طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

الدولة اللبنانية والإصلاح الشامل وأزمة أهل السلطة
06/04/2019

الدولة اللبنانية والإصلاح الشامل وأزمة أهل السلطة

محمد علي جعفر

رغم تركيز مختلف القوى السياسية على الوضع المعيشي للمواطن اللبناني في خطابها السياسي وتوجهاتها الحالية، تختلف الطروحات وتتباين بشأن عملية الإصلاح، كما يختلف مستوى الجهود المبذولة. يتزامن ذلك مع اقتراحاتٍ لا يبدو أنها واقعية، بقدر ما هي سياسية إعلامية. من الحديث عن خفض رواتب موظفي القطاع العام، الى الإختلاف الواضح بين بعض الوزارات (كوزارة الإقتصاد مثلاً) ومصرف لبنان. ما يعني غياب التنسيق أو غياب التوافق المبدأي ليس على حلول الأزمة فقط، بل على قراءة الأزمة وتوصيفها.

لكن الأخطر في النقاش الدائر، خروجه عن المألوف والمحاظير وانتقاله من النقاش ضمن صالونات النُخب، الى حديث الشارع اللبناني حيث يتناقله المواطنون. ما يُنبِّئ بضرورة المسارعة في ضبط إيقاع الأمور. فعادةً ما تكون ردات فعل اللبنانيين بأغلبها نتيجة حديث الإعلام. ومع الأسف، فلم يُكلف أحدٌ من الجهات السياسية نفسه وخلال سنوات الحكم، أن يبني لدى اللبنانيين ثقافة الدولة والمواطنة والعلاقة بين المواطن والدولة. بل لم يكن للبنان يوماً ثقافة دولة قوية، مبنية على رؤية وواقع. وهو الأمر الذي يبدو أن أغلب الجهات السياسية باتت تشعر اليوم بخطئها في مقاربته وعدم جعله الأولوية. لبنان كان ومازال بلداً يُديره أهل السلطة في الأزمة والرخاء، دون وجود أي خطة أو استراتيجية دولة. لكن الفارق اليوم، أن أهل السلطة أنفسهم، باتوا يشعرون بالقلق حيال ردات فعل المواطن اللبناني، والجميع أمام اختبارٍ حقيقي لبناء الدولة.

لعل هذا الأمر، يُشكل نقطة إيجابية تُساهم في خلق تحول لدى اللبنانيين وبالتالي الأحزاب والتيارات وبالنتيجة السلطة الحاكمة. مُخطئٌ من يظن أن المشكلة تنحصر بالسلطة. يُلام اللبنانيون لأنهم شركاء وإن كانوا الحلقة الأضعف. لبنان دولة أحزاب سياسية. يُشكل المواطن ركيزة هذه الأحزاب. وأهل السلطة هم وليدة هذه الحقيقة. لنقول أن أهل السلطة يمثلون ثقافة المواطن اللبناني، الأمر الذي بات يحتاج للتغيير.

لكن النقطة الإيجابية هي أن الوضع الحالي هو أكثر ما اجتمع عليه اللبنانيون منذ قيام دولة لبنان. وهو ما يُشكل اليوم مادة حقيقية لمشروع النهوض وبناء الدولة الجامعة التي يريدها المواطن اللبناني، بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو المذهبي أو الطائفي أو المناطقي. فبحسب مفهوم الدولة، لا تتناقض المواطنة مع الإنتماء، شرط أن يُرسِّخ اللبنانيون طاقاتهم ضمن إطار مفاهيم الدولة الجامعة، وهو الأمر المقدور عليه.

لذلك، تقع الأحزاب كافة - والتي يجب أن تمتلك وعي المرحلة واللحظة الدقيقة التي يمر بها لبنان - أمام اختبار حقيقي ستُلام عليه حتماً. الإختبار لا يقتصر على معالجة الفساد وتقاذف الطروحات والمزايدة على العناوين في بازار السياسة الضيق. المشكلة الحقيقية معيشية، يطغى عليها الجانب الإقتصادي والإجتماعي، لكنها في الحقيقة أزمة مفاهيم، أمعَنَ أهل السلطة في ترسيخها خلال عقود، ما جعل سياسات الدولة تنطلق من مفاهيم المحاصصة والمحسوبية، فسَادت مصالح السلطة الرسمية الحاكمة والتي تُمسك بمفاتيح قطاع الأعمال، وطغت لعبة المصالح والحسابات السياسية على مصالح المواطن اللبناني.

اليوم يدخل المواطن كعنصرٍ جديد في حسابات أهل السلطة. جميعهم، يطرحون ضرورة معالجة الوضع الاقتصادي ومُلامسة هموم الناس المعيشية. جيدٌ أن يصبح المواطن جزءاً من هموم أهل السلطة. لكن متى سيتفق أهل السلطة على طروحاتٍ واحدة وبحجم تطلعات المواطن اللبناني؟

ما يزال الجانب السياسي يطغى على مقاربة الأزمة. داخلياً تختلف الأطراف فيما بينها على التفاصيل في ظل غياب رؤية جامعة بحجم الدولة. دولياً يتحدث الغرب الأوروبي عن ضرورة القيام بإصلاحات. ويُشير هؤلاء الى أنها ستكون مؤلمة لكنها أفضل من البديل (بحسب ما نُقل عن الرأي الذي أدلى به رئيس البنك الأوروبي لوزير المالية اللبنانية). من يفقه سياسات الغرب وحلولهم التي يقدمونها لدول العالم الثالث، يعرف السبب. نصائح الغرب ستدفع الدولة لتبني سياسات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي السياسات التي يرفضها الغرب في دولهم. يُصدِّرها الى دولنا على شكل نصائح، يُدرك أنها لن تكون في صالح المواطن اللبناني لأنها سياسات متعددة الآثار السلبية، فيما أهم نتائجها الحتمية أنها سترفع من منسوب الإحتكار وبالتالي غلاء المعيشة.

الى جانب الغرب الأوروبي يأتي الغرب الأمريكي. تخالف واشنطن في توجهاتها مصالح أوروبا لا سيما الخاصة بمؤتمر سيدر. تُروج واشنطن لعقوبات على الدولة تحت عنوان محاربة حزب الله. فيما يُحذر البعض أن نتائج ذلك ستكون سلبية على السياسة الأمريكية، خصوصاً في ظل وجود وعيٍ لدى كافة الأطراف السياسية بنتيجة هذه السياسات التي ستضر اللبنانيين جميعاً.

هنا تدخل السياسة الأمريكية ضمن التوجهات الطبيعية للعقل الأمريكي. واشنطن ليست غيورة على لبنان واللبنانيين. لكنها تجد الفرصة مناسبة لجعل حزب الله سبباً للأزمة اللبنانية. في حين يعرف الجميع أن الأزمة الحقيقية في لبنان قديمة، باتت اليوم طارئة، لكنها ناشئة عن سياساتٍ ممنهجةٍ، قائمة على الهدر والمحسوبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وغياب معايير الكفاءة. المشكلة في الحقيقة قديمة جداً وبدأت عندما لم يكن هناك حزب الله بعد.

بات يحتاج لبنان الى مقاربة حقيقية وعلنية للأزمة. على أهل السلطة أن يجتمعوا حول مفاهيم جامعة للدولة التي يريدها كل مواطن لبناني وهو ما يحتاج الى رؤية بحجم الدولة. عندما يُدرك أهل السلطة ذلك، نكون قد حدَّدنا النقطة الأولى في المسار الحقيقي لبناء الدولة اللبنانية.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف