طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

تنافس أميركي - اسرائيلي لاستهداف المقاومة والجيش اللبناني
17/12/2018

تنافس أميركي - اسرائيلي لاستهداف المقاومة والجيش اللبناني

جهاد حيدر

ليس أمراً عابراً أن يكشف السفير الاسرائيلي في الامم المتحدة داني دانون عن فشل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وفريقه الأمني الذي رافقه قبل أيام الى بروكسل، بهدف عقد لقاء عاجل مع وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، في انتزاع موقف اميركي مؤيد لفرض عقوبات على الجيش اللبناني. ومع أن الطرفين يتفقان على ضرورة اخضاع لبنان وضرب المقاومة واضعافها، إلا أن اختلافهما في الرؤية والتقدير أدى الى تباين تكتيكي بينهما، ودفع الجانب الاميركي الى رفض الطرح الاسرائيلي. والسبب كما أورده دانون أن واشنطن ترى في الجيش اللبناني "هدفاً يمكن العمل معه"، وهو ما ينطوي على أكثر من مؤشر ورسالة تتصل بالمخطط الاميركي الموازي والمتكامل مع المخطط الاسرائيلي.

ايضا، لم تكن صدفة أن يبادر نتنياهو في هذا التوقيت الى طرح مثل هذه الصيغة ضد الجيش اللبناني، وهو ما يؤشر الى استهدافات المخطط الاسرائيلي ازاء لبنان والمقاومة، وكونه بات أمراً ملحاً في هذه المرحلة، وإلا لما استعجل نتنياهو عقد هذا اللقاء وحمل معه اليه كلّا من رئيس الموساد يوسي كوهين، ورئيس هيئة الأمن القومي مئير بن شابات، وسكرتيره العسكري.

وبلحاظ المهام الموكلة الى كل من الشخصيات الأمنية والسياسية، التي واكبت نتنياهو وعلاقتها بالمخطط الاسرائيلي ضد لبنان والمقاومة، يأتي دور رئيس الموساد في عرض المعلومات والمعطيات التي يفترض أن تعزز الموقف الاسرائيلي بمواجهة ما يراه مخاطر على الأمن الاسرائيلي. بالموازاة، يأتي دور رئيس هيئة الأمن القومي في عرض البدائل ومناقشتها لتذليل العقبات التي تقف أمام "اسرائيل" لإضعاف المقاومة، ومواجهة التهديدات المحدقة بـ"اسرائيل". الى ذلك، يمكن للسكرتير العسكري أن يؤدي دوره من موقع كونه الحلقة الوسطى بين رئيس الحكومة والمؤسسة العسكرية.

وتمثل هذه المحطة - اللقاء مع بومبيو - وما طرح خلالها، إحدى القنوات الأساسية التي انتهجتها "اسرائيل" للالتفاف على المقاومة في لبنان. واللافت أن ذلك يتعارض مع الدور الوظيفي المفترض لـ"اسرائيل"، التي كانت توكل اليها تنفيذ السياسات الاميركية في لبنان في هذا النوع من المهمات. أما الآن فتسعى "اسرائيل" للاستعانة بالولايات المتحدة لمواجهة المقاومة في لبنان، عبر فرض عقوبات على الجيش اللبناني الذي يتكامل في أدائه ونشاطه مع حزب الله على قاعدة حماية لبنان من أخطار الخارج، وضمان استقرار الداخل.

بالطبع، لم تكن "تل ابيب" تلجأ الى هذا النوع من الطروحات لولا ارتداعها عن اللجوء الى خيارات عملانية هجومية في مواجهة حزب الله. وأقل ما كانت لجأت اليه – لولا قوة ردع المقاومة - هو محاولة فرض حصار جوي وبحري على لبنان للضغط عليه ومن أجل تجريده من عناصر قوته التي تمثلها المقاومة.

في ضوء القيود التي وجدت المؤسستان الأمنية والسياسية نفسيهما تتحركان تحت سقفها، كان من الطبيعي أن تلجآ الى طرق التفافية، من ضمنها محاولة قلب صورة المشهد. وبعدما بدت المقاومة قوة رادعة، حمت لبنان في أخطر ظروفه التاريخية في مواجهة الخطر التكفيري، تجهد "تل ابيب" بكافة الأساليب لمحاولة قلب الصورة، في محاولة للقول إن لبنان القوي بمقاومته هو مصدر تهديد، وتهدف من وراء ذلك الى تحريض الداخل اللبناني على المقاومة وسلاحها، خاصة وأنها تلمس وجود أصوات ومواقف في الداخل اللبناني تتناغم مع هذا الخيار الذي تسخّر له كافة امكانياتها السياسية والاعلامية. وضمن هذا الاطار، تندرج ايضا التهديدات التي أطلقها العديد من المسؤولين الاسرائيليين ضد الساحة اللبنانية، في الأيام الأخيرة، والتي تأتي امتداداً أيضا للتهديدات التي توالت خلال أكثر من عقد، منذ حرب العام 2006.

مع ذلك، ينبغي أن لا يدفع الى الاطمئنان رفض الولايات المتحدة للطرح الاسرائيلي، لأنه عادة ما يكون ذلك نتيجة خطة مضادة تراهن عليها واشنطن لتحقيق نفس الأهداف. ومن الواضح أن العبارة التي أوردها السفير الاسرائيلي، دانون، كانت كافية في دلالتها، خاصة وأنه اعتبر أن واشنطن ترى في الجيش اللبناني "هدفاً يمكن العمل معه". وهو ما يعكس القلق الاميركي من الدور الذي يؤديه الجيش حاليا في تكامله مع المقاومة بمواجهة التهديدات الخارجية وبما يضمن الاستقرار الداخلي.

في ضوء ذلك، يمكن التقدير أن لدى واشنطن نوعين من الدوافع لرفض الطرح الاسرائيلي المتطرف. أحدهما ما يتعلق بوجود خطة بديلة لديها، تراهن من خلالها على تحقيق انجازات ما، والآخر ما يتعلق بمخاوفها من تداعيات الخيار الاسرائيلي المطروح، كونه ينطوي على محاولة التمهيد لفرض عقوبات شاملة على لبنان ككيان، وهو ما قد ينطوي على تداعيات هائلة في حال فشل هذا الخيار.  

وهكذا يصبح من الضروري في المرحلة التالية مراقبة الأداء الأميركي، الى جانب المخططات الاسرائيلية، التي تستهدف المقاومة ولبنان، وتحديداً بعد فشل كافة الرهانات والخيارات السابقة، وبعدما أظهر لبنان مناعة بمواجهة محاولات ضرب عمق المقاومة وجبهتها الداخلية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات