طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

الإعلاميون داخل المعسكر.. جزءٌ من "المناورة"
24/05/2023

الإعلاميون داخل المعسكر.. جزءٌ من "المناورة"

ليلى عماشا

يحضر الإعلام على مدار الساعة في حياة الأفراد، ولا سيّما الإلكتروني منه والمتاح في كلّ لحظة عبر الهواتف المحمولة. لم يعد من الممكن الحديث عن محدودية تأثيره منذ أن انتقل من حدود سهرة المساء أمام التلفاز أو الاستماع الصباحي إلى الإذاعة أثناء التوجّه إلى العمل. والمساحة الزمنية الهائلة التي صار بإمكانه تغطيتها واللعب فيها بشكل حرّ جعلت من إمكانية تأثيره إمكانية حرّة، تستطيع أي جهة توظيفها بالشكل الذي يناسب سياساتها، وملأها بما يتوافق مع أهدافها، واستخدامها كمساحة تأثير تخدم غاياتها.
 
ولذلك كان ظهور مصطلح "الحرب الإعلامية" لتوصيف تحوّل الإعلام إلى ميدان قتال فعليّ، تتواجد فيه المعسكرات المختلفة، والتي قد يتحالف بعضها حينًا، ويتعارك أحيانًا، وطبعًا ميدان يقاتل فيه الحقّ والباطل، ويبذل فيه الباطل كلّ إمكاناته وماكيناته الهائلة بمواجهة الحقّ. قد يقول قائل إنّ الحقّ لا يحتاج إلى أدوات إعلامية تقاتل في صفوفه، وقد يكون ذلك صحيحًا لو لم يتحوَّل الإعلام إلى ساحة يستخدمها العدو باحترافية عالية، ولو كان بقي ضمن الإطار الأكاديمي الذي يعرّفه كناقل محايد للحدث، وكناطق أقصى صلاحياته التوجيه البريء.

عرفت المقاومة دور الإعلام منذ بداياتها، منذ المنشورات الورقية التي تخبر عن عملية أو تعلن عن شهيد أو تهنّىء الناس بفرح وتواسيهم بحزن. وكان الهدف إشراك الناس في الحدث المتعلّق بالعمل المقاوم، ومشاركتهم بأيّامهم بحيث يصبح حتى الذين هم من خارج جسمها التنظيميّ جزءًا من نسيجها، بكلام آخر، ساهم الإعلام في صناعة أطر العلاقة التي تربط الناس بالمقاومة المنبثقة منهم أصلًا، مهما حاول الباطل تغريبها أو عزلها عنهم.

يوم الأحد الماضي، دعا حزب الله وسائل الإعلام إلى أحد معسكراته بمناسبة عيد المقاومة والتحرير، وقدّم رجاله مناورة رمزية هائلة أمام أعين الإعلاميين وليس فقط كاميراتهم.

هذا العمل الذي شغل الدنيا في اليومين الأخيرين، يخدم بالطبع أهداف الحرب النفسية ضد العدو ويساهم في شدّ خناق الرعب حول عنقه. وهو كما سلاح المقاومة ليس موجّهًا إلّا إلى صدر العدو، حتى ولو اصطفت أطراف داخلية لتقديم خدمات مجانية أو مدفوعة لهذا العدو. لكن كان يمكن أن يجري بعيدًا عن العيون الإعلامية الحاضرة، وكان يمكن تصويره فقط عبر الإعلام الحربي ونشره بمناسبة عيد المقاومة والتحرير. وكان بذلك يستطيع أن يحقّق هدفه كضربة في معارك الحرب النفسية وتوهين العدى. لماذا أصرّ حزب الله إذًا على حضور الإعلاميين وتنفيذ كلّ الأمر على مقربة منهم؟ هو سؤال منطقي ولا سيّما أن الحزب ليس بحاجة إلى شهود عيان على قدراته العسكرية، ولا إلى تقارير صحافية مباشرة تنقل الحدث من أرضه.

قبل الإجابة عن هذا السؤال، نذكر أن المسافة الفاصلة بين الحضور الإعلامي ومنطقة العمل كانت أقل بكثير من مسافة الأمان المفترضة بين مشارك في عمل قتالي ومشاهد له. كان الإعلاميون داخل الميدان، كانوا، سواء انتبهوا للأمر أم لا، جزءًا من الحدث العسكري. وهو أمر يتطلّب اجراءات أمان عالية الدقّة لم يضطر القيّمون إلى ذكرها لأن الحاضرين، حتى من الوسائل الإعلامية غير الصديقة للمقاومة وللحزب، يثقون تمامًا أن احتمال التعرّض للخطر يقارب الصفر، ولا نقول صفرًا حفظًا للاحتمالات الخاضعة فقط للقضاء والقدر. غبار التفجيرات والأعمال التي نُفذّت كان يغمر وجوه الحاضرين، صوت ارتطام الطلقات بالحديد كان مسموعًا عن قرب شديد. ما لم يُر بالعين المجرّدة لارتفاع مسافة بعض الأعمال على سفح الجبل المقابل لمنصة الحضور، كان واضحًا بالنسبة للكاميرات التي تنقل المشهد الحيّ. باختصار، دخل الإعلاميون إلى ساحة المعركة، بل أدخلهم حزب الله إلى ساحتها، لقد أراد إذًا أن يضعهم أمام مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية والثقافية عبر منحهم دور الشاهد الأقرب إلى ساحة الحدث، الحاضر فيها، بحيث لا يستطيع بأي شكل من الأشكال أن يدّعي حيادًا أو مسافة واحدة من جميع الأطراف. قال الحزب ربما للإعلام، بكلّ ألوانه وأهوائه وحتى ارتباطاته: هذه أرض المعركة، أنت فيها بأمان وإن كنت خصمًا، اختر معسكرك وقاتل بأدواتك، ليس لأجل الجسم المقاوم، فهو بغنى عن إضافاتك كما ترى، إنّما لأجلك أنت، لأجل أخلاقك ومصداقيّتك ومبادئك وقناعاتك.

وهنا تكمن الإجابة عن السؤال المطروح: لقد وضع حزب الله الإعلام ووسائله أمام حقيقة المعركة، وجهًا لوجه. رفع الحجّة عن الذين لا يزالون مستوطنين في المنطقة الرمادية بين الحق والباطل. أظهر لهم المشهد كاملًا أمام أعينهم. فتح لهم باب معسكره، وفتح في قلوبهم دربًا لكي يختار من لم يحسم أمره بعد معسكره، ولكي يقول لأهل معسكره من الإعلاميين إن خيارهم كان صحيحًا بانحيازهم إلى الحقّ والحريّة والمقاومة.

عيد المقاومة والتحرير

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف