نقل في أغلبها تسير أمور الشعب بطريقة تصاعدية، إلا في لبنان، تبدو الحال من سيئ الى أسوأ.

المفارقة تكمن في الحديث عن قرارات "صعبة" بهذه الدرجة من البساطة والاستسهال السياسي. بما يُلوّح به من قرارات "موجعة" يدفع ثمنها المواطن الذي يكفيه ما يكفيه هموماً معيشية واستحقاقات. ذاك المواطن الذي يتمنى لو تصب الاجتماعات السياسية التي تُعقد في هذه الأيام لمصلحته لا ضدها. يتمنى لو يُصار الى وضع النقاط على الحروف، واتخاذ القرارات الجريئة التي "تنشل" الاقتصاد من أزمته، بعيداً عن نظام المحاصصة والهدر الذي كلّف لبنان عشرات آلاف المليارات مديونية و"الحبل لا يزال على الجرار". 

ثمّة "صدمة" يعيشها المواطنون إزاء ما يُحكى عن تحميل القطاع العام مسؤولية تخفيض العجز في الموازنة، والتسريبات التي تتحدّث عن "تدفيعه" الثمن. يسأل هؤلاء أين الدولة من الهدر المستشري في الوزارات والقطاعات الحيوية؟، أين الدولة من "التهرب الضريبي" وسوء الإدارة و"العشوائية" وسياسة "تقسيم الكعكة" التي كلّفت المليارات؟، أين الدولة من خدمة الدين العام وأرباح المصارف التي تبقى فوق المس؟. سيلٌ من الأسئلة المشروعة يُطلقه هؤلاء قبل أن يستدركوا بأن الدولة لا تقوى سوى على الشعب. 

وفي الوقت الذي يُنقل فيه عن الطبقة السياسية تمسكها بتلك القرارات "الموجعة" كشر لا بد منه وسبيل للخلاص، تجري الإشارة في المقابل الى أن لا شيء محسوماً حتى الساعة. بموازاة ذلك، تعلو الكثير من الأصوات المحذّرة من المس بحقوق الموظفين، متحدّثة عن بدائل كفيلة ببلوغ الهدف المنشود. فما هذه البدائل؟. 

لطالما جرى الحديث عن خارطة طريق تستطيع من خلالها الحكومة تخفيض العجز الى أكثر من 1 بالمئة. خارطة لا تؤلم ولا توجع الطبقة الشعبية، بل تُسهم في علاج الأزمة الاقتصادية. عضو تكتل لبنان القوي النائب شامل روكز يعتبر في حديث لموقع العهد الإخباري أنّ هناك الكثير من البدائل التي تستطيع الحكومة التوجه اليها لتخفيض العجز، بدلاً من أن "تدق" بجيوب الطبقة العاملة. علينا أولاً وقف الهدر والاختلاسات المعروفة في الكثير من الأماكن كالمرفأ، "مجلس الإنماء والإعمار"، "أوجيرو"، المباني الحكومية المستأجرة من قبل الدولة والتي لا حاجة اليها، المشتقات النفطية، عقود التشغيل، مافيات المولدات، الأملاك البحرية، وغيرها الكثير. برأيه، إن تخفيض عجز الموازنة يشكل أمراً ضرورياً وفي غاية الأهمية، شرط أن لا يأتي على حساب الشعب ومن جيبه، فلا يجوز تحميل القطاع العام مسؤولية العجز عبر خفض رواتبهم والمساس بالتقديمات المعطاة لهم. 

يأسف روكز؛ ففي كل مرة تتوجه الدولة الى القرارت "السهلة" التى تطال الشعب، للخلاص من أزمتها، ظناً منها بأنها الجهة الأسهل لكنها في الواقع الأصعب. فما يحكى عنه اليوم إذا ما نُفّذ سينقلنا من وضع اقتصادي صعب الى وضع اجتماعي صعب. بالنسبة اليه، فإنّ الأمور لا تعالج بإطلاق القرارات جزافاً، بل تحتاج الى حكمة ودراسة وروية. فلماذا لا تطال التدابير القطاع المصرفي ورجال الأعمال والطبقات الميسورة؟، سؤال مشروع بحسب روكز الذي يُحذّر الدولة من الإقدام على هكذا خطوات أو المس بالرواتب مع ما تسببه هذه الخطوة من انعكاسات قد لا تحمد عقباها. 

قرداحي يستعرض سلسلة اجراءات

الخبير الاقتصادي شربل قرداحي يوضح أن لا كلام رسميا عن خفض العجز عبر المس بالرواتب والأجور أو الحمايات الاجتماعية، بل ما يتم التداول به هو السعي الى خفض الامتيازات المحقة في بعض الأمكنة وغير المحقة في بعضها الآخر، خصوصاً أنّ الخزينة باتت عاجزة عن إعطائها. برأي قرداحي فإنّ المشكلة الكبرى تكمن في أن 72 بالمئة من كتلة الرواتب والأجور عائدة للمتقاعدين، ما أرخى عبئاً على الخزينة تسعى القوى السياسية لعلاجه قدر الامكان عبر تجميد نمو هذه الكتلة منعا للانفجار. 

يُشير قرداحي الى أنّ الخيارات التي تبحثها الحكومة اليوم –إذا كان من الممكن تفاديها- فهناك عدة بدائل عنها يمكن تلخيصها في سلسلة إجراءات:

1- زيادة الايرادات الضريبية عبر تحسين الجباية ووقف التهريب عبر الحدود وتطبيق القوانين بشكل شفاف أكثر لمنع تهرب الشركات من الضرائب ومكافحة سياسة الدفترين لتحصيل الضرائب الحقيقية على الأرباح. 

2- الاسراع في حل مشكلة الكهرباء، فخفض العجز في الكهرباء يحرّر الخزينة من عبء ملياري دولار سنوياً ما يخفف الكثير من نسبة المخاطر.

3- العمل على خفض نسبة الفوائد على الدين الحكومي؛ فكلما انخفضت نسبة المخاطر وقدّمت الحكومة صورة تبرز فيها قدرتها على سد الديون، انخفضت الفائدة على الدين، كما تستطيع الحكومة بالتعاون مع مصرف لبنان تخفيض الفائدة الوسطية على الديون بحدود الـ2 بالمئة، ما يوفّر على الخزينة نحو 1.7 مليار دولار من العجز السنوي.

4- زيادة التحويلات الى الخزينة من المؤسسات التي تملكها الدولة في القطاعات المختلفة، على سبيل المثال "الريجي"، الاتصالات وغيرها، ما يسهم في خفض العجز كلما ارتفعت تحويلات هذه المؤسسات. 

5- خصخصة بعض القطاعات غير الأساسية. 

6- تحرير الاسواق الداخلية أمام المنافسة ما يسمح بتخفيض الاسعار للمستهلك وتحفيز الاقتصاد، مع ادخال بعض الحمايات المحدودة لبعض القطاعات الصناعية.

غريب: المطلوب المزيد من المواجهة

ما يقوله روكز يُعيد تناوله الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب الذي يشدّد على أن لا شيء تغيّر في نمط التعاطي السائد مع الملف الاقتصادي منذ التسعينيات حتى اليوم. هذا النمط قائم على الاقتصاد الريعي ودعم القطاعات المصرفية والعقارية لتحقيق الأرباح على حساب الاقتصاد الوطني المنتج الذي يخلق فرص العمل ويحافظ على الشباب اللبناني من الهجرة والاستنزاف. هذا النمط قائم أيضاً على الاستدانة وتكبيد لبنان المليارات لقاء خدمة الدين. يستغرب المتحدّث كيف يتم التمسك بهذا المسار، بينما المطلوب التخلي عنه وتغييره لبناء اقتصاد منتج، بعيداً عن رهن البلد الى الخارج كما يحصل اليوم في ملف "سيدر". 

يؤكّد غريب أنّ باستطاعة لبنان جني مليارات بديلة عن تلك التي سيقترضها من "سيدر"، عبر فرض ضريبة تصاعدية على الارباح بدلاً من الضريبة على القيمة المضافة، فتعديل النظام الضرائبي –وفق قناعاته- يوفّر علينا 12 مليار دولار على عشر سنوات. كما يدعو المتحدّث الى العمل على تخفيض الفوائد من قبل المصارف التي جنت ثروات هائلة.

يُشدّد الأمين العام للحزب الشيوعي على أنّ الشعب لن يسكت فالمطلوب المزيد من المواجهة من قبل هذه الطبقة المتضررة. مواجهة بطريقة سلمية وحضارية لرفض "تدفيع" الطبقة العاملة أثمانا لا ذنب لها فيها.

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد