طوفان الأقصى

لبنان

خلاف حاد بين الكتل في مجلس النواب على خلفية إجراء الإنتخابات البلدية والرئاسية
29/03/2023

خلاف حاد بين الكتل في مجلس النواب على خلفية إجراء الإنتخابات البلدية والرئاسية

ركزت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم من بيروت على الإجتماع الذي عقدته اللجان النيابية المشتركة في مجلس النواب وما رافقه من سجالات اندلعت على خلفية مناقشة ملف الإنتخابات البلدية والإختيارية وسط خلاف حاد بين الكتل النيابية حول هذا الموضوع، والذي سرعان ما تطور الى إشكال بين النائبين علي حسن خليل وسامي الجميل، ما استدعى من الرئيس نبيه بري الى إحتواء الموقف عبر تكليفه نائبه إلياس بو صعب بتطويق الإشكال.

وفي الشأن الرئاسي، لم يسجل أي جديد، غير ما دعت اليه كتلة "التنمية والتحرير" أطراف المعارضة الى الإتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية.


"البناء": بعد تراجع ميقاتي أمام بكركي… خليل يعتذر من الجميل: الفتنة نائمة ولن نمنح فرصة لإيقاظها

لبنانياً، يبدو الوضع القلق طائفياً وما يرافق الانسداد السياسي والرئاسي على موعد كل يوم مع مناسبة جديدة، فلم يكد إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن التراجع عن قرار اعتماد التوقيت الشتوي حتى نهاية شهر رمضان منعاً لمناخ الفتنة بعدما وقفت بكركي في صف التمرد على القرار وأعلنت السير بالتوقيت الصيفي، حتى كاد سجال نيابي في اجتماع اللجان المشتركة في مجلس النواب، تشهد الاجتماعات النيابية مثله وأكثر ولا يتوقف أمامه أحد، أن يتحول الى عنوان طائفي تحت شعار المسّ بالمقدسات، كما قال النائب سامي الجميل عن الكلام الذي وجّهه اليه النائب علي حسن خليل، ورغم إيضاح الجميل أن المقدسات التي قصدها ليست طائفية بقي التوتر السياسي والطائفي يتعاظم على وسائل التواصل الاجتماعي، ما استدعى بمبادرة من نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب، وبمباركة رئيس المجلس نبيه بري، اتصال النائب خليل بالجميل والاعتذار منه، منعاً لمنح الفتنة النائمة أي فرصة للاستيقاظ،، وإجهاض أي محاولة للعبث إن كان أحد يريد إيقاظها، كما علق مصدر نيابي.
وبعد انحسار عاصفة الجنون التي هبّت على خلفية الخلاف على التوقيت ووضعت مصير البلاد والعباد على ساعة الانفجار الطائفي، يبدو أن الجمر لا زال تحت الرماد، حيث انتقلت الأجواء الطائفية الى مجلس النواب بإشكال كبير بين النائبين علي حسن خليل وسامي الجميل كاد أن يفجّر البلد من جديد لولا تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائبه الياس بوصعب لاحتواء الموقف.
وفي التفاصيل أنه مع بدء الجلسة، علا الصراخ من داخل الهيئة العامة بسبب سجال بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر على خلفية دعوة خلف لانتخاب رئيس جمهورية. فما إن دعا خلف النواب إلى انتخاب رئيس جمهورية حتى ردّ عليه زعيتر معتبراً كلامه «مش بالنظام». وارتفع سقف النقاش بين النائبين، وتبادل النواب الشتائم والكلام النابي. ثم تبعه نقاش حادّ خلال الجلسة بين رئيس حزب الكتائب والنائب علي حسن خليل على خلفية الخلاف حول ملف الانتخابات البلدية وقد عقد الجميّل مؤتمرًا صحافيًا أكد فيه أن ما حصل خطير ومسّ بمقدسات ولن يمرّ. قال «جئنا لنؤكد أن عدم حصول الانتخابات البلدية والاختيارية سيؤدي إلى فوضى كبيرة في البلد»، لافتاً إلى أن «هناك مئة طريقة للحكومة لإجراء الانتخابات البلدية وأعطينا أمثلة ان مصرف لبنان يصرف يومياً 27 مليون دولار لمنصة صيرفة ولتهدئة سعر الصرف».

في المقابل، رأى خليل أنّ «للأسف هناك جهات لأسباب عديدة تصرّ على تعطيل المجلس النيابي ورفض عقد جلسات تشريعية». وأضاف من مجلس النواب: «الانفعال الذي تكلّم عنه أحد الزملاء هو ما يولّد ردّات الفعل وكان كلامي واضحًا إذ قلت نحن كمجلس نيابي لا نتحمّل مسؤولية سحب الأموال من SDR وإذا أحد رؤساء الأحزاب اقترح ذلك فليتحمل هو المسؤولية».
وتابع «قصدت جعجع بتصريحه عن الـSDR منذ يومين ورئيس «الكتائب» النائب سامي الجميّل أصرّ أنّه هو المقصود وتكلّم معي بلغة تخطّت لغة الزمالة فاستحقّ ردّة فعلي ليعلو الصراخ في المجلس». وأكد أن «لن أقبل بأن يكون هناك أيّ مسّ بكرامتنا تحت أي شكلٍ من الأشكال»، موضحًا «أننا لن ننجر إلى خطاب الانقسام في البلد». وشدد خليل على أنّ «حركة «أمل» حركة قاتلت من أجل لبنان وما زالت تُناضل وهي الحريصة على السلم الأهلي بعكس جهاتٍ رفعت شعار «لكم لبنانكم ولنا لبناننا» بسبب «الساعة».
وأكدت مصادر نيابية ومجلسية لـ«البناء» أنه لم يحصل أي تضارب بين النواب في الجلسة، بل علا الصراخ والسجال بين خليل والجميل على خلفية بعض الملفات الخلافية بين الطرفين، وهذا طبيعي أن يحصل في ظل أجواء الاحتقان في البلاد والانقسام حول ملفات كثيرة. وشدّدت المصادر على أن أكثر من نائب خرج وأكد بأنه لم يحصل أي تضارب، مبدية استغرابها مسارعة بعض وسائل الإعلام بنقل أخبار مغلوطة تساهم في النفخ بالفتنة.

وتدخل الرئيس بري لاحتواء الموقف، وكلف بوصعب ايجاد المخرج المناسب لسحب فتيل الأزمة وتجنب أي تداعيات، وكشف بوصعب «أنني تواصلت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وأطلعته على تفاصيل ما حصل، فبادر بعدها مباشرة برّي واتصل برئيس حزب «الكتائب» اللبنانية سامي الجميل»، مؤكداً له «حرصه على معالجة ما حصل». وعلى أثر هذه الاتصالات، زار بو صعب مقرّ حزب الكتائب في الصيفي حيث اجتمع مع الجميل واتفق معه على طريقة معالجة الموضوع.
في هذا السياق، أجرى النائب خليل اتصالاً بالجميل بصفته رئيس حزب الكتائب معتذراً منه على الكلام الذي صدر عنه، مؤكداً «كامل احترامه للجميل ولحزب الكتائب».
وكانت السجالات اندلعت خلال جلسة اللجان المشتركة لمناقشة ملف الانتخابات البلدية والاختيارية وسط خلاف حاد بين الكتل النيابية حول هذا الموضوع، ووفق ما تشير مصادر نيابية مشاركة في الجلسة لـ«البناء» الى أن المشكلة في إجراء الانتخابات التمويل والقدرة اللوجستية، وهناك احتمالان: أو تمويلها من نقل اعتماد إضافي من احتياط الموازنة لصرفه وفق قاعدة الاثنتي عشرية. وهذا اقتراح النائب علي حسن خليل أو من حق السحوبات من صندوق النقد الدولي، لكن الاقتراح الأول أي نقل الاعتماد على موازنة 2022 وليس 2023 ولا قانون تشريعي يجيز الصرف على القاعدة الاثنتي عشرية.
وتؤكد مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» الى أن التيار مستعدّ لحضور جلسة تشريع لموضوع الانتخابات البلدية للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية»، لكن القوات اللبنانية وفق مصادرها ترفض هذا الأمر.

وتكشف المصادر النيابية لـ«البناء» الى أن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل لم يقدم أي دراسة مالية تبين قدرته للتمويل ولا على توقيعه على حقوق السحب الخاصة، فيما وزير الداخلية لم يقدم خطة أمنية ولوجستية وقانونية لكيفية إجراء الانتخابات».
وتشير مصادر إعلامية الى أن «حكومة تصريف الأعمال يمكنها تأمين التمويل اللازم للانتخابات البلدية مثلما فعلت في ملف جوازات السفر، وكما تفعل في مواضيع عدة». وذكّرت بأن «وزير الداخلية لا يزال بصدد دعوة الهيئات الناخبة في 3 نيسان حرصاً منه على الالتزام بالمهل القانونية».
في الشأن الرئاسي، لم يسجل أي جديد، ودعت مصادر كتلة التنمية والتحرير أطراف المعارضة الى الاتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية طالما أنهم اتفقوا على «الساعة»، موضحة لـ«البناء» أنه عندما تتقدّم ترشيحات جدية ويرى الرئيس بري مرشحين جديين ويعلن رئيس المردة سليمان فرنجية رسمياً ترشيحه سيدعو بري الى جلسة «وصحتين عاللي بيربح»، وأضافت: «فليرشح النائب جبران باسيل ورئيس القوات سمير جعجع مرشحاً أو فلتتفق المعارضة على ترشيح النائب ميشال معوّض ويعلن فرنجية ترشيحه ولينزل الجميع إلى المجلس النيابي للتصويت». كما بيّنت المصادر أن «الثنائي أمل وحزب الله داعم لترشيح فرنجية وليس مرشحه. وهذا الثنائي دعا الى التوافق على فرنجية على قاعدة الحوار، وليس فرضه على الآخرين».
الى ذلك، يواصل رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط والوفد المرافق لقاءاته في باريس مع المسؤولين الفرنسيين، وأشارت أوساط في الحزب الاشتراكي لـ«البناء» الى أن «وفد الاشتراكي لا يزال في باريس وسيعود اليوم وبانتظار وصوله لمعرفة نتائج الزيارة والاتجاه الدولي لا سيما الفرنسي السعودي باتجاه لبنان»، وأوضحت أن «الزيارة تشاورية مع القيادة السعودية واللقاء مع المعنيين بالشأن اللبناني».
ولفتت الى أن «الأمور حتى هذه الساعة مقفلة ولا بادرة إيجابية إلا إذا أثمر الاتصال بين الرئيس الفرنسي والأمير محمد بن سلمان، لكن لا يمكن الركون اليه لتأكيد حصول خرق إيجابي قريب قبل تلمّس نتائجه على الأرض»، وشدّدت على أن جنبلاط «لم يطرح مبادرة جديدة وهو متمسك بطرحه السابق بطرح ثلاثة أسماء للتوافق، ولكنه منفتح على النقاش ويؤكد بأن لا يمكن مقاربة وإنجاز الملف الرئاسي من دون تسوية». ولفتت الى أننا «نتواصل مع مختلف الأطراف أكان في المعارضة وفي فريق الثنائي لكن التوافق هو الحل للأزمة»، مشددة على أن «السعودي لا يزال على موقفه من الرئاسة».
وأكد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، أن «لا أحد في لبنان يستطيع أن يدير شؤون البلد من موقعه الطائفي على حساب بقية المكونات، ولا أحد يطمح لذلك على الإطلاق، كلنا نطلب شراكة ونسعى من أجل أن تكون الشراكة حقيقية قائمة على الاحترام المتبادل والمواطنية الصادقة وعلى عدم التمايز والتمييز بين المواطنين».
ورأى رعد، في كلمة له أنه «ليس هناك خيار ولا حل ولا طريق للخروج من مأزق الفراغ الرئاسي إلا بالتفاهم الوطني. نحن نمدّ أيدينا ولا زلنا لهذا التفاهم حتى ننقذ بلدنا وحتى نتجاوز الأزمة التي نحن فيها».

"الأخبار": جديد الاستراتيجية الغربية ضد المقاومة.. برامج دعم بدل برنامج صندوق النقد: تفكيك البيئات الحاضنة للمقاومة يتواصل

في سياق داخليّ خارجيّ متوقع، طويت صفحة صندوق النقد ضمن استراتيجية أميركية واضحة لإحلال «برامج دعم» تتصيد المواطنين بالمفرد وتقيدهم وتربط مستقبلهم بمزاج الداعمين، محل برامج الصندوق التي تقيد المواطنين والبلد بالجملة وتربط مستقبلهم بمزاج الأجندة الأميركية

في سياق داخليّ خارجيّ متوقع، طويت صفحة صندوق النقد ضمن استراتيجية أميركية واضحة لإحلال «برامج دعم» تتصيد المواطنين بالمفرد وتقيدهم وتربط مستقبلهم بمزاج الداعمين، محل برامج الصندوق التي تقيد المواطنين والبلد بالجملة وتربط مستقبلهم بمزاج الأجندة الأميركية

الواضح في هذا السياق أن كل ما يحصل منذ 17 تشرين الأول 2019 مرسوم بدقة: من قرار إقفال المصارف، إلى قرار التصدي للـ«كابيتال كونترول»، والدفع إلى عدم دفع الديون بدل إعادة جدولتها، إلى توفير الذرائع المتواصلة لعدم اتخاذ أي قرار إنقاذي مع رمي المسؤوليات تارة في ملعب المصارف، وأخرى على هذه الكتلة النيابية أو تلك، وثالثة على حاكمية مصرف لبنان، ومرات على مجلس الوزراء، وإضاعة كل هذا الوقت لاستجداء موافقة صندوق النقد. علماً أن كثيراً من القوانين الإصلاحية أُقرّت فعلاً في المجلس النيابي، لكنها لم تقدم أو تؤخر لأن السلطات التنفيذية والقضائية والمالية والأمنية المعنية بتنفيذها لا تجد نفسها ملزمة بذلك، ولا يوجد من يحاسبها... وهذا ما يقود إلى الاستنتاج بأن صفحة «إنقاذ صندوق النقد للبنان واللبنانيين» طويت حتى إشعار آخر، ما يبقي للبنانيين 3 خيارات:

الأول، وضع حد للخفة المستحكمة بكل مواقع المسؤولية، موالاة ومعارضة؛ ووضع رؤية اقتصادية تحدد إمكانيات الدولة وموجوداتها (من الذهب إلى النفط إلى الأملاك) ومداخيلها لمفاوضة صندوق النقد أو غيره من موقع قوة. مع قرار سياسيّ نهائيّ مشترك بتطبيق القوانين وإجراء الإصلاحات الطارئة اللازمة. وهذا ما يستلزم انتخاب رئيس جمهورية، وتشكيل حكومة من دون إضاعة عام أو عامين في مناكفات الأحجام ثم تعطيلها بذرائع مختلفة.
الثاني، فعل كل ما يلزم لاسترضاء الخليج عموماً والسعودية خصوصاً، لتعود العقارب إلى زمن باريس 1 و2 و3 وتعويم الدولة اللبنانية بنظامها وشعبها، بغض النظر عن الفساد وسائر الموبقات. علماً أن استرضاء الخليج اليوم لا يقتصر على النأي بالنفس عن مشكلات المنطقة إنما يمر بضمان أمن إسرائيل أيضاً.
الثالث، تحويل حزب الله خطاباته عن الصين، مثلاً، من أقوال إلى أفعال، مستفيداً من عدم قدرة خصومه على التعطيل إذا ما قرر المضي قدماً في هذا الاتجاه. مع العلم أن تطوير البنية اللبنانية التحتية والمطار والمرافئ ووصل سكة الحديد اللبنانية بعيد تأهيلها بحمص أو الشام، بشراكة صينية، جميعها من صلاحية وزير الأشغال علي حمية. ولا شك أن خصوم الحزب سيلزمون الصمت كما حصل عند وصول النفط الإيراني إذا ما نجح في إقناع الصين بضخ بضعة مليارات من الدولارات في الاقتصاد اللبناني، مع وجوب شرح كيف وأين انتهى التداول في النفط الإيراني، ولماذا لم تقدم روسيا على استثمار رمزيّ أقله في قطاع صناعة الدواء على رغم قيام وزير الحزب السابق حمد حسن بكل ما يلزم لبناء مصنع للقاحات سبوتنيك؟

تنبغي الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والخليج تنفق نحو مليار دولار سنوياً للحفاظ على نفوذها في لبنان، فيما لا تبدي بكين وموسكو أي اهتمام ببناء أي نفوذ، لا بل سارع عملاق النفط الروسي إلى التخلي عن حصته ضمن ائتلاف التنقيب في لبنان لمصلحة الشركات القطرية، من دون أن يقدم على تطوير استثماره لخزانات الشمال بعدما تحدّت وزارة الطاقة الولايات المتحدة في منحه هذا الامتياز الاستراتيجي.

وإذا كان الخيار الأول صعباً جداً أو شبه مستحيل، والخيار الثاني غير وارد، والخيار الثالث تنقصه الإرادة الصينية والقدرة الروسية قبل الإرادة والقدرة اللبنانيتين، فإن الأكيد أن كل ما رسم اقتصادياً عبر الأدوات المتنوعة بدأ يؤتي ثماره لجهة الإفقار الممنهج المدقع قبل ربط العسكريين مباشرة بالحلم الأميركي بمئة دولار، والأسر الأكثر فقراً بثمانين أو مئة وعشرين دولاراً، في سلسلة برامج ستشمل قريباً الدواء والغذاء والمياه. وإذا كانت فرص العمل قد باتت محصورة منذ أكثر من خمس سنوات بجمعيات المجتمع المدني الممولة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بعد تدمير القطاعين العام والخاص، فإن فرص الصمود واستمرار الحياة للمواطن العادي تنحصر يوماً تلو الآخر أكثر فأكثر بما يوصف ببرامج الدعم الممولة هي الأخرى من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بعد أن حول الاقتصاد اللبناني من اقتصاد ريعي مفترض إلى اقتصاد يقوم على برامج الدعم للهيمنة بفتات الفتات. والأكيد في هذا السياق أن المقاربات التي تبشر بإعادة نظر أميركية - أوروبية - خليجية في هذه السياسات، بعد أن تيقن القيمون عليها بعدم جدواها، غير دقيقة أو واقعية أو منطقية، لا بل العكس تماماً، إذ تعتقد الولايات المتحدة وأوروبا والخليج أن فاتورتها في لبنان انخفضت، بعدما تخلص هؤلاء من السماسرة الذين كانوا يتقاضون عمولة هائلة لربط المواطنين بهم مباشرة - والمقصود هنا بعض الموظفين في المؤسسات الأمنية - في ظل انهيار مؤسساتي يسمح لهم بتحقيق اختراقات جوهرية على صعيد الإدارة و«الداتا» والبرامج التشغيلية للإدارات، وفي ظل معلومات تؤكد أن دافعي الضرائب في الولايات المتحدة لا يسمحون بانتفاع أي مواطن لبناني سواء كان عسكرياً أو غيره من برنامج المئة دولار ما لم يكن مؤمناً بـ«قيم الولايات المتحدة» في ما يخص الديموقراطية و«محاربة الإرهاب»، تماماً كما يحصل في الجمعيات على صعيد التوظيف والاستفادة من المشاريع. وإذا كان الحزب قد نجح في تحصين بيئته ضمن الطائفة الشيعية، فإن المقاربة الأميركية تقول إن البيئة الحاضنة للحزب كانت شيعية ومسيحية ودرزية، فيما هي شيعية فقط اليوم، وهو انتصار مهم في المرحلة الأولى من الحصار التي يفترض أن تتبعها ثانية وثالثة.

"النهار": الفضائح العنقودية: استباحة المجلس بالكلام المقذع

على نمط الفضائح التسلسلية او العنقودية، باتت الفضائح تسابق يوميات اللبنانيين ومأسيهم وتداعيات الكوارث التي يرزحون تحتها وهي تتهاطل عليهم ممن لا يزال في قدرتهم انتاج مشاهد الهبوط المقزز الذي يجتاح “ثقافات” سياسية تربت ونشأت وكبرت وتعملقت على خلفيات استباحة المؤسسات واخضاعها لـ “ثقافة الميليشيا” التي تستسيغ مثلا تحويل ام المؤسسات أي البرلمان ، الى ساحة فلتان كلامي مقذع ورمي الاتهامات والنعوت المخجلة التي لا يمكن القبول بها وتسويغها حتى في الشارع .

ما جرى البارحة في مجلس النواب، بعد ساعات قليلة من طي فضيحة التوقيتين، بدا اكبر من فضيحة ولو ان برلمانات عدة في العالم تشهد حوادث صدامية وكلامية، ولكن في لبنان الذي صار مفطورا على الرقص على حافية الفتن كان يمكن كلاما مقذعا كالذي اطلقه علي حسن خليل، النائب و”المعاون السياسي” لرئيس مجلس النواب نبيه بري والناطق الاوثق باسمه وباسم حركة “امل” مسددا الاتهامات ب”الاجرام” لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ووالده الرئيس الأسبق للجمهورية امين الجميل ان يفجر فتنة بكل ما للكلمة من معنى. احتقان مخيف انكشف تحت جنح التفجر الاقذاعي الكلامي هذا غداة سقوط فضيحة فرض تجميد التوقيت الصيفي بايعاز معروف من عين التينة، ولكن الانفجار جاء هذه المرة بصورة كلام هابط مقذع. تحلى سامي الجميل بحكمة مشهودة وروية مقدرة ومعقلنة حين بادر فورا امام الرأي العام المحلي الى وضع مجريات المواجهة الكلامية في عهدة الرئيس بري الذي لم يكن اقل حكمة في ملاقاته الى احتواء ما كاد يتسبب به لسان النائب الأقرب اليه. برّي أجرى اتصالاً بالنائب سامي الجميل بعد مؤتمره الصحافي الذي قال فيه إنه سيضع ما حصل في جلسة اللجان المشتركة في عهدة رئيس مجلس النواب، وبدأ العمل على امتصاص التداعيات، اذ ذكر ان بري اعرب عن سخطه لما جرى وان علي حسن خليل اتصل بدوره على الأثر بالنائب الجميل لانهاء الاشكال وتداعياته. ولكن الفضيحة لم تطمس ، فماذا جرى؟

الكلام الصدامي

كانت الاجواء السياسية في البلاد لا تزال مشحونة ومتوترة بفعل التصعيد في الخطاب الذي رافق عاصفة التوقيت وسط مؤشرات لا تزال لا تستبعد اقدام رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على الاعتكاف بدليل عدم حضوره امس الى السرايا وعدم انعقاد أي اجتماع او لقاء في السرايا. وسط هذا المناخ انفجر خلاف حاد في جلسة اللجان المشتركة التي اجتمعت لتناقش 8 بنود، الا انها انتهت بسبب كثرة الاشكالات التي تجاوزت حدود التخاطب الاخلاقي، خلالها، من دون اقرار اي منها. فمع بدء الجلسة، علا الصراخ من داخل الهيئة العامة بسبب سجال بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر على خلفية دعوة خلف لانتخاب رئيس جمهورية. فما إن دعا خلف النواب إلى انتخاب رئيس جمهورية حتى ردّ عليه زعيتر معتبراً كلامه “مش بالنظام”. وارتفع سقف النقاش بين النائبين، وصدر عن زعيتر كلام غير مسبوق في المجلس إذا قال للنائبة بولا يعقوبيان، النواب “شو هالبضاعة”، وتوجّه لخلف بالقول “متل صباطي”.

وما ان انحسرت هذه المواجهة حتي انفجرت أخرى اشد سؤا اذ انه اثناء مناقشة موضوع تمويل الانتخابات البلدية طرح النائب سامي الجميل اكثر من احتمال لكيفية تأمين الأموال دون الحاجة الى انعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب والتي كرر اعتبارها غير دستورية بحكم الشغور الرئاسي. كما طرح إمكانية استعمال أموال السحب الخاصة SDR التي تستعمل اليوم لأغراض متعددة وصولا حتى الى تنظيف الوزارات. هنا تدخل النائب علي حسن خليل وقال : “ان احد رؤساء الأحزاب يريد مخالفة الدستور ويطلب من مجلس الوزراء مخالفة الدستور”. فقاطعه النائب الجميل قائلا : ” استغرب كيف ان حضرة الزميل يعطينا امثولة في كيفية احترام الدستور والقوانين والقضاء”. فانفعل حسن خليل ورد على الجميل بحدة قائلا” انت مجرم ابن مجرم ومن عائلة مجرمة”. ودبت الفوضى وعلا الصراخ ثم عقد الجميّل مؤتمرًا صحافيًا أكد فيه “أن ما حصل خطير ومسّ بمقدسات ولن يمرّ”. وقال “جئنا لنؤكد أن عدم حصول الانتخابات البلدية والاختيارية سيؤدي الى فوضى كبيرة في البلد، لافتا إلى أن هناك مئة طريقة للحكومة لإجراء الانتخابات البلدية وأعطينا امثلة ان مصرف لبنان يصرف يومياً 27 مليون دولار لمنصة صيرفة ولتهدئة سعر الصرف”. أضاف: “… لكن حصل شيء بهذه الجلسة التي شهدت منذ بدايتها توترات، لن أدخل في تفاصيل ما حصل وسأضعه بعهدة الرئيس بري لنرى كيف سيتعاطى مع الأمر”. اضاف “إن أفصحت عمّا حصل سأكون مساهماً بفتنة يريد البعض جرّ البلد إليها وهذا ما لا نريده، من هنا لن أتحدث عما حصل خلال الجلسة والذي كان يمكن أن يأخذ البلد الى مكان آخر”. وتابع “تسجيل ما حصل في الجلسة موجود، أي ما قلته وما قاله الزملاء، وأدعو الرئيس بري لأخذ التسجيل والاستماع إليه وإن كان سيعتبر ان ما حصل يمرّ فنكون امام مشكلة كبيرة لن يقبل بها أحد”. وأوضح الجميّل أن ما حصل مسّ بمقدسات وانطلاقاً من هنا اتوجه الى الرئيس بري إن كان سيعالج الموضوع فهو يعرف كيف يعالجه وإن لم يرغب بمعالجته فتكون الرسالة وصلت وسنرى مع حلفائنا كيف سنتعاطى” أضاف : “لن أتحدث ولن أدخل بالتفاصيل وأكرّر أن التسجيلات موجودة ولم أتوجّه لعلي حسن خليل بأنه مطلوب للعدالة”. وختم: “الموضوع بات بعهدة بري”.

في المقابل، قال خليل أنّ “الانفعال الذي تكلّم عنه أحد الزملاء هو ما يولّد ردّات الفعل وكان كلامي واضحًا إذ قلت نحن كمجلس نيابي لا نتحمّل مسؤولية سحب الأموال من SDR وإذا أحد رؤساء الأحزاب اقترح ذلك فليتحمل هو المسؤولية”. تابع “قصدت جعجع بتصريحه عن الـSDR منذ يومين ورئيس الكتائب النائب سامي الجميّل أصرّ أنّه هو المقصود وتكلّم معي بلغة تخطّت لغة الزمالة فاستحقّ ردّة فعلي ليعلو الصراخ في المجلس”. وأكد أن “لن أقبل بأن يكون هناك أيّ مسّ بكرامتنا تحت أي شكلٍ من الأشكال وأننا لن ننجر إلى خطاب الإنقسام في البلد”.

واصدر نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب، بيانا جاء فيه : “على اثر السجال الذي حصل خلال جلسة اللجان المشتركة بالمجلس النيابي تواصل نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب مع الرئيس نبيه بري رئيس المجلس النيابي واطلعه على تفاصيل ما حصل؛ فبادر بعدها مباشرة الرئيس بري واتصل برئيس حزب الكتائب اللبنانية الشيخ سامي الجميل مؤكدا له حرصه على معالجة ما حصل، كما طلب بري من بو صعب استكمال اتصالاته لايجاد حل من شأنه ان يعالج الموضوع سريعا. وعلى أثر هذه الاتصالات، زار بو صعب مقر حزب الكتائب في الصيفي حيث اجتمع مع رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل واتفق معه على طريقة معالجة الموضوع. وبعدها، اجرى النائب علي حسن خليل اتصالا بالشيخ سامي الجميل بصفته رئيس حزب الكتائب معتذرا منه على الكلام الذي صدر عنه ولاسيما بعدما تأكد النائب خليل أن الكلام الاستفزازي الذي صدر بحقه لم يكن صادرا عن رئيس حزب الكتائب. واكد خليل خلال الاتصال الذي شارك به بو صعب، كامل احترامه للشيخ سامي الجميل ولحزب الكتائب”.
 

مجلس النواب

إقرأ المزيد في: لبنان