طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

القوة العسكرية الأميركية: من سيرثها عند انهيار الدولة العظمى؟
18/10/2022

القوة العسكرية الأميركية: من سيرثها عند انهيار الدولة العظمى؟

عبير بسّام

لا يسعنا ونحن نرى تراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية سياسياً واقتصادياً في العالم، وبدء سقوطها عن قمة دولاب الحظ الميكيافيلي، إلا أن نتساءل عما سيحدث للقوة العسكرية الأميركية الهائلة التي تملكها الولايات المتحدة الأميركية، وإلى أين ستتجه؟ أو أين ستتوزع قواتها المنتشرة على حاملات الطائرات، أو غواصاتها النووية التي تمخر عباب البحار والمحيطات، هذا عداك عن عديد قواتها المسلحة البحرية والجوية والبرية؟ ومن المنطقي أن نفكر أن انهيار الدولة العظمى سيترافق حتماً مع انهيار مالي واقتصادي كبير، يقوّض قدرتها على دفع رواتب العسكريين، أو تمويل كتلتها العسكرية الضخمة بمعداتها وتكاليف تشغيلها.

تاريخيًا، الولايات المتحدة هي حالة استعمارية ومستمرة، فقد اشترت آلاسكا، وفرضت بالقوة انضمام كاليفورنيا، ووحدت الولايات الجنوبية والشمالية بعد حرب أهلية ما تزال بعدها آثار الإزدراء للشمال تحتل مكانة كبيرة بين أهالي الولايات الجنوبية، وما تزال مظاهر الفصل العنصري ماثلة فيها. وفي حين استطاعت روسيا أن تسيطر على 85% من المقدرات العسكرية السوفياتية، هل هناك من سيرث تلك المقدرات في أمريكا ويضمن السيطرة عليها من التفلت لصالح الشركات الخاصة أو لصالح الشركات الأمنية الخاصة، أو ما يعرف حول العالم بالمرتزقة، أو حتى لصالح تجار السوق السوداء للسلاح حول العالم؟

يعتمد الاميركيون على قواتهم المسلحة كثيراً بفضل عديدها الكبير وسهولة نشرها، فضلاً عن انها مدفوعة الاجر سلفاً، وهنا تحديداً يكمن خطر تأسيس مثل هذه القوة الكبيرة. وتشير الأرقام إلى أن الميزانية السنوية للجيش الأميركي زادت إلى أكثر من 700 مليار دولار، وزادت احتمالية استخدامها لشغل وظائف غير عسكرية بالخارج كبديل عن الوكلات المدنية التي تحتاج الى موازنات جديدة، حسبما يرى جيرمي سيوري أستاذ التاريخ في جامعة تكساس.
ويشرح سيوري أن التأثير في الداخل أفظع، لأن نمو القوات المسلحة يعني عسكرة المجتمع، اذ انضم العديد من الجنود السابقين إلى الجماعات المتطرفة التي تضاعفت أعدادها، وحتى أن 12% من المتهمين بالهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/يناير 2021 لديهم خبرة عسكرية.
ويؤكد سيوري: "يجب أن نكون صادقين بشأن ما لا يستطيع الجيش القيام به. كما يجب أن نخصص مواردنا للمنظمات والوكالات الأخرى التي ستجعل بلدنا بالفعل أكثر صلابة وازدهاراً وأماناً. والمؤكد أننا سنستفيد من العودة إلى تاريخنا كدولة كبيرة ذات جيش صغير في زمن السلم".

القوات الجوية

بحسب الإحصائيات يبلغ حجم القوة البشرية للقوات الجوية الأمريكية 693794 من العسكريين في سلاح الجو و151360 من الموظفين المدنيين. فهذه القوات تمتلك حوالي 4093 طائرة للخدمة وحوالي 156 عربة جاهزة، و2130 صاروخ كروز، و450 صاروخًا عابرًا للقارات، و170 قمرًا صناعيًا كجزء من سلاح الجو. هناك 40 قاعدة جوية في أمريكا والعالم، تنتشر هذه القواعد من آلاسكا وحتى تكساس في الجنوب، منها ثلاث في ألمانيا وواحدة في كوريا الجنوبية وواحدة في اليابان. يقع مقر القوات الجوية في البنتاغون وبدءًا من 19 شباط/ فبراير 2008، أصبح الشعار النصي لسلاح الطيران: "فوق الجميع".
القوات البرية
تعد القوات البرية أكبر فرع عسكري، إذ بلغ تقريبًا عدد القوات النظامية البرية في نهاية العام 2020، 480,893 جندي، في حين بلغ عدد عناصر الحرس الوطني البري 336,129 جنديا، وبلغ عدد عناصر القوات البرية الاحتياطية الأمريكية 188,703 جنود، ليصل مجموع عدد عناصر قطع القوات البرية الأمريكية 1,005,725 جنديا.

القوات البحرية

تعد بحرية الولايات المتحدة من أكبر القوى البحرية في العالم. وتوظف البحرية الأميركية حوالي 340000 موظف، منهم 190000 من مشاة البحرية المعروفة بالمارينز، و128000 جندي وضابط في الاحتياط. وأما مركز قيادة البحرية فهو ليس في البنتاغون وإنما في أرلينغتون في ولاية فرجينيا. هذا مع العلم أن البحرية الأميركية تعمل في خدمتها 278 سفينة وأكثر من 4000 طائرة، هذا ما عدا حاملات الطائرات والغواصات، مما يجعلها قوة ضخمة قابلة للانقسام والانفصال عن باقي فصائل الجيش في حال الانهيار الأميركي "القادم".

القدرة النووية

تعتمد دول أوروبا الشرقية حتى اليوم على قضبان الوقود النووي من روسيا من أجل توليد الطاقة الكهربائية. ويبحث الاتحاد الأوروبي عن نماذج غربية من القضبان تمكن من استبدال القضبان الروسية. إذًا موضوع الطاقة النووية لا يتعلق فقط بالسلاح النووي، بل له علاقة أيضاً بإنتاج الطاقة الكهربائية. بالتأكيد ليس من المتوقع أن تتوقف معامل الطاقة النووية في أميركا، ولكن السؤال هو بيد من ستقع؟ فبداية أي مشروع عسكري أميركي بما فيه "ناسا"، هو ليس ملكا للدولة الأميركية، أو ملكا للمؤسسة العسكرية، ولكنه في خدمتها، ويعمل بموجب عقود صارمة معها وتلتزم فيها السرية التامة حتى لا يستطيع أحد الاطلاع على الأسرار العسكرية، وخاصة التكنولوجية منها. ولكن في الوقت نفسه، هذه التكنولوجيا هي ملك لشركات خاصة.

والسؤال الهام هنا ماذا لو لم تبق هناك حكومة أمريكية تدير شأن إبرام العقود مع هذه الشركات؟ وهي شركات تبغي الربح أولاً وأخيراً، ويمكن أن تبيع منتجاتها بشروط مخففة عما كانت الدولة الأميركية تبرمها مع الراغبين بالحصول عليها، ما عدا "اسرائيل" بالطبع. وهذا بالتأكيد معناه أن التفوق العسكري الإسرائيلي، والذي يمتلك التكنولوجيا المُحَرِّكة للسلاح في السعودية والإمارات والبحرين، والذي تستعين فيه هذه الدول بالتقنين من الدولة المارقة لتسييره، ويمكن قراءة الحقائق حول هذا الموضع بكبسة زر على الإنترنت، لن يكون بذي أهمية تذكر.

هذا مع العلم أنه وفق إحصاءات "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، التي تم نشرها في كانون الثاني/ يناير 2021، والتي تشمل الرؤوس الحربية التي سحبت ولم تدرج في أرقام وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الولايات المتحدة تمتلك 5550 من هذه الرؤوس مقابل  6255 لدى روسيا و350 لدى الصين و225 لدى بريطانيا و290 لدى فرنسا. وذكر المعهد أن الهند وباكستان و"إسرائيل" وكوريا الشمالية تمتلك مجتمعة نحو 460 رأسا نوويا.

وهنا علينا أن نضع في الحسبان عدد الدعاوى، وحجم التعويضات التي دفعت لمواطنين أميركيين بسبب التلوث الناتج عن التجارب النووية التي تجريها الولايات المتحدة في صحراء نيفادا أو ولاية دكوتا الشمالية وغيرها، اذ بلغت التعويضات للمواطنين 1.2 مليار دولار. وتعويضات التجارب النووية والتي تسبب بالسرطانات المزمنة في سكان جزر مارشال، في المحيط الهادئ، كانت بقيمة 759 مليون دولار في العام 1998. فهل ستلتزم الشركات بعد انهيار الدولة بسلامة المواطنين أو العالم خاصة إذا كان المتضررون ممن يصنّفون كأضرار جانبية بنظر الأنجلوساكسون البيض أصحاب الشركات الأميركية الكبرى. وإذا ما احتوت روسيا نتائج انهيار الإتحاد السوفياتي، فهل هناك في الولايات الأميركية من يستطيع القيام بهذا الدور؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل