طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

توتر غير مسبوق.. هل أطلقت بكين حرب أعصاب ضد واشنطن؟
14/02/2023

توتر غير مسبوق.. هل أطلقت بكين حرب أعصاب ضد واشنطن؟

شارل ابي نادر

يتزايد القلق الأميركي من الأجسام الغريبة التي تظهر فوق أجواء البلاد الشمالية. وللمرة الرابعة يعلن الجيش الأميركي عن إسقاط جسم طائر آخر، بعد أن تم اسقاط ثلاثة أجسام  قبل ذلك نهار السبت في المجال الجوي لأميركا الشمالية بعد متابعة مشتركة بين القوات الجوية الكندية والاميركية. ونهار الجمعة تم إسقاط جسم آخر غير معروف فوق ألاسكا من قبل الطائرات الاميركية. وكان سبق هذه الحوادث، الحادثة الأكثر حساسية، والتي تم فيها إسقاط منطاد المراقبة الصيني المشتبه به، بعد أن قضى بضعة أيام محلقًا فوق أمريكا الشمالية، قبل أن يتعرض للاستهداف قبالة ساحل ساوث كارولاينا جنوبي شرقي الولايات المتحدة الأمريكية بصاروخ أُطلق من طائرة إف-22، وليسقط فوق منطقة من المياه الضحلة نسبيًا، بحسب مسؤولين في البنتاغون، بعد أن برروا سبب التأخر في استهدافه بأنه حتى لا يشكل سقوطه خطرًا على المدنيين أو المنشآت داخل الأراضي الأميركية.  

لم تستبعد القيادة الأميركية الشمالية أن تكون هذه الأجسام تابعة لـ"كائنات فضائية"، حيث تراقب بقلق الأجواء مع تتالي رصد أجسام غامضة، وفي ظل توتر حاد مع الصين، على خلفية المنطاد الذي وصفه الأميركيون بأنه مخصص لأغراض التجسس، أمر الرئيس بايدن الجيش بإرسال طائرات عسكرية لإسقاط الجسم الغامض في إجراء "احترازي"، وفق ما أكد مسؤول أميركي كبير أضاف أن الجسم الجديد يتألف هيكله من ثمانية أضلاع وتتدلى منه أوتار، وأنه لم يكن يمثل تهديدًا عسكريًا على أي شيء على الأرض، موضحًا أنّه كان من المحتمل أن يشكل خطراً على الطيران المدني، حيث حلّق على ارتفاع 6 آلاف متر فوق ولاية ميشيغان. ليس لدينا ما يشير إلى أنّ لديه قدرات على المراقبة، ولكن لا يمكننا استبعاد ذلك".

انطلاقًا من الكلام الأخير للمسؤول الأميركي، ومن التوتر المرتفع بين بكين وبين واشنطن على خلفية حادثة المنطاد واسقاطه غير المبرر ــ كما رأت الصين ــ كونه لأغراض علمية وانحرف عن مساره بسبب الأحوال الجوية، أو الاسقاط  المبرر أميركيا كونهم اشتبهوا بأنه لأغراض مراقبة وتجسس، يمكن الاضاءة على عدة نقاط حساسة ترتبط بحالة التوتر الواسعة التي وصلت إليها العلاقة الصينية ــ الأميركية، وذلك على الشكل التالي:

عمليًا، لا يمكن تفسير هذا الظهور المفاجىء لأجسام غامضة طائرة فوق المجالات الجوية الأميركية ــ تحديدًا ــ بأنها جاءت عن طريق الصدفة، فيما لو سلمنا بأنها قد أطلقت من قبل كائنات فضائية تتواجد في الفضاء الخارجي، وبـأن هذا الاطلاق حصل مباشرة بعد أن أسقط الأميركيون منطادًا صينيًا. وفيما أطلقت القيادة الأميركية فرضية الكائنات الفضائية، لا يمكن استبعاد فرضية العامل الصيني أو الدور الصيني في هذا الاطلاق المتسارع الأخير لعدة أجسام طائرة غريبة.

انطلاقًا من الفرضيتين: الكائنات الفضائية أو العامل الصيني، وحيث لفرضية الكائنات الفضائية دراسة مختلفة وخاصة، لا يمكن مقاربتها بأي منطق متعارف عليه ومتداول علميًا، يبقى من الضروري الاضاءة على العامل الصيني، الذي يحمل نسبة مرتفعة من الصحة.

تتعرض اليوم الصين لحملة أميركية شرسة تستهدفها في عدّة ملفات عالمية، أهمها:
 
ــ ملف تايوان: انفصالها عن الصين وملف مضيق تايوان كممر دولي كما يريده الأميركيون أو ممر صيني - اقليمي كما تريده بكين.

ــ ملف بحر الصين الجنوبي والاشكالية بين الصين من جهة والفلبين وفيتنام من جهة أخرى، على ملكية جزر استراتيجية فيه (الباراسيل وسبراتلي)، وموقف واشنطن المنحاز في هذا الخلاف بشكل كامل ضد الصين.

ــ ملف التغيير الاستراتيجي الذي خلقته واشنطن فجأة وبسرعة غير مسبوقة، لناحية نقل اليابان من دولة شبه محايدة كانت غير معنية بأي صراع شرقي - غربي، وكانت قد قيدتها نتائج الحرب العالمية الثانية بقدرات عسكرية محدودة، الى دولة مواجهة عسكرية للصين بدرجة أولى، بعد تغيير عقيدتها العسكرية وفتح باب التمويل الدفاعي على مبالغ ضخمة وغير مسبوقة.

زد على ذلك، الخلاف الصيني - الأميركي على ملفات اقتصادية وعلمية، من أشباه الموصِلات إلى الانترنت الفضائي ومشاريع الصين المرتقبة لتجاوز مشروع "ستار لينك" الأميركي وغيرها، بالاضافة طبعًا لملف سباق التسلح الصيني الخفي، والذي لم تستطع واشنطن حتى الآن اكتشاف مستواه وامكانياته.
 
وفيما تحاذر الصين حتى الآن الخوض في اشتباك أو مواجهة مباشرة في شرق آسيا ترى فيها فخًا أميركيا، تتعدد امكانيات حصوله، نسبة لتعدد الثغرات التي خلقتها بوجهها واشنطن، والمرتبطة بالملفات المذكورة اعلاه، فمن غير المستبعد أن تكون قد أطلقت بكين بعضًا من قدراتها العلمية غير المعروفة، عبر إطلاق الأجسام الغريبة فوق الأجواء الأميركية.

ويحمل هذا الاطلاق الصيني رسالة تتضمن عدة قدرات حساسة، تُظهِر من خلالها موقفًا قويًا في عدة أبعاد ومنها: العلمي والعسكري والاستعلامي، وللقول لواشنطن بأن ساحة الصراع التي أرادتها الأخيرة في شرق آسيا، يمكن أن تنجرف أو تنحرف بسرعة غربًا، لتكون في أجواء الولايات المتحدة الأميركية وعلى عدة مستويات واتجاهات، ليس أقلّها: أجسام غريبة تنتشر بسرعة في تلك الأجواء (الأميركية التي كانت تعتبر نفسها حتى ما قبل حادثة المنطاد محمية أو محصنة أو بعيدة عن الاختراقات)، وتخلق هذه الاختراقات الصينية لدى السلطات الأميركية حالة من الارباك والذعر والفوضى، وإشغال القاذفات الاستراتيجية الأميركية الأكثر تطورًا من الجيل الخامس: أف 22، بملاحقة كل جسم غريب فوق الأجواء الأميركية.  
 
فهل قررت الصين إطلاق معركة حرب أعصاب ضد أميركا ردًا على الحشد الدولي الذي أطلقته واشنطن ضدها في شرق آسيا؟ واذا صح ذلك، هل أخذت المواجهة بين الطرفين طريق اللا عودة، ابتداءً من مبارزة جوية ذات طابع علمي ــ تجسسي ــ عسكري، قد نعرف من أين وكيف تبدأ، ولكن لن نعرف كيف تنتهي؟

الصين

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات