يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

الأرض ليست للبيع ولو بصفقة الدهر
18/03/2019

الأرض ليست للبيع ولو بصفقة الدهر

محمد يونس

بعقلية التاجر العنصري يدير الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاروه الصراع العربي الإسرائيلي، وبهذه العقلية يحاولون الترويج لصفقة الحل النهائي كما يسمونها أو ما بات يعرف بصفقة القرن. عقلية تقوم أساساً على أنه يمكنك شراء أي شيء مهما كان بالمال، يضاف إليها عقلية عنصرية احتقارية أنه يستطيع شراء القضية الفلسطينية بما فيها من مقدسات من العرب بأموال العرب أنفسهم.

هذه الصفقة التي يروج الأميركيون لقرب إعلانها "بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية الشهر القادم" ما فتئ ترامب يوفد الموفد تلو الآخر للمنطقة من أجل ضمان نجاحها. آخر هؤلاء صهره ومستشاره جاريد كوشنير الذي جاب المنطقة أواخر الشهر الماضي مروجاً لما سمّاه الجانب الاقتصادي من الصفقة بمعزل عن الجانب السياسي، إذ حاول على ما يبدو إغراء دول المنطقة بالمال بعدما عصفت بها الأزمات الاقتصادية وباتت بحسب المفهوم الأميركي جاهزة للقبول بما يمليه عليها الأميركي، حيث اعتبر أكثر من مصدر أن كوشنير قدم رؤية اقتصادية لمشروع الحل النهائي من دون أن يكون ذلك مرتبطا بأي حل سياسي.

وعلى طريقة سمسرة العقارات التي لا يتقن غيرها سعى إلى الحصول على اتفاق عام أولا على أن يخوض بعد ذلك في التفاصيل السياسية، مدعما فكرته برشوة مالية قدرها حوالي 65 مليار دولار منها 25 مليار للضفة الغربية وغزة و40 مليار لكل من مصر والأردن ولبنان، مشروطة بموافقة هذه الدول على الصفقة، والأنكى من ذلك أن هذه الرشوة ستدفعها دول الخليج وعلى رأسها السعودية والامارات.

لكن كوشنير اصطدم على ما يبدو بحقيقة جديدة قديمة هي أن هناك هوة كبيرة بين حكام المنطقة وشعوبها وأن هؤلاء الحكام مهما علا جبروتهم لا يجرؤون على المس بمقدسات الأمة، وايصال بعض الدول إلى حافة الانهيار المالي ثم عرض المال عليها لن يغير قناعة هؤلاء الحكام الذين لمسوا لمس اليد ومعهم كوشنير نبض الشارع الرافض للتخلي عن أي حبة تراب خلال اجتماع البرلمانات العربية في الأردن مؤخرا. وعليه تقول المعلومات إن كوشنير عاد إلى واشنطن كما أتى من دون تحقيق أي تقدم رغم أنه اصطحب معه الممثل الأميركي الخاص حول إيران براين هوك في محاولة من البيت الأبيض لتعزيز فكرة خطورة إيران على دول الخليج وبالتالي إقناعها بدفع ما يتوجب عليها من أجل تمرير الصفقة.

وبانتظار الجولة الجديدة لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ونتائج الانتخابات الإسرائيلية فإن المؤكد أن مشروع صفقة القرن لا يملك بعد مقومات نجاحه، والمصير الذي ينتظره شبيه بما سبقه من مشاريع واتفاقات حتى ولو كان المال هو وجه المشروع الحالي. فأن يتعاطى الرئيس الأميركي مع المنطقة بعقلية التاجر السيد مع العبد الفقير هذا شأنه، لكن في هذه المنطقة من المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية ما يقف حائلا منيعا في وجه أي صفقة ولو كانت صفقة الدهر وليس القرن فقط.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف