طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

ضياع الهوية على مذبح
06/04/2019

ضياع الهوية على مذبح "الرايتينغ المقدس"!

وائل كركي

لوسائل الاعلام بمعناها التقليدي أو بعشوائيتها الجديدة، التي لم ترتكز بعد على مسمى دقيق في عالم الاتصال، دور بارز في نصرة قضايا المجتمع المحقة، لا بل تكاد تكون الرافعة الاولى التي تدافع عن لغته وعن قضاياه وموروثاته التي تشكل نواته ومركبه الاساس إن كان مدنيا ام حضريا. سنأخذ بيتا من قصيدة علنا نلامس حقيقة ما يحصل من هجانة فكرية واستيراد اعمى لما لا يشبهنا مما يضرب بعراقتنا وأصولنا عرض الحائط: الشاشة اللبنانية وما تقدمه لمشاهديها هو محض ابتلاءاتنا وعين مصائبنا، وبدل القضية أصبح الهدف "السكوب" وبدل المناقبية والمهنية اصبح جل ما يبتغيه اصحاب المحطات التلفزيونية اللبنانية "الرايتينغ ".

يبدأ بازار الاثنين التلفزيوني ببرامج تسمى بالبرامج الاجتماعية ولكنها لا تمت لـ"الاجتماعية" بصلة. هي اقرب الى الفضائحية، الى اللامنهجية واللاهدفية. فما يفيد المشاهد إن عرف عن مشاكل خاصة بين أفراد عائلة واحدة  او عن حالات اغتصاب يجب ان تسلك منحى قضائياً او بعيدا عن الفضائحية وعن الاعلام؟ لماذا لا يكرس الإعلام حيزا كبيرا ومساحة اكبر فقط للقضايا التي تهم الناس وتكون صوتهم؟ لماذا لا نشاهد كثيرا من الحالات المشرفة عن لبنان، عن نماذج ناجحة من لبنان؟ من قال ان هذه الحالات مملة ولن تخدم " الرايتينغ "؟ الغريب في الامر بعد سنين من التنافس بات البازار وبرامجه في تناغم مريب، "التايم لاين" عينه وقت الفقرات منسق وهذا مخالف لمنطقية المنافسة. ماذا يحدث؟ لا احد يعرف. ابسط قواعد التنافس ان لا يكرر المتنافسون بعضهم بعضاً وان يتمايزوا بقضاياهم المثارة. هل فريق الاعداد واحد؟ لا نعلم، ولكن من المؤكد ان خلف هذه الشاشات من يدير فرق الاعداد؟ هناك عدم مهنية قاتلة تصيبنا بجهالة مريبة. اسلوب واحد، تراجيديا مستهلكة لا تعير اي اهتمام لاخلاقيات المهنة، استعراض علني لدموع وانكسار الضحية، حالات اجتماعية غير سوية هشة منتقاة بعناية لا بعشوائية قاطنيها، رعونة في التقديم، تعاطٍ اعلامي طائش من قبل مقدمي البرامج وتفاعلهم غير المفهموم ان كان تفاعلا غير مهني او تفاعلا منظما مفتعلا، ولكن دائما يسبب سوء الحالة ويضيف التراجيديا العفنة سطرا.

تتوالى فصول الحكاية التي تتكرر كل اسبوع ولو بنسب متفاوتة، وبعد البازار "فورمات" تسقط سقطات متتالية وتضيع هويتها بين برامج ترفيهية مسلية الى برامج مثيرة للمشاكل الاجتماعية وللتنافسية المقيتة بين المحطات اللبنانية والهمز واللمز والى صخب غير معروف الهدف وغير واضح المعالم ولا يمت للثقافة بصلة. حتى في المواضيع الجدية باتوا يستصرحون الناس بطريقة غير مهنية لا بل خبيثة يبينون الناس على انهم سذج لا يفقهون شيئا وبدل ان نتفاعل مع ارائهم بتنا نضحك عليهم ونضحك على المواقف " لكمائن" الذين يقعون فيها ...

بعدها يأتيننا الشكل الجديد للبرامج السياسية "التوك شو" التي رفضت ان تبقى على حالها وفضلت ان تخلع جلدها لتواكب عصر " الرايتينغ" ورفعت شعار "العصرنة " والحداثة،  لم تنجح بإقناع المشاهد الذي كان يستمتع بحديث سياسي جيد وممتع جدي مع سياسي او محلل او كاتب أو صحافي مخضرم بل ادخلت اليها عنصرا جديدا وتقمصت دور الناشط وادخلت نسق السوشيال ميديا السريع بدل ان يشكل فقط رافدا لتغذيتها وتطويرها بشكل تدريجي منطقي ويشكل نموذجا متطورا من  البرنامج السياسي الحديث. لماذا اصبحت هذه البرامج تسعى فقط وراء الهاشتاغ ووراء السرعة وتشابك السياقات؟ لماذا لم يعد للجدية والهدوء مطرح بهكذا نوع من البرامج؟ انه مذبح الرايتينغ، فكرمى لعيون الرايتينغ والتراند فلتسقط كل ادبيات المهنة العريقة ولتسقط كل نظرياتها المحقة.

برامج الهواة والمسابقات والتي تأسر نسباً كبيرة من المشاهدين لن نسهب في الحديث عنها وان كانت مستوردة معلبة ومعربة فقط. لن نتحدث عنها وعن اثارها السلبية على المجتمع وعلى بنائه ولكن يستوقفنا لماذا لا نستورد ايضا بعض البرامج المفيدة والتي تأسرنا على بعض المحطات الاجنبية علي سبيل المثال لا الحصر“how to make “  او الكثير من البرامج المفيدة. اين البرامج الثقافية الموجهة للكبار والصغار؟ اين البرامج التي كانت تعلمنا العمليات الحسابية على الشاشات اللبنانية او آداب اللغة العربية حتى اللغات الأخرى؟ كل هذا غير موجود وان وجد فهو غير مبرز لا ترويجيا لا برمجيا. لماذا نضيع هوية اعلامنا؟ من المستفيد من ذلك؟ من سينصر قضايانا المحقة بداية من حفظ لغتنا واعرافنا وقضايانا الى قضايانا الكبرى؟ هل الاعلام اللبناني اهل لذلك؟ هل الشاشات اللبنانية جديرة بان تحمل لواء الدفاع عن قضايا لبنان المحقة، ام التراجيدية العفنة للوصول الى الرايتينغ الواهي هو الشاخص الذي يعين عليه اهل الاعلام في لبنان؟

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف