طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الورقة الأميركية الملعونة
23/03/2023

الورقة الأميركية الملعونة

أحمد فؤاد

أهم ما تمخضت عنه القمة الروسية - الصينية، هو أنها خرجت بجملة من القرارات تعزز قدرات روسيا على مواجهة حلف الأطلنطي بقيادة الشيطان الأميركي، ثم وجهت الطعنة إلى أهم نقاط قوة واشنطن، الدولار، بإعلان زيادة التبادل التجاري بين الدولتين بالعملات المحلية، ثم الدعم الروسي لتحويل تجارة الصين مع العالم، وأميركا الجنوبية خصوصًا، إلى اليوان الصيني، وهو قرار يتجاوز الدولار تمامًا، ويختصر المسافة الزمنية الطويلة الشاقة المطلوبة لإنجاز عملة عالمية بديلة للدولار.

أزمة اللحظة الحالية، في عالمنا العربي على الأقل، أنه وفوق الأزمة القائمة فإن تناول الواقع اليوم يجري على قاعدة تسييد العواطف وتحكيم الهوى لا العقل، وحتى حين نقرأ بهدوء ما يجري في العالم، فإننا ننشد إلى آفاق الخيال ولا تستوقفنا أجزاء الحقيقة المنثورة على أرضية الصدامات الكبرى الجارية، والماثلة على خلفية التحركات والتصريحات، وتجاهل ما وراء المواقف المتشددة لصالح التمسك بتصنيفات عامة وتأويلات غير منطقية. وفي الحقيقة فإننا أمام مشهد عالمي متغير ومربك، والتوقعات بتغيير قمة الهرم العالمي لا تنتمي تمامًا إلى خلق رواية من الخيال، وإنما هي حقيقة في طور النشوء والتشكل، لا يستدعيها المتابع من العدم، لكنها تفاصيل ووقائع تجري وتتطور وتفرض وجودها يومًا بعد يوم.

3 دول عربية، على الأقل، وصلت إلى لحظة السقوط والانكشاف أمام الورقة الخضراء، ورغم تباين مواقعها ومواقفها إلى حد جذري، فإنها لا تزال مصممة على التعامل مع أزمتها الحالية وكأنها انعكاس للحرب الروسية في أوكرانيا، أو أنها تداعيات منطقية لفترة تفشي جائحة كورونا وضريبة ضمن ضرائبها الفادحة على الدول الصغيرة، سوريا المطلوب بشدة كسرها، ولبنان المطلوب دفعه إلى انفجار داخلي لا يبقي ولا يذر، ومصر التي تنازلت وسلمت مقدمًا ومجانًا كل شيء. عملات الدول الثلاث فقدت أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، ومع ما ألقته من ملايين إلى حافة القهر والجوع، فإنها مرشحة للأسوأ، فقط الأسوأ.

في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، اختار سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، أن يتحدث عن المستقبل، وفي كلمة له بمناسبة عيد النيروز، وضع القائد ما يمكن اعتباره "خارطة طريق"، تبني على الإرادة الوطنية وعلى التغييرات العميقة الجارية وعلى الأمل والإمكانيات موقفًا مبدئيًا حاسمًا، يرى ويدرك التحديات الهائلة التي تجابه الجميع، لكنها في النهاية تصل إلى طريق جديد يخاصم التبعية والعجز المفروض قسرًا على شعوبنا وأمتنا.

بدأت الجمهورية الإسلامية منذ سنوات طريق مخاصمة الورقة الخضراء الملعونة في تعاملات تجارتها الدولية، كان هذا استباقًا لماحًا ونقطة مبكرة أحرزتها طهران، وأعاد القائد مجددًا تحديد هذا الهدف الكبير، والتمسك بثوابت السياسة الإيرانية فيما يخص تعاملها مع المستقبل، والسعي إليه، لا انتظارًا سلبيًا ولا استسلامًا لإرادة الفاعلين العالميين، لكنه سعي إيجابي يؤمن بالقدرات ويجيش الإمكانيات ويرى العوائق والنواقص، وهو في هذا كله، يتسلح بالإيمان المطلوب لإنجاز التحول الكبير.

استعرض سماحة القائد في خطابه الخط الأساس لقصة الثورة الإسلامية، وهو المواجهة مع قوى الاستكبار العالمي بقيادة أميركا، معتبرًا أن هدفها الأول والثابت منذ نجاح الثورة وإلى اليوم هو: "إزالة كل ما يذكّر الشعب بالإسلام الأصيل، وتبديل سيادة الشعب الدينية إلى حكم مُناسب للاستكبار، وإيجاد حكومة مُماثلة لرغباته يجلس على قمتها شخصٌ مطيعٌ له".

ومن جديد شدد القائد على الفكرة الأساسية المطلوبة لتجاوز عصر الهيمنة الأميركية، فلا يكفي أن يركن كل إنسان إلى الصبر وفقط، بل الواجب أن يكون رفض الأميركي هو فعل عملي قادر، يستند إلى فهم ووعي بطبيعة الظرف الحالي، ويحشد موارد الأمة لتحقيق التغيير المنشود، يمزج العداء المبدئي بالحركة والتفاعل الخلاق بين النفس والغير، ولم يعتبر الإمام القائد أن فكرة مقاومة العدو تقدم للحكومة شماعة جاهزة للخطايا أو الفشل أو مبررات للتراجع والتسليم، بل وصل إلى القول إن "إيران حقّقت التقدّم الكبير على الرغم من الضغوط الاقتصادية، فالأعداء يهابون تكرار كلمات تقدّم إيران وقوّتها".

هكذا وجدت طهران في مواجهة صعبة مع عدو مهيمن ومخيف أولى درجات النجاح، وهي تحويل التحدي القائم إلى محفز منشط للطاقات والقدرات، وسبب أولي لإظهار اللحمة الوطنية والتحلي بقدر هائل من الثقة. ووصولًا إلى يومنا هذا، فإن الحصار الأميركي الشامل، والقائم منذ 1979، لم يبدأ في الانكسار فحسب، وإنما هو قد تهاوى أمام إرادة صمود حقيقية، وتضحيات هائلة تكبدتها الجمهورية الإسلامية، ولا تزال.

أهم ما جاء في خطاب الإمام كان الحديث عن نقطة حيوية، وهي مفتاح العالم الجديد من حولنا، قائلًا إن "علينا أن نقطع أيّة علاقة بالدولار، لأن إحدى مشاكلنا الاقتصادية هي الاعتماد على الدولار كمعيار للعملة الوطنية، ومن المُعيب أن يكون اعتمادنا على تصدير النفط الخام، بل يجب تعزيز الشركات المُولّدة للثروات لحلّ الأزمة الاقتصادية".
الخطاب ببساطة هو خطاب مستقبلي بامتياز، يرسم طريقًا فسيحًا وعريضًا مفتوحًا نحو الخروج من صحراء التيه هذه، لا أميركا ولا أدواتها المالية، صندوق النقد والبنك الدوليين، ستلقي لنا بحبل النجاة، ولا العصر الأميركي برمته سيحمل إلينا شيئاً آخر سوى الخراب والسقوط، وسبيل الإنقاذ الأوحد هو تغيير البوصلة العربية الصدئة، والميتة.

الاقتصادالدولار

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة