طوفان الأقصى

خاص العهد

عناصر الدفاع المدني.. إجحاف ومأساة
09/12/2022

عناصر الدفاع المدني.. إجحاف ومأساة

فاطمة سلامة

قبل أشهر، وقف أحد متطوعي الدفاع المدني أمام شاشات التلفزة مختصرًا الواقع الذي يعانيه وزملاؤه بالقول: "باعت زوجتي خاتم زواجنا لنتمكّن من الاستمرار بالعيش". هذه الجملة القصيرة تختصر وعلى بساطتها واقع أكثر من 6000 شخص في لبنان. طبعًا، لا يختلف الحال المذكور عن حال آلاف العائلات في لبنان، لكن لمعاناة موظفي ومتطوعي الدفاع المدني -ومثلهم القوى الأمنية- خصوصية. هؤلاء يحملون "دمهم" على أكفّهم كما يُقال. وقتهم ليس لهم، فهم في تأهب دائم. يضطرون للانسلاخ عن عائلاتهم في أي لحظة. وعليه، يُصبح الإجحاف بحقّهم مُضاعفًا. 

لا يبدو العمل في "الدفاع المدني" سهلًا. المهمّات تتطلّب المغامرة بالحياة في كثير من الأحيان. المُنضم الى صفوف الدفاع المدني -الذي نشأ عام 1945 على إثر الحرب العالمية الثانية- يعلم الى أين ذاهب والى أي فريق عمل ينتمي. ولا يخفى أنّ الدفاع المدني وقبل أن يصبح مديرية مرّ بالعديد من المحطات في لبنان. الأخير لم يتأخّر عن اللحاق بركب هذا النوع من المؤسسات الذي ظهر حول العالم ومنها فرنسا وبمسمّيات مختلفة -قبل الاسم الحالي- كالحماية المدنية أو الوقاية المدنية. 

نبذة تاريخية 

بتاريخ 15 أيار 1956 وبموجب القانون رقم 45/67 -الصادر عن مجلس النواب اللبناني- انطلقت أعمال الدفاع المدني من غرفة وزارة الدفاع وانحصرت بالتدريب والتوجيه. وعام 1959 صدر المرسوم الإشتراعي رقم 159 الذي جعل الدفاع المدني مديرية وحدّد موجباته ليصدر عام 1961 المرسوم التنظيمي رقم 7563 الذي تمّ تعديله فيما بعد بالمرسوم التنظيمي رقم 50 تاريخ 5 آب 1967 لتحديد علاقة الدفاع المدني بباقي المؤسسات والإدارات الرسمية.

عام 1974 استُحدثت أول وحدة عملانية عُهدت إليها أعمال الإطفاء والإنقاذ والإسعاف واستمرت بالتطوّر والنموّ إلى أن أصبح الدفاع المدني بوجهه الحاضر ومهماته الملازمة لحياة الناس اليومية، وفق ما يُعرّف الدفاع المدني عن نفسه على موقعه الإلكتروني. عام 1979، تمّ إلحاق الدفاع المدني بوزارة الداخلية بموجب القانون رقم 6/79. وعام 1994 صدر عن مجلس الوزراء القرار رقم 15 والذي أصبحت بموجبه مديرية الدفاع المدني مديرية عامة.

مهام متنوّعة

يبلغ عدد مراكز الدفاع المدني نحو 226 مركزًا على طول الأراضي اللبنانية بما فيها مركز للتدخل السريع استُحدث داخل مرفأ بيروت عقب الانفجار العنيف في آب 2020. عناصر المديرية حاضرون وعلى تأهب حيث ما تستدعي الحاجة أو يرد أي اتصال الى رقم الطوارئ 125. توكل اليها مهام متنوّعة من إسعاف، إنقاذ، إطفاء وإغاثة. وفي هذا الصدد، تُدرج المديرية على موقعها الالكتروني المهام المنوطة بعناصرها على الشكل الآتي: 

- تأمين الحماية المدنية للأشخاص والممتلكات والبيئة وتدارك الخسائر فيها
-تجنّب الأخطار التي تهدّد السلامة العامة ومواجهتها والحد من نتائجها وذلك في حالات الكوارث والنكبات الطبيعية والظروف الطارئة الناجمة عن الأعمال الحربية، وفي حالة خطر الحرب بمختلف أشكالها. وللدفاع المدني في سبيل تأمين ذلك، الحق في تأهيل الأفراد لممارسة الحماية الذاتية، ولضمان استمرار الحياة العامة بصورة طبيعية في الحالات المشار إليها عن طريق:

*تكليف الآهلين بالموجبات التي تستدعيها مقتضيات الدفاع المدني 
*إعلام المواطنين وتوجيههم وإرشادهم وتدريبهم على أعمال الدفاع المدني
*إجلاء السكان وإيوائهم وتوفير سبل معيشتهم بالتنسيق مع الإدارات والمؤسسات المختصة، وإخلاء الأماكن الخطرة والمعرضة للخطر 
*هدم الأبنية المعرضة للانهيار 
*تأهيل الأشخاص لتأدية المهام المطلوبة 
*السهر على تطبيق القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بكل أعمال الدفاع المدني 
*تنفيذ القرارات الرسمية وفقاً للأحكام القانونية والتنظيمية النافذة.

واقع صعب 

عديد الدفاع المدني ينقسم بين موظفين لا يتخطون الـ300 ومتطوعين يقارب عددهم الـ6000. الحديث مع عناصر من الدفاع المدني يُبيّن المستوى المعيشي الصعب الذي يعيشه هؤلاء والذي لا يرقى حُكمًا الى حجم التضحيات المبذولة. أحد المتطوّعين -الذي يُفضّل عدم ذكر اسمه لما يتطلّبه الأمر من أخذ إذن مُسبق- يتحدّث عن أوضاع صعبة تعيشها عائلات الموظفين والمتطوعين. أولئك الذين يضطر بعضهم للخدمة في مراكز العمل لأيام متتالية -تبلغ أحيانًا حد الـ48 ساعة قبل الذهاب الى المنزل ليوم واحد- يعمل المتطوّع منهم "لوجه الله". أما الموظّف فيتقاضى -وفق المتحدّث- راتبًا شهريًا لا يكفيه بدل شراء "دواء غسيل" لتنظيف "بدلة" الدفاع المدني من آثار الحريق. 

يتحدّث العنصر عن الإجحاف الذي تعرّض اليه عناصر الدفاع المدني من الدولة اللبنانية. ثمّة قانون يحمل رقم 289 أقر عام 2014 عُدِّلت بموجبه بعض مواد المرسوم الاشتراعي الصادر عام 1967 ومنها إعادة تنظيم هيكلية الدفاع المدني وتثبيت الأجراء والمتعاقدين والمتطوّعين. القانون المذكور بقي -وفق المتحدّث- ممنوعًا من التنفيذ على مدى ثماني سنوات. قبل أيام، بدأ أول الإجراءات العملية لتنفيذه مع الإعلان عن طلبات الترشيح المقبولة للاشتراك بالمباراة المحصورة للمتطوعين والتي سيدخل بموجبها نحو 2500 متطوّع استوفوا الشروط الى ملاك الموظفين. 

بداية جيّدة يقول العنصر الذي يشير الى أنّ واقعنا يحتاج الى التحسين أكثر فأكثر. برأيه، مهما قدّمت الدولة لعنصر الدفاع المدني يبقى "قليلًا" لأنّ هذا العنصر يُقدّم للوطن أغلى ما يملك وهي "الروح". يبدو المتطوّع متحمّسًا لذكر اسم كل من يبذل جهدًا ولو بسيطًا لتحسين ظروفه ورفاقه. يشكر لجنة المتابعة للمتطوعين التي لم تكل أو تمل ولم تترك أسلوبًا حضاريًا الا واستعملته للإضاءة على الدفاع المدني. كما يشكر وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي ومعه مدير عام الدفاع المدني ريمون خطار. ولا ينسى أن يشكر قوى الأمن الداخلي. كما يشكر العقيد علي سكينة رئيس اللجنة المكلفة إجراء امتحانات متطوعي الدفاع المدني في معهد عرمون للأمن الداخلي، قبل أن يطلب وبعفوية مطلقة أن لا نغفل عن ذكر أي اسم، مكرّرًا الوصية.

لبنانالدفاع المدني

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة