ramadan2024

آراء وتحليلات

سلاح العقيدة والكيان
16/04/2023

سلاح العقيدة والكيان


احمد فؤاد
في مناسبات تاريخية معينة، وكبرى، تحتاج الأمم أول ما تحتاج إلى وقفة ضرورية مطلوبة، وملحة، تستطيع فيها أن ترى إلى أي مدى وصل بها الطريق وإلى أي حد مضت بها أقدامها، وقفة مراجعة الأهداف وحساب التكاليف وإعادة تقييم التغييرات الطارئة على معادلات الفعل والواقع، وقفة لا تصبح ارتدادًا عن الطريق، بل هي تجهيز لخطوة كبيرة أو قفزة هائلة على طريق تحقيق الأماني العظام.

اليوم، مع تزامن مناسبتين جليلتين في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية، وهما إعلان الجمهورية الإسلامية في أول نيسان/ أبريل، ثم الاحتفال بيوم القدس العالمي في الرابع عشر منه، والمواجهات التي شهدتها فلسطين في شهر الله المبارك رمضان، والتغير الحاد في موقف الصراع بالمنطقة، وما استجد على أطراف هذا الصراع من ثقة ووحدة تظلل جانبًا وضعف وتضعضع يسيطر على الآخر، لا بد لنا من أن ننظر بعمق كيف كنا ثم كيف أصبحنا، وما الذي أوصلنا إلى هنا.

إننا نقف أمام لحظة تاريخية مجيدة، وفارقة، كلمة أطلقها رجل واحد في ثقة وإيمان، استطاعت بالإيمان والصبر والعمل المستمر الدؤوب أن تغير واقع أمة كاملة، حين اختار الإمام روح الله الموسوي الخميني (قده) أن يطلق صيحة الحق المدوية باعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يومًا للقدس، كان يغير كل الثوابت والمعادلات التي وضعها الكيان وسيده الأميركي وتوابعه من الحكام العرب، كان يستدعي العقيدة والدين والقلوب إلى واجهة الصراع، ويضم صفوف المقاومة ويجمع كلمة الأمة ويلم صفوفها أمام التحدي القائم.

أدرك الإمام في لحظة الأزمة الكبرى أن العقيدة هي صلب القوة الإسلامية وأساسها، بل وقلبها الملتهب النابض، وبالتالي فقد كسر المزاعم الصهيونية والأميركية، والتي سقط في فخها الوعي العربي العام، بأن صراعنا هو على حدود 1967 أم خطوط هدنة 1949، وقدم قضية فلسطين ومركزية القدس فيها باعتبارها قضية إيمان كامل ضد كفر كامل، قضية واحدة واضحة قاطعة، لا تقبل المساومات ولا تخضع للمفاوضات ولا تعرف مهادنة ولا تردد.

أين كنا وكيف أصبحنا، في الحقيقة فإن إجابة هذا السؤال تكمن في معاينة الفارق المذهل بين كل معاركنا وحروبنا مع الكيان قبل/بعد نيسان 2023، فقد كانت إستراتيجية الكيان وقاعدته الأولى للعمل ضد الدول العربية تقوم على مبدأ الفصل بين الجبهات، فوق امتلاكه لعقيدة الردع أمام الدول العربية، مستفيدًا بشدة من انعدام العقيدة الوطنية والدينية عن الجيوش العربية التي واجهته في أي حرب، ليبعد عن أذهان وقلوب المؤسسات العسكرية العربية المحيطة أية أفكار للتورط من جديد في نزاع مسلح، مع خصم أذاقهم مجتمعين الهزيمة ورد جيوشهم إلى أوطانها مكللة بالعار، المرة بعد المرة.

منذ إعلان الكيان في 1948، ظلت الخلطة الصهيونية للعمل قائمة وفاعلة وناجحة، والإستراتيجية الصهيونية التي تبدو ثابتة في أية مواجهات عسكرية مع دول المواجهة العربية، تؤمن وتبني على أنه بإمكانها فصل الجبهات العربية، والاستفراد بكل جبهة في معركة واحدة، تضربها بكل ما أوتيت من قوة ومن سلاح لتحطمها، ومن ثم، تنتقل بعدها إلى جبهة أخرى، وأتت الخطة الصهيونية أكلها أمام العرب المثقلين بالهموم والتشرذم المروع، أصحاب النفس الأقصر في الحرب، الذين قد يتمكنون من حشد جهودهم بالفعل لمعركة، لكن إن طال الوقت تراخت التعبئة وضعفت الحماسة، ثم تنفجر شواغلهم وخلافاتهم الداخلية وتأخذهم إلى طرق أخرى بعيدة عن التي جمعت بينهم في البداية.

العقيدة التي مثلها اختيار الإمام الخميني (قده) للقدس كشعار للصراع فرضت على الجبهات العربية المقابلة للكيان وحدة العمل المقاوم، وبالتالي حين ردت غزة والضفة ولبنان وسوريا على الإجرام الصهيوني غير المسبوق بحق المسجد الأقصى، درة التاج وقلب الصراع، فقد وقف الكيان الصهيوني لأول مرة في موقف العاجز غير المصدق ولا المستوعب لحجم ما أصابه من ضربات.

يكفينا للإشارة إلى ما تغير من معادلات قوة في المنطقة إلى خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وهو يضع النقاط النارية  على الحروف المغموسة بالدم، وقد قال في خطاب يوم القدس العالمي نصًا: " أي عمل أحمق في القدس أو الضفة أو غزة أو لبنان أو سوريا قد يجر المنطقة إلى حرب كبرى"، بل وهدد الكيان المرتعش وحكومته الهشة بقوله الذي صار عنوانًا للخطاب الفاصل "منشوف"، دلالة على أن التهديدات الجوفاء الصادرة من الكيان تمثل لحظة ضعف، ورسالة للداخل المنهار بفعل تبدد قدرته على الردع، أكثر من كونها خطرًا على المقاومة.

اليوم وبعد عقود طويلة من هذه الصرخة السماوية، والسير في درب الآلام المعمد بالفداء والدم والعرق، نستطيع أن نقول ـــ مطمئنين إلى صحة القول ودقته ـــ إن الأمة أخيرًا وجدت طريقها الصحيح لإزالة هذا الورم السرطاني عن جسدها، وأن القوة والقدرة على الفعل لدى محور المقاومة لم تعد كل إمكانيات الكيان وكل قوة حماته الغربيين قادرة على وقفه أو على رده وردعه.

إن ما جرى في هذا الشهر الفضيل، والذي شهد لأول مرة تغيير أقدارنا الجماعية في مواجهة عدونا الصهيوني ومشغله الأميركي، تعد حقيقة فرصة العمر لهذه المنطقة وشعوبها، والتي وضع فيها محور المقاومة جماع طاقته وسخر لها كل إمكانياته وموارده، وضحى في سبيل الوصول إليها بأعز الناس وأغلاهم وأكرمهم، وفي ظرف دولي دقيق تتغير فيه مواقع القوى الكبرى وتتبدل مقاعد القيادة العالمية، فإن استغلال هذه اللحظة المجيدة إلى أقصى حد ممكن هو مطلب حيوي يتعلق به مستقبلنا لعقود ـــ وربما قرون ـــ قادمة، وإن فلتت هذه الفرصة التاريخية فإن سنوات طويلة من العسر والألم في انتظارنا، مصيرًا جماعيًا شاملًا، ليس فيه فصال وليس لنا منه مناص، إننا أمام سؤال الحياة أو الموت، القدرة أو العجز، الحل أو السقوط.

القدس المحتلةالإمام الخمينيمحور المقاومةيوم القدس العالميالكيان المؤقت

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
الاحتلال يشنّ حملة اعتقالات واسعة بالضفّة الغربية والقدس
الاحتلال يشنّ حملة اعتقالات واسعة بالضفّة الغربية والقدس
3 شهداء وعدد من الجرحى في اقتحام قوات الاحتلال مدنًا في الضفة الغربية
3 شهداء وعدد من الجرحى في اقتحام قوات الاحتلال مدنًا في الضفة الغربية
30 ألف مصلٍّ يؤدون صلاة العشاء في المسجد الأقصى
30 ألف مصلٍّ يؤدون صلاة العشاء في المسجد الأقصى
من القدس إلى الضفّة.. سياسة الاحتلال في قضم الأراضي مستمرة
من القدس إلى الضفّة.. سياسة الاحتلال في قضم الأراضي مستمرة
شهداء وجرحى برصاص الاحتلال في جنين والقدس
شهداء وجرحى برصاص الاحتلال في جنين والقدس
بالصور: محفل للأنس بـ"القرآن الكريم" بحضور الإمام الخامنئي
بالصور: محفل للأنس بـ"القرآن الكريم" بحضور الإمام الخامنئي
الثورة الإيرانية بعد 45 عامًا.. نجاحات بحجم التحديات!
الثورة الإيرانية بعد 45 عامًا.. نجاحات بحجم التحديات!
الثورة الإسلامية في جبهة المقاومة منذ عام 1979
الثورة الإسلامية في جبهة المقاومة منذ عام 1979
الإمام الخامنئي: على خواص العالم الإسلامي المطالبة بقطع العلاقات مع "اسرائيل" نصرةً لغزة
الإمام الخامنئي: على خواص العالم الإسلامي المطالبة بقطع العلاقات مع "اسرائيل" نصرةً لغزة
"عشرة الفجر" تتصدّر اهتمامات الصحف الإيرانية
"عشرة الفجر" تتصدّر اهتمامات الصحف الإيرانية
"العهد" يعاين موقع الاعتداء الأميركي الأخير على ديرالزور
"العهد" يعاين موقع الاعتداء الأميركي الأخير على ديرالزور
جبهة الشمال واستراتيجية الحاج الرضوان
جبهة الشمال واستراتيجية الحاج الرضوان
أبواق هزيمة العدو في غزّة
أبواق هزيمة العدو في غزّة
المشهد الإقليمي وسط صراع الحقائق
المشهد الإقليمي وسط صراع الحقائق
زيارة وزير الدفاع السوري إلى طهران: تنسيق وردع مشترك
زيارة وزير الدفاع السوري إلى طهران: تنسيق وردع مشترك
من مخيم اليرموك الى مضيق هرمز
من مخيم اليرموك الى مضيق هرمز
حزب الله يُحيي يوم القدس العالمي في جبيل وكسروان
حزب الله يُحيي يوم القدس العالمي في جبيل وكسروان
الشيخ دعموش: وحدة الساحات ليست مجرد شعار للاستهلاك بل هي معادلة يعمل على تكريسها 
الشيخ دعموش: وحدة الساحات ليست مجرد شعار للاستهلاك بل هي معادلة يعمل على تكريسها 
بالصور: كشافة الإمام المهدي تقدم عرضًا فنيًا تحت عنوان "سنصلي في القدس" 
بالصور: كشافة الإمام المهدي تقدم عرضًا فنيًا تحت عنوان "سنصلي في القدس" 
إحياء ليوم القدس.. حزب الله ينظم أنشطة رياضية في صيدا والجوار 
إحياء ليوم القدس.. حزب الله ينظم أنشطة رياضية في صيدا والجوار 
تحليلٌ صهيوني: "إسرائيل" في ورطة استراتيجية
تحليلٌ صهيوني: "إسرائيل" في ورطة استراتيجية
تهديدات العدو باقتحام رفح مستمرة.. فهل جيشه جاهز؟
تهديدات العدو باقتحام رفح مستمرة.. فهل جيشه جاهز؟
عاموس يدلين: "إسرائيل" لا تستطيع التصادم مع الولايات المتحدة
عاموس يدلين: "إسرائيل" لا تستطيع التصادم مع الولايات المتحدة
تجنيد "الحريديم" الخيار الأوفر على اقتصاد العدو
تجنيد "الحريديم" الخيار الأوفر على اقتصاد العدو
تسع سنوات على العدوان.. صمود اليمن كان انتصارًا لفلسطين
تسع سنوات على العدوان.. صمود اليمن كان انتصارًا لفلسطين