طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

أردوغان يتقرب من سوريا.. هل يهدف لابعادها عن روسيا؟
28/11/2022

أردوغان يتقرب من سوريا.. هل يهدف لابعادها عن روسيا؟

شارل ابي نادر

من الصعوبة فهم تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة حول نواياه العلنية اليوم للتقرب من الدولة السورية، وبقيادتها الحالية الممثلة بالرئيس بشار الأسد تحديدًا، وذلك مقارنة مع تصريحاته السابقة المناقضة للحالية بالكامل التي امتدت لأكثر من عشر سنوات منذ بداية الحرب الاقليمية والغربية التي شنّت على دمشق، والتي كانت أنقرة (اردوغان) رأس حربتها ونقطة الارتكاز الرئيسية فيها، تخطيطًا وتآمرًا وتنفيذًا، عبر غرف عمليات ميدانية ومخابراتية واعلامية، وعبر تأمين وحماية معابر نقل الارهابيين والأسلحة من كافة أقطار العالم لاستهداف سوريا وعلى كامل جغرافيتها، جنوبًا وشرقًا ووسطًا، وليس فقط شمالًا حيث الارتباط المباشر والتأثير الأكبر بين الدولتين.

فما هو سبب هذا التناقض غير المفهوم أو غير المنطقي في موقف أردوغان تجاه سوريا بين الأمس واليوم؟ وأي استراتيجية يتبعها الرئيس التركي من خلال هذه المناورة الحساسة؟ وما هي أهدافه من ذلك؟

أولًا، يمكن اعتبار أن هذا التحول الاردوغاني تجاه سوريا جاء على خلفية الانتخابات المرتقبة في تركيا، وحاجة اردوغان الماسة لايجاد حل مقبول لمشكلة النزوح السوري الضاغط في الداخل التركي والذي سيكون له حتمًا تأثير سلبي على تصويت الأتراك في هذه الانتخابات، وأيضًا يمكن تفهم صحة فكرة اردوغان بأن التقارب السياسي مع القيادة السورية حاليًا سيشكل أرضية تواصل رسمي تعيد نسبة كبيرة من النازحين السوريين برضى ورعاية واهتمام رسمي سوري، ولكن..

اردوغان يعلم جيدًا، والآخرون أيضًا في سوريا وروسيا وايران، أن استراتيجية الغرب وتحديدًا الأميركيين، في استغلال النزوح السوري المشتت في أكثر من دولة في المنطقة وفي العالم أيضًا،  هدفُها الضغط على القيادة السورية ومحور المقاومة وروسيا، كورقة أساسية من أوراق الحرب ضد سوريا، باعتبار أن التوجه السياسي لهذا النزوح الضخم من المواطنين السوريين (مجموعه حسب المعطيات، ليس أقل من ثمانية ملايين مواطن نازح خارج بلاده)، هو الآن ــ حسب نظرة الغرب ــ  في موقع معارض للقيادة السورية الحالية، وأن صوت وموقف هؤلاء النازحين خارج سوريا، سيكون معاكسًا لصوتهم وموقفهم داخلها، والذي لا يمكن أن لا يكون مؤيدًا للقيادة السورية الحالية، عند وجودهم  داخل سوريا، بحسب ادعاء الغرب. وبالتالي، ستتفوق حتمًا استراتيجية الغرب على استراتيجية اردوغان لناحية اعادة النازحين السوريين من تركيا.

من هنا، ومع استبعاد نجاح اردوغان في استغلال التقارب مع الحكومة السورية لمصلحة فوزه بالانتخابات، وحيث من الطبيعي أنه يعلم ذلك جيدا، لا بد من البحث عن أهداف اردوغانية أخرى وراء هذا التودد تجاه سوريا. هل يمكن القول مثلًا إن اردوغان اقتنع أخيرًا باستحالة الانتصار على سوريا بجيشها وبقيادتها الحالية بسبب صمودها التاريخي أو بسبب الدعم المزدوج الروسي والايراني لها، وأنه (اردوغان) استسلم وقرر وقف استهدافها والعمل على تغيير استراتيجيته وايجاد تسوية معينة لعلاقة طبيعية مقبولة مع سوريا؟  

ربما يكون هذا الأمر واردًا في فكر أردوغان وحده، ولكنه ليس واردًا بتاتًا في فكر واستراتيجية الغرب، فمعركة هؤلاء ضد سوريا أو ضد موقعها في محور المقاومة لم تنته أبدًا، وما زالت قائمة ولو مع تغيير في المناورات أو في المخططات، وموقع أردوغان ولو أنه يمكن اعتباره لاعبًا مؤثرًا في هذه المعركة نظرًا لما تملكه تركيا من نقاط تأثير في المنطقة وتحديدًا في سوريا، يبقى موقعه ثانويًا في القرار، إنما رئيسيًا في التنفيذ، ودائمًا لتنفيذ استراتيجية واشنطن، مهما ادعى عكس ذلك اعلاميًا وسياسيًا وميدانيًا.

من هنا، يمكن استنتاج الارتباط العضوي لسياسة اردوغان ــ الخفية وليس العلنية طبعًا ــ بسياسة الادارة الأميركية، والنتائج في كل تدخل لتركيا خارج حدودها تثبّت ذلك، من سوريا بداية حيث الشمال والشرق السوري المحتلين ورقة أميركية بامتياز، وبعناية تركية بشكل مباشر في الشمال وغير مباشر في الشرق، وأيضًا في ليبيا حيث يستمر اللاتوازن السياسي والأمني الذي تريده واشنطن في دولة أساسية من دول المغرب العربي بتدخل تركي. وأيضًا في المواجهة المتواصلة والمفتوحة دائمًا بين أذربيجان وأرمينيا التي تستهدف روسيا بشكل اساسي، حيث يظهر الدور التركي الفاعل، والأيادي التركية المؤثرة في أغلب دول آسيا الوسطى وتؤكد دور أنقرة في تعويم الاستراتيجية الأميركية في تلك المنطقة الاستراتيجية، ضد روسيا وضد الصين بنفس الوقت.  

اذًا، وانطلاقًا من كل ذلك يبقى البحث عن هدف أميركي أساسي من هذه الانعطافة التركية نحو سوريا.

فهل تكون هذه الانعطافة التركية اللافتة ــ وهذا هو الأرجح ــ عبارة عن مناورة خداع أميركية القرار وتركية التنفيذ، للالتفاف على روسيا وتخفيف ارتباط سوريا بها، وذلك بعد فرض تباعد تلقائي بين دمشق وموسكو، من خلال توسيع التقارب التركي مع سوريا رويدًا رويدًا، أمنيًا واقتصاديًا على الأقل، اذا لم يكن سياسيًا، وذلك من خلال ما يمكن أن يفرضه ويتطلبه، التأثيرُ الفعال للحدود وللمعابر بين البلدين، من تنسيق وتواصل بين الطرفين؟

تركيارجب طيب أردوغان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة