يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

الفساد في لبنان وكيفية التغيير
02/04/2019

الفساد في لبنان وكيفية التغيير

علي حكمت شعيب
 
مسألة الفساد في لبنان قضية بنيوية رافقته منذ نشأته ككيان، والحماس والرغبة ومن خلفهما العزيمة والإرادة، أمور  ضرورية للخروج من هذا الواقع المأزوم، الذي نعيش فيه، حيث يعيث المفسدون في أرض لبنان فساداً ونهباً وسرقة، لكن القيام بعملية تغييرية دفعية ستجلب مقاومة للتغيير قوية، ليس فقط من أفراد فاسدين، بل من منظمات حزبية وجماعات طائفية تأسس مجدها على الفساد، وقد يؤسس ذلك لحالة فوضى سياسية خطيرة، تربك الدولة وتضعف مؤسساتها، وربما تؤدي إلى إنهاكها وسقوطها، عندما يلجأ الفاسدون إلى منظماتهم الحزبية وطوائفهم مستغيثين بها، واصفين الحرب عليهم أنها حرب على الطائفة أو المنظمة الحزبية.

علينا النظر بواقعية والتحلي بسعة الصدر والقدرة على التحمل والثبات، فالكثير من اللبنانيين لا يعتقد برعائية الدولة له بل يعتقد أن طائفته هي ملاذه.

إن هذا أمر بنيوي في المنظومة القيمية عند السواد الأعظم من اللبنانيين.

فلبنان أسس من قبل المنتصرين في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأوكلت إدارته  للفرنسي، لحماية وخدمة طائفة بعينها، ومن ثم أدت الضغوطات والتوازنات الاقليمية والدولية لكي يكون محتضناً لطائفة أخرى، تبعتها طوائف ملحقة بها، لذلك خيضت الحروب بين أبنائه تحت شعار منع استئثار طائفة معينة بمقدراته، وجعلها متداولة الى حد ما بين مكوناته، وتمّ تقاسم نسبي للسلطات فيه كما حصل في اتفاق الطائف.

لكن لبنان لم يخرج أبداً منذ تاريخ نشوئه، من كونه تابعاً لمندوب سامٍ إقليمي، كان يُطلق يد التابعين له من السياسيين المحليين، ليبنوا مجدهم وحضورهم وقوتهم السياسية فيه، على حساب نهب موارده، وإعطاء الحصة الأكبر منها للراعي الإقليمي ومن خلفه الدولي.

وهذا ليس بدعاً من الأمور، بالأمس القريب شاهدنا تثبيت ملوك وأمراء في ممالكهم، لأنهم أحسنوا اتباع هذه السياسة مع الأمريكي المتغطرس.

وعليه فإن تجذّر الفساد في الجزء الأكبر من الطبقة السياسية أمر واضح وجليّ.

ولا يجد المرء تفسيراً لتلك الثروات، التي جمعت من قبل هؤلاء الفاسدين من بعض السياسيين، لا سيّما منهم الذين دخلوا الحلبة السياسية بعناوين ثوروية نهضوية جذابة، دونما الاستناد إلى ثروة ارتكزت على إقطاع عائلي أو مهن وأعمال تجارية...، إلا أن يأخذ بهذا الاتجاه في التفسير، مضافاً إليه تشريع القوانين، من قبل المتآمرين والغافلين، ووضع السياسات المالية والنقدية لتغطية النهب بالقانون، والسماح بالتفلّت من الرقابة  وإعمال الطائفية السياسية في كل قرار مفصلي فيه، لا سيما في تعيينات السلطة القضائية.

 فلا يتوهمن أحد أن بلداً يمكن أن ينجو من مستنقع الفساد بشكل مقبول، خلال بضع سنين، وهو مقيد فيه بمرساة كبيرة اسمها التبعية للخارج والطائفية السياسية.

 لذلك فإن العملية ينبغي التوغل فيها برفق ضمن هذه البيئة التي ليس مطلوباً فيها أولاً، تغيير توازنها السياسي، الذي رعته القوى الإقليمية والدولية، والمتمثل باتفاق الطائف، الذي شرّع الطائفية السياسية، وأوجد توازناً داخلياً هشاً، شبه مقبول.

 لكن ما يجب البدء به هو:

- صناعة اتجاه ايجابي لدى اللبنانيين نحو عملية محاربة الفساد عبر خلق الوعي حولها وإبراز إيجابياتها، والتحذير من  سلبيات الواقع الحالي، المليء فساداً، وخطره على بقاء الدولة، وإثارة ذلك إعلامياً لتصبح القضية الإعلامية الأولى الحاضرة بقوة في البيئة السياسية والاجتماعية اللبنانية.
 
- تأسيس فريق من الجادين من القوى السياسية المختلفة التي تتآزر في سبيل تحقيق هذا الهدف.

 - إصلاح القوانين، وتشريع ما هو مطلوب منها، وتنفيذ ما هو صالح من القوانين الموجودة لمحاربة الفساد، وعدم التهاون أو مراعاة الفاسدين، لأي طائفة أو حزب سياسي انتموا.

- مراعاة الأولويات في قضايا الفساد والتي منها إيقاف النزف المالي، الذي يصب الجزء الأكبر منه في صالح المرابين من السياسيين، وأصحاب رؤوس الأموال، ومالكي المصارف المحلية والمساهمين الكبار فيها، والضغط عليهم لجدولة الدين العام، الذي يشكل الدين الداخلي فيه نصفه تقريباً، واعتماد سياسة الانكماش وترشيد الإنفاق.
 
- تقديم النموذج الراقي والعفيف في إدارة الدولة ومؤسساتها من قبل الفريق المتشكل من القوى السياسية الجادة في محاربة الفساد.

كل هذا ينبغي أن يجري بعيداً عن الصخب الإعلامي، والانتقام السياسي، وتعظيم نقاط القوة السياسية لفريق على حساب آخر، لأن ذلك يضر بهذه العملية، ويمنعها من أن تؤتي ثمارها، لما يستثيره من عصبيات طائفية وحزبية ومناطقية، ويخلقه من أجواء مشحونة بالحقد والكراهية، تشكل دروعاً وعباءات لحماية الفاسدين وتأخير سبل الإصلاح.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل