ابناؤك الاشداء

آراء وتحليلات

قمة طهران: حضرت سوريا فيها بكل كيانها
24/07/2022

قمة طهران: حضرت سوريا فيها بكل كيانها

عبير بسّام
أن تختم فعاليات قمة طهران متزامنة مع وصول وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى العاصمة الايرانية، فهذا كلام له معناه الكبير في عالم السياسة. اذ لم يكن من الممكن أن يكون هناك قمة تجمع كل من الحليفين الروسي والإيراني على مستوى الرئاسات، وأن تستدعي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إليها دون أن تكون سوريا حاضرة فيها بالروح، وألّا يكون موضوع النقاش الأساسي إنهاء الإحتلالين التركي والأميركي فيها. لأن القمم التي جمعت الدول الثلاث منذ الحرب على سوريا، والتي ابتدأ إرساء قواعدها في سوتشي الروسية في شباط/ فبراير 2019، لتنتقل إلى أستانة في كازاخستان. وبعد انتهاء مسلسل أستانة بحلقاته الـ 18 المتتالية، كتب نهاية موت بطله في قمة طهران.

وللتفصيل، فبطل مسلسل أستانة هو منطقة خفض التصعيد، التي أعلن موتها رسمياً بعد ختام القمة منذ يومين، لنبدأ فصلاً جديداً من حكاية إدلب. اعلان الموت لم يأت مفاجئاً في الحقيقة فمن يتابع الأحداث يمكنه أن يقرأ أن المنطقة تتجه نحو إنهاء الأزمة في سوريا، والتي كان يجب أن تغلق فصولها منذ العام 2018 لولا إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أن أمريكا في سوريا من أجل النفط. ومنذ أكثر من شهرين تشهد منطقة الحسكة والقامشلي تحركات لقطعات عسكرية في منطقة شرق الجزيرة السورية. وقد دأب الغرب والإعلام، خلال المسلسل الأميركي ـ التركي الطويل، على إطلاق تعبير شرق الفرات عليها، وكأنها تجهز من أجل قص المنطقة لصالح مجموعة من الميليشيات الإنفصالية. إذ كان هناك دأب غربي لاقتطاع منطقة شرق وشمال الجزيرة لصالح دولة كردية مارقة فيها. ودأب تركي لإيجاد منطقة عازلة تفصلها عنها.

وهنا يحضر كلام أبو فراس الحمداني بكل ما فيه من جرأة وقوة: السيف أصدق إنباء من الكتب... وهذا ما حدث عندما  ابتدأ الجيش السوري بحشد قواته في المنطقة.

جاءت القمة بعد أن اتضحت المواقف والنوايا جميعاً! فبعد تصريح أردوغان عن نيته إعادة إحتلال تل رفعت ومنبج والحسكة في أكثر من مناسبة، خلال الأشهر الماضية، متزامنة ومستغلة الإنشغال الروسي في الحرب الروسية ـ الأميركية في أوكرانيا. أبلغ خلالها الروسي، وفي اكثر من مناسبة، أردوغان بأن عليه تطبيق سلسلة اتفاقات أستانة. وأنه بحسب ما صدر في وسائل الإعلام وعلى القنوات الخاصة، فإن أردوغان أُبلغ من قبل الحلفاء، أو حليف على الأقل، بأنه إذا ما ابتدأت الحرب مع الجيش العربي السوري بسبب دخول للجيش التركي لإحتلال مناطق في شمال سوريا مهما تكن الذريعة الأردوغانية، فإن هذا الحليف سيصطف في الحرب ضد تركيا، ولن يقف على الحياد. ثم إنه ومنذ أسبوعين تقريباً، وذلك بحسب مصادر "العهد"، فقد تم حشد 500 جندي مظلي روسي في مطار القامشلي العسكري تحضيراً للحرب الكبرى.

الموقف الرسمي السوري، عبر عنه الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته إيران ولقاءه مع مرشد الثورة في إيران الإمام السيد علي الخامنئي، في شهر أيار/ مايو الماضي. ومن ثم أعاد التأكيد بأن سوريا لن تقف مكتوفة الأيدي وستحارب الجيش التركي في حال توجهه للقيام بعمليات داخل الأراضي االسورية، وذلك خلال مقابلة على قناة روسيا اليوم في 9 حزيران/يونيو الماضي. إذن الموقف السوري الرسمي كان واضحاً تماماً. هل استطاع السوري بذلك استغلال اللحظة الدولية لصالحه؟ بالتأكيد نعم، ولذلك جاءت القمة بعد ان نضجت جميع المعطيات على الساحة الدولية، وانتظرت قدوم بايدن لتعلن نتائجها بعد مغادرته المنطقة جاراً ذيول الخيبة وراءه.

اللحظة الدولية المناسبة، التي توضح فيها ما يلي:
1ـ موقف منطقة الخليج السلبي، الذي تبلغه الرئيس الأميركي جو بايدن، لصالح الدخول في حرب مع إيران لمصلحة أمن "اسرائيل".
2ـ بدأ انهيار اليورو أمام الدولار، والدولار أمام الروبل، وتصاعد أزمة النفط والغاز في أوروبا خاصة والعالم عامة.
3ـ معارضة الحرب التركية في سوريا، ولأسباب مختلفة، ففي حين يصر الحليفان الروسي والإيراني على الوقوف إلى جانب سوريا في مطالبتها بخروج القوات المحتلة حتى آخر شبر من أرضها، يرى الأميركي أن بقاء التركي فيه منافسة في غاز شرق المتوسط وفي السيطرة على منطقة شرق المتوسط. بالمختصر، لن تقبل لا القوى الصاعدة ولا حتى القوى الهابطة بتوسيع رقعة نفوذ تركيا ابتداءاً من داخل الأراضي السورية.
وبالتالي قرر الحليفان الروسي والإيراني إيجاد نوع من الحلول مع تركيا يختلف تماماً عن سياسة فرض العقوبات التي انتهجتها معها القيادات الأميركية لأكثر من مرة، وآخرها بعد شراء صفقة اس 400 من روسيا. وجاء الحل من خلال توسيع دائرة حلقة التبادل التجاري بين إيران وتركيا ليصل إلى حدود 30 مليار دولار بحلول العالم 2025، بحسب ما أمل به أردوغان من توقيع اتفاقيات التعاون المشتركة مع إيران.

أما على الصعيد الروسي، فقد وقعت في تركيا اتفاقية لتصدير الحبوب من أوكرانيا عبر تركيا بحضور الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش، أي برعاية أممية، وحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والذي سيضمن رقابة روسيا بعدم تمرير السلاح عبر القمح إلى اوكرانيا. وقعت الإتفاقية بعد أن وافقت الدول الغربية برفع الحظر عن الحبوب والقمح الروسي، والذي سيوقع نفس اتفاقية التصدير عبر تركيا إلى العالم ورفع قيمة التبادل التجاري بينهما لتصل إلى 40 مليار دولار. وبهذه الطريقة تسن سياسة الرابح ـ رابح في العالم.

لم يكن عسلاً كل ما سمعته تركيا، فبحسب التسريبات في وسائل الإعلام كانت هناك تحذيران مهمان أسمعهما مرشد الثورة في إيران السيد الخامنئي للسيد أردوغان، الأول يتعلق بالهجوم على شمال سوريا وأن هذا العمل ضد مصالح تركيا وسينتهي لغير صالح البلد. والثاني، أن إيران تعارض إغلاق طريق إيران إلى أرمينيا. وأما التحذير الروسي فقد جاء من خلال الحشد العسكري في مطار القامشلي والذي تحدث عنه المصدر. ولذلك، جيد ما فعله أردوغان حتى الساعة بما فيه صالح الدولة التركية بعد أن قرع طبول الحرب في الستة أشهر الماضية.

أما اللقاء، الذي جمع السيد الخامنئي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد جاء حول الأزمة مع أوكرانيا وأزمات النفط والغذاء في العالم، والدور الأوروبي في هذه الأزمة والذي تسبب به الضغط الأميركي عليها لقبول عضوية أوكرانيا في الناتو. كما كان هناك كلام عن العلاقات التجارية ما بين روسيا وإيران وخاصة لصالح استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري. وتم التاكيد خلال الجلسة، على أن كل من روسيا وإيران تحاربان الإرهاب في سوريا، وأن منطقة شرق الفرات يجب أن تكون تحت سيطرة القوات العسكرية السورية.

إن أهم نتائج قمة طهران كان إعلان موت اتفاق أستانة على الرغم من التصريحات التي ضجت بإعادة تفعيله، والدليل وبحسب مصادر "العهد"، عن انتهاء فعالية اتفاق منطقة خفض التصعيد في داخل الشمال السوري، فقد حدث أول أمس الجمعة، تبادل لإطلاق النار، إذ قصف الطيران الروسي قريتي الجديدة واليعقوبية في محافظة في شمال غرب إدلب. وتبعد الجديدة مسافة 10كم عن مدينة جسر الشغور، التي تحتلها جماعات إرهابية من الإيغور مع عائلاتهم. وقام الإرهابيون بالرد بقصف المدنيين في منطقة جورين وشطحة، وبحسب  المصدر هذا لم يحصل منذ سنتين ومنذ توقيع الإتفاق المذكور خلال لقاء بوتين ـ أردوغان الشهير في 5 آذار/ مارس 2020. جاء القصف الروسي رداً على قصف مدفعي استهدف مطار حميميم، فالمعركة اليوم يصفها المصدر بأنها باتت مفتوحة، والهدف منها تبيين أن هناك مجموعات إرهابية ويجب القضاء عليها. وبالتالي فمن أهم نتائج القمة رفع أردوغان رفع الغطاء جزئياً عن إدلب، والطلب من الأهالي العودة إلى مناطقهم وبأن تركيا ستضمن سلامتهم.

بالعودة إلى القمة والحضور السوري فيها، فقد توج بتوجه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى طهران، وحديث المقداد خلال المؤتمر الصحفي عن الدور الذي لعبته إيران في المحادثات، وعن أهمية سوريا والدور السوري في المنطقة، ورفضه تماماً فكرة إيجاد "مناطق آمنة". وأن سوريا ضد أي تدخل تركي وضد سياسة التتريك وبناء المستوطنات التي ابتدأتها في أطراف إدلب، وأن الحل يكون بخروج القوات المحتلة. وبالتأكيد لم تكن تصريحات الوزير المقداد أقل شأناً بما يتعلق بالإحتلال الأميركي ومقاومته وبشأن الجماعات الإنفصالية في منطقة شرق الجزيرة السورية. واستعادة تصريحات الوزير المقداد ليست من أجل إعادة التذكير فقط، ولكنها من أجل التأكيد على ثبات الموقف السوري الذي لم يتغير قيد أنملة منذ ان ابتدأت الحرب الكونية على سوريا في العام 2011. فهل نشهد جلاء الإحتلالات بعد قمة طهران؟

فيصل المقداد

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة