موقع طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

"كينغال" الروسي يهزم "باتريوت" الأميركي.. أي أبعاد عسكرية واستراتيجية؟
19/05/2023

"كينغال" الروسي يهزم "باتريوت" الأميركي.. أي أبعاد عسكرية واستراتيجية؟

شارل ابي نادر

أعلنت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء الماضي في بيان رسمي أنه تم تنفيذ ضربة مُركّزة ليلاً، عبر أسلحة جوية وبحرية بعيدة المدى، موجَّهة بدقة، في نقاط انتشار وحدات القوات الأوكرانية وفي أماكن تخزين الذخائر والأسلحة والمعدات التي يتمّ تسليمها من الدول الغربية، وأنّ كلّ الأهداف ضُربت، وبينها نظام الدفاع الجوي الأميركي "باتريوت"، والذي دُمّر في كييف بصاروخ فرط صوتي من طراز "كينجال".

ردًا على ذلك، وفي تصريح غامض ومتردد وغير واضح كالعادة، صرّح أحد المسؤولين الأميركيين الأربعاء الماضي بأن أحد أنظمة الدفاع الجوي من طراز باتريوت التي تمّ تزويد أوكرانيا بها تعرّض لأضرار ولكنه لا يزال يعمل، ليعود مسؤول آخر في الادارة الاميركية ويصرح بأن الولايات المتحدة ما زالت تقيم حجم الضرر وسوف يحدد ما إذا كانت المنظومة تحتاج إلى استرجاعها كليًا (بمعنى إخراجها من الخدمة) أو ببساطة إصلاحها على الفور من قبل الأوكرانيين.

ليست المرة الأولى التي ينفي فيها الأميركيون أو يتلعثمون مترددين في توصيف واقعة معينة، وخاصة تلك التي لها طابع عسكري، ليعودوا ويعترفوا بها لاحقا، فورًا أو بعد مرور فترة من الزمن. وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك، قد يكون أشهرها وأكثرها حساسية وتأثيرًا على موقعهم ونفوذهم، عندما تعرضت قاعدتهم العسكرية في عين الأسد في العراق لحزمة من الصواريخ الايرانية، وذلك في رد مباشر على جريمتهم باغتيال قائد لواء القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء الشهيد قاسم سليماني. وفيما نفوا حينها بدايةً نجاحَ استهداف قاعدتهم وحصول أي أضرار، عادوا واعترفوا رغما عنهم بعد انتشار صور الدمار وانكشاف حجم الاضرار، لتكون الواقعة الاخيرة (تدمير مجمع الباتريوت في كييف)، والتي نفوها بداية وعادوا واعترفوا بها، ايضًا إحدى أهم المواجهات الأميركية - الروسية، والتي تحمل الكثير من الأبعاد الاستراتيجية، بالاضافة لما تحمله من أبعاد عسكرية، لا بد من الاضاءة عليها، وذلك كالتالي:

* في البعد العسكري:

- صواريخ كينغال الروسية، بحسب المسؤولين في موسكو، تمتلك خصائص لا يتمتع بها أي صاروخ من هذا النوع في العالم من حيث السرعة، والتوجه لضرب الهدف مع تغيير مساره على المستويين العمودي والأفقي، ولا يمكن اعتراضه، ومن الممكن تزويده برأس حربي تقليدي أو نووي، ويبلغ وزن رأسه الحربي نحو 500 كيلوغرام، وهو مصمم ليطلق من على متن طائرات مقاتلة مثل "ميغ 31″، و"توبوليف 22″، ويمكن إطلاقه أيضا من السفن والغواصات ومخصص لتدمير السفن الحربية الكبيرة وحاملات الطائرات.

- أما بخصوص منظومة الدفاع الجوي الاميركية باتريوت، فيمكن استخدامها  في التصدي لمجموعة واسعة من التهديدات القادمة من الجو، ويمكن لرادار منظومة باتريوت اكتشاف ما يصل إلى 50 هدفاً والاشتباك مع خمسة منها في وقت واحد، كما ويمكن أن تصل الصواريخ الاعتراضية إلى ارتفاع يزيد عن كيلومترين وتضرب أهدافاً على بعد يصل إلى 160 كيلومتراً.

حول ما حصل تحديدا في المواجهة الصاروخية (كينغال - باتريوت)، وبحسب صحيفة "إزفيستيا" الروسية، فقد أعلن الخبير العسكري الروسي أليكسي ليونكوف أن الطيارين الروس، وبعد أن أجبروا طاقم الـ"باتريوت" على الاشتباك المباشر، اكتشف موقعهم وتم إطلاق الصاروخ الروسي الفرط صوتي وتدميره.

وفي تفاصيل المواجهة، فإن رادار الـ"باتريوت"، وبعد أن اكتشف بوقت متأخر مسار انطلاق الـ"كينغال"، أصبح عاجزًا عن التعامل معه ومواجهته بسبب سرعته الكبيرة، بالرغم  من أنه - وبحسب الخبير الروسي - تم اطلاق 32 صاروخًا من مجمع الـ"باتريوت" لاستهدافه، عجزت جميعها عن اصابته لتكون هنا ميزة السرعة فرط الصوتية، هي النقطة الحاسمة في هذه المواجهة، إذ لم تستطع منظومة التعرف على الهدف والاطلاق لدى الـ"باتريوت"، ان تتفوق على فارق السرعة التي يمتلكها الصاروخ الروسي، بالاضافة لما يملكه من قدرة على المناورة والافلات من الصواريخ المضادة في المسافة الأخيرة قبل ارتطامه بالهدف.

* في البعد الاستراتيجي:

يمكن هنا الاشارة الى جانبين في هذا البعد الاستراتيجي، الأول يرتبط بالمواجهة الروسية - الاطلسية في أوكرانيا، والثاني يرتبط بالمواجهة الروسية - الغربية بشكل عام وتحديدًا المواجهة الروسية - الأميركية حول العالم.

لناحية المواجهة في أوكرانيا، فإن أي منظومة دفاع جوي أميركية أو أطلسية، "باتريوت" أو غيرها، إذا كانت منصوبة في كييف لحماية المواقع الرسمية والسياسية الأوكرانية وخاصة مكان وجود الرئيس زيلنسكي، فمن الطبيعي أن تكون من الأكثر فعالية بهدف حماية هذه المواقع الأوكرانية وتحديدًا الرئيس زيلنسكي، لأن الأخير يمثل الواجهة العلنية والظاهرة لقيادة معركة الغرب الاطلسي ضد الروس مباشرة، وحمايته أساسية وضرورية للأطلسي، في إكمال هذه المواجهة العالمية اليوم.

وأن يقوم الروس بتدمير منظومة الدفاع الجوي الأميركية والمكلفة بحماية هذه المواقع المهمة في كييف، فهذا الأمر يحمل رسالة خطيرة حول قدراتهم وامكانياتهم الاستثنائية والحساسة في هذا المجال، والتي قد يلجأون الى استعمالها في وقت معين.
 
وأخيرًا، ولناحية المواجهة الأميركية - الروسية حول العالم بشكل عام، فإن تدمير الـ"باتريوت" الأميركي بواسطة الـ"كينغال" الروسي، يشكل صفعة غير بسيطة للأميركيين، ويمكن اعتبارها نقطة رابحة للروس في سباق التسلح بين الطرفين، وصحيح أن الأميركيين يمتلكون أكثر من منظومة دفاع جوي متطورة حاليًا غير الـ"باتريوت"، مثل "ايجيس"  و"ثاد"، والتي ينشرونها بفعالية في البلطيق وفي الاسكا وشرق آسيا وشمال غرب المحيط الهادي، ولكن يبقى لـ"الباتريوت" وقع حساس، كونه المنظومة الأكثر انتشارًا في العالم، وكونه أيضًا، المنظومة الأكثر رواجًا في العالم من الناحية التجارية بالنسبة للأميركيين، وأن تُهزم من قبل صاروخ روسي فرط صوتي "كينغال"، في الوقت الذي صممت خصيصًا لمواجهة الصواريخ الروسية، فإن لهذا الأمر تأثيرات سلبية جدا على واشنطن ومن النواحي كافة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات