طوفان الأقصى

خاص العهد

عندما يُجرّم أهل السياسة
01/04/2019

عندما يُجرّم أهل السياسة "السلسلة"

فاطمة سلامة

كلما تحسّس المسؤولون في لبنان خطورة الوضع الإقتصادي، لا يجدون حلاً لـ"دوزنته" سوى عبر المواطنين، الحلقة الأضعف. يتعامل هؤلاء مع الشعب وكأنه مُلك يمينهم. لا حرج لديهم من اتخاذ قرارات متهوّرة، طالما "حيتان المال" ومن يلف لفهم في أمان. يرسم أصحاب القرار لأنفسهم خطوطاً خضراء، تُدوّر فيها الزوايا كيفما يشاؤون. على سبيل التبسيط، يُشكّل المواطن الضحية في هذه الخطوط، فعندما تفشل السياسات يُصار الى تحميله المسؤولية، وعندما تُصيب -إذا ما أصابت- يُصار الى "تربيح" الجميلة. تماماً كما يحصل اليوم، فمنذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب في عام 2017 -بعد سنوات من النضال-، منذ ذلك الحين لم تخمد الأصوات التي تطالب بإلغاء تلك السلسلة أو تعديلها. والعُذر لذلك أقبح من ذنب. وفق ذرائعهم، فإنّ السلسلة تتحمّل مسوؤلية الأزمة الاقتصادية في البلد. يُحمّلون هذا الحق وزر فشل السياسات الاقتصادية منذ عقود، على اعتبار أنّ الاقتصاد اللبناني قبل عام 2017 كان في النعيم، وأتت السلسلة لتحاصره. وللتذكير، فإنّ حجم الدين العام وفق الاحصاءات تخطى عام 2016 ما قيمته 73 مليار دولار، مسجّلا بذلك رقماً اعتبر من أعلى الدول مديونيّة في العالم. هذا سنة 2016 أي قبل عام من إقرار السلسلة!.

وللمفارقة، فإنّ هذا المواطن اللبناني الذي ينتزع حقوقه بيده اليسرى بعد جهد جهيد، يدفع باليمنى ما انتزعه لقاء ضرائب وغلاء معيشة. ورغم ذلك، يأتي من يُلوّح بتعديل وإلغاء السلسلة. وفي هذا الصدد، يستغرب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر تلك الأصوات التي تسعى دائماً لتحميل الطبقة العاملة والموظفين وزر الحالة الاقتصادية التي وصلنا إليها، علماً بأنّ تراكم الفساد والتهرب الضريبي والسياسات الاقتصادية الخاطئة تقف على رأس الواقع الذي نعيشه. برأي الأسمر، فإنّ الأزمة الاقتصادية  تضرب لبنان منذ سنوات طويلة. يُعطي مثالاً على ذلك بالإشارة الى أنّه منذ عام 2012 حتى عام 2017، تصاعد الدين العام في لبنان 17 مليار دولار، ولم يكن هناك سلسلة. يستحضر الكثير من الملفات التي تتحمّل فيها الدولة مسؤولية الانهيار الاقتصادي، فيسأل: هل انتظمت المناقصات والتلزيمات التي تجري بالتراضي خارج إطار الهيئات الرقابية؟ هل الموظف مسؤول عن هذه التلزيمات التي أدت الى خسارة الدولة المليارات؟ هل هو المسؤول عن التهرب من الجمارك، وعن الفساد هنا وهناك؟ هل هو المسؤول عن عجز الكهرباء البالغ 36 مليار دولار منذ التسعينات حتى اليوم؟ 

 

عندما يُجرّم أهل السياسة "السلسلة"

يُشدّد الأسمر على ضرورة تنفيذ القانون بلا أي تلكؤ. يذهب أبعد من ذلك، فهذا المواطن الذي يأخذ السلسلة كحق له في بلد يعاني من انكماش اقتصادي، سيضخ ما تقاضاه في السوق اللبناني، وينعش الأسواق، تماماً كما تنعش القروض السكنية العديد من القطاعات. يؤكّد رئيس الاتحاد العمالي العام أنّ السلسلة حق ولا يجوز المس به، ويعد أنه كما صمدنا وانتزعنا السلسلة سنصمد للمحافظة عليها. 

ناصر الدين..لا ذنب للسلسلة

يتناول الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين قضية السلسلة بالإشارة الى أنها حق لعدد كبير من الموظفين حُرموا منه بسبب سوء إدارة الدولة وسوء السياسات المالية، وبالتالي يتحمّل المواطن اليوم نتيجة فشل أشخاص كانوا في موقع المسؤولية لإدارة مشروع لم تتم إدارته بطريقة صحيحة. فعندما أقرت السلسلة غاب التخطيط السليم ولم يكن هناك رؤية للرواتب والأجور. وبعدما أقرت السلسلة بقي التوظيف السياسي مشرعاً أمام الآلاف في خرق واضح لكل القوانين وفي أماكن لا نحتاجها. يوضح المتحدّث أنّه وللأسف عندما تواجه الدولة الأزمات، يبدأ المسؤولون بالعلاج من المكان الأسهل، أي من الشعب. برأيه فإنّ المشكلة لا تكمن في السلسلة. المشكلة تكمن في فوائد الدين العام التي تُسجل 6 مليارات ونصف سنوياً، ما يؤدي الى انكماش اقتصادي، وإذا خفضنا هذه الفوائد 4 نقاط فإننا سنوفّر على الخزينة حوالى الملياري دولار سنوياً، وهي كلفة تمويل السلسلة. تماماً كما حدث في السابق عام 2001، عندما استدان لبنان من المصارف 4 مليارات دولار لأربع سنوات بصفر فائدة. 

 

عندما يُجرّم أهل السياسة "السلسلة"

 

يشدّد ناصرالدين على أنّ كلفة السلسلة أقل بكثير من أي صفقة في البلد، وعندما أعطيت للمواطنين أدت الى حركة في الأسواق، فالاقتصاد يقوم على الصرف في القطاع العام. ويشير الخبير الاقتصادي الى أنّ الضرائب التي تم فرضها لتمويل السلسلة فشلت بسبب غياب الرؤية الصحيحية، وبسبب النظام الاقتصادي الريعي لا الانتاجي. وهنا يوضح ناصرالدين أنّ بإمكان الدولة جبي إيرادات بمليارات الدولارات سنوياً عبر الكثير من القطاعات: الاتصالات، قطاع الدواء (400 مليون دولار)، الأملاك البحرية (مليار دولار) ، الجمارك (مليارا دولار)، فضلاً عن وفرة يمكن تحقيقها في عدة ملفات كالفيول مثلاً بحيث نستطيع أن نوفّر سنوياً حوالى 500 مليون دولار إذا لم تدخل "السمسرات" في عملية الشراء. 

يعتبر ناصرالدين أنّ هناك الكثير الكثير من الحلول ومنها التسريع في ملف النفط، ولكنّ الدولة القائمة تُهدّد بالقرارات غير الشعبوية، وهذا دليل عجز وعدم قدرة على إدارة الحكم. يُشير الخبير الاقتصادي الى نقطة مهمة جداً، فيسأل: هل سيتم تخفيض أقساط المدارس وتخفيض الأسعار التي ارتفعت حال اشتُمت رائحة السلسلة؟ على الدولة الإجابة عن هذا السؤال. برأيه، فإنّ السلسلة إذا ما تم سحبها سيؤدي ذلك الى انفجار في الشارع. 

يختم ناصر الدين حديثه بالتأكيد أنّ الاستدانة هي مشكلة المشكلات وليس السلسلة، واذا استمرينا على هذا النهج في الاستدانة، فإنّنا قد نصل الى مرحلة تكون فيها فوائد الدين أكثر من الايرادات.

إقرأ المزيد في: خاص العهد