طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الانتخابات البرلمانية الفرنسية: ميلينشون يتقدم وماكرون مهدد
16/06/2022

الانتخابات البرلمانية الفرنسية: ميلينشون يتقدم وماكرون مهدد

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي    

تعتبر الانتخابات التشريعية في فرنسا مهمة جدًا لفترة ولاية الرئيس الفرنسي لدرجة أنه غالبًا ما يشار إليها على أنها الجولة الثالثة من الانتخابات الرئاسية. حقق تحالف جان لوك ميلينشون "الأحمر والأخضر" نتائج مهمة ولافتة في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت الأحد الفائت، مما منحه فرصة لتحدي الرئيس إيمانويل ماكرون للسيطرة على الجمعية الوطنية في الجولة الأخيرة من التصويت المقررة نهاية الأسبوع المقبل في 19 حزيران الجاري.
 

كيف كانت نتائج الجولة الأولى؟

يعود الفضل في هذا المشهد الانتخابي المتغير إلى الزعيم اليساري جان لوك ميلينشون، الذي تمكن من توحيد فصائل اليسار التي كانت تحتضر.  وتبعًا لذلك جمع ميلينشون بين الحزب الاشتراكي، وحزب الخضر، والحزب الشيوعي وحزبه الخاص "فرانس إنسوميز". إضافة الى ذلك، فإن الاتفاق بين هذه الأحزاب على إيصال ميلينشون إلى منصب رئيس الوزراء، أعطى هذا الائتلاف زخمًا كبيرًا، بحيث يشكل ربحًا لهذا التحالف المستجد.
 
أظهرت النتائج أن تحالف ميلينشون الجديد (Nupes) وتحالف ماكرون الوسطي (ENSEMBLE) كانا الفائزين الرئيسيين في تصويت يوم الأحد، وسيكونان أكبر مجموعتين في الجمعية، إذ أشارت التقديرات الى نتيجة متقاربة بين المعسكرين.

 فبحسب صحيفة "LE MONDE" الفرنسية ــ  نقلا عن وزارة الداخلية ـــ حقق تحالف ميلينشون تقدمًا ضئيلًا على منافسه من حيث نسبة الأصوات على الصعيد الوطني، فحصل على 25.6 بالمائة، مقابل 25.2 بالمائة لائتلاف ماكرون.
 
ومع ذلك، من غير المرجح أن يترجم نجاح ميلينشون إلى أغلبية في الجمعية المؤلفة من 577 مقعدًا، لأن الناخبين "المعتدلين" الذين يشعرون بالقلق من سمعته كـ"يساري متطرف" ومشكك في أوروبا، من المتوقع أن يصطفّوا إلى جانب ماكرون في الجولة الثانية.

الجدير بالذكر أن برنامج ميلينشون تضمن زيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور، وخفض سن التقاعد إلى 60 عامًا وتأمين أسعار الطاقة التي كانت ترتفع بسبب الحرب في أوكرانيا. إضافة الى ذلك هو يعد مناهضًا للعولمة، وكان قد دعا فرنسا إلى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي ومخالفة قواعد الاتحاد الأوروبي.

ماذا عن مستقبل الأغلبية النيابية لماكرون؟
 
بعد إعادة انتخاب ماكرون، كان ائتلافه يسعى للحصول على أغلبية مطلقة تمكنه من تنفيذ وعوده الانتخابية، والتي تشمل التخفيضات الضريبية ورفع سن التقاعد في فرنسا من 62 إلى 65.
 
غير أن حسابات ماكرون لا تتطابق مع تقديرات استطلاعات الرأي، ومنها معهد  Ipsos-Sopra Steria  الذي رجح أن يبقى تحالف ماكرون أكبر كتلة في البرلمان، لكنه معرّض لخطر فقدان الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية. فمن المقدر أنه سيجمع ما بين 255 و295 نائبًا، مقابل 160-210 لميلينشون والرقم الأخير هذا يعود لمجموعة استطلاعات الرأي Elabe. إشارة الى أن أي حزب أو تحالف، يحتاج إلى 289 مقعدًا ليحوز على الأغلبية المطلقة. وبالتالي للجمعية الوطنية القول الفصل في مجلس الشيوخ عندما يتعلق الأمر بالتصويت في القوانين.
 
وفي مقارنة مع انتخابات عام 2017، سجلت الأحزاب المؤيدة لماكرون 28.21 بالمائة في الجولة الأولى. بالمقابل تمثل انتخابات هذا العام تراجعًا واضحا لتحالفه، حتى أنها لم تتطابق مع نتائج الرئيس من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، قبل أقل من شهرين (والتي نال فيها 27.85 بالمائة). وعليه فإن هذا التراجع المبكر يوجه للرئيس رسالة قوية حول مخاطر السنوات الخمس المقبلة.
 
ما هو عدد المرشحين لمقاعد الجمعية الوطنية الفرنسية؟
 
عمليًا، خاض أكثر من ستة آلاف مرشح ومرشحة الانتخابات لشغل 577 مقعدًا في الجمعية الوطنية الفرنسية في الجولة الأولى من الانتخابات. فضلًا عن ذلك، جرت معارك انتخابية بين عدد من المرشحين، ولم يستطع أحد الحسم فيها، ولهذه الغاية سيتنافس ما يصل إلى أربعة مرشحين حصلوا على دعم بنسبة 12.5 بالمائة على الأقل في الجولة الثانية.
 
كان عدم اهتمام الناخبين الفرنسيين علامة فارقة ــ ميّزت الجولة الأولى ــ توقف عندها الكثير من المراقبين الفرنسيين، الذين ردوا الأمر الى سيطرة مخاوف المستهلكين بشأن ارتفاع التضخم، ولهذا كان حماس الناخبين خافتًا. وقد انعكس ذلك في انخفاض الإقبال على التصويت والذي أظهر، وفقا للداخلية الفرنسية، أن أكثر من نصف الناخبين الفرنسيين لم يكلفوا أنفسهم عناء الإدلاء بأصواتهم، مع تسجيل نسبة منخفضة قياسية بلغت 47.5 في المائة في هذا النوع من الانتخابات.
 
وبناء على ذلك دعا ميلينشون الناخبين إلى "الاندفاع" إلى صناديق الاقتراع للجولة الثانية "لرفض خطط ماكرون الكارثية رفضًا قاطعًا".

الأكثر أهمية في هذه الانتخابات هو تقدم اليسار. ففي حال فاز تحالف النواب بزعامة ميلنشون بالأغلبية الأسبوع المقبل، فإن ماكرون سيبقى مسيطرًا على السياسة الخارجية والدفاع، لكن سيتعين عليه تسمية رئيس وزراء يحظى بدعم أكثر من نصف نواب البرلمان و"يتعايش" مع حكومة معادية لسياساته الاقتصادية.
 
ماذا عن اليمين المتطرف؟
 
رغم فوز ماكرون على منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان في جولة الإعادة الرئاسية، إلا أن الانتخابات البرلمانية الفرنسية عادة ما تكون سباقًا صعبًا لمرشحي اليمين المتطرف. وفي هذا السياق يميل المنافسون من الأحزاب الأخرى إلى التنسيق أو التنحي جانبًا لتعزيز فرص هزيمة مرشحي اليمين المتطرف في الجولة الثانية من التصويت.

يأمل التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة لوبان أن يحقق نتائج أفضل مما كان عليه قبل خمس سنوات عندما فاز بثمانية مقاعد. لوبان نفسها مرشحة لإعادة انتخابها في معقلها "هينان بومون"، في شمال فرنسا.

حاليًا، إذا تمكن التجمع الوطني من الفوز بـ 15 مقعدًا على الأقل، فإن هذا سيسمح لليمين المتطرف بتشكيل مجموعة برلمانية واكتساب سلطات أكبر في المجلس. لكن المثير في الأمر، أن "مجموعة إيلابي" لاستطلاعات الرأي، توقعت أن يفوز التجمع الوطني بزعامة لوبان بما يتراوح بين 25 و 35 مقعدًا.

 في المحصلة، إذا فشل ائتلاف ماكرون في تحقيق الأغلبية، فمن المرجح أن يعمد الى عقد صفقات مع الأحزاب اليمينية في البرلمان، أو سيتعين عليه محاولة اصطياد المعارضة أو النواب المستقلين، وجذبهم الى تجمعه السياسي. من هنا فإن التعايش مع وضع سياسي منقسم دائمًا ما يكون بطريقة ما علامة على الفشل.

فرنساايمانويل ماكرون

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة