يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

شتّان ما بين المال الإيراني وأموال الآخرين
29/04/2022

شتّان ما بين المال الإيراني وأموال الآخرين

فاطمة سلامة

كثيرًا ما يتحدّث السياديون عن المال الإيراني في لبنان. معزوفة أنّ حزب الله يتلقى أموالًا من الجمهورية الإسلامية في إيران تكاد تكون شعارًا يتردّد على ألسنتهم باستمرار، وهو الأمر الذي لا يخجل به حزب الله بل يفاخر به طالما أنّ وُجهة هذه الأموال  معروفة والأهداف التي تُصرف عليها مُعلنة. نعم، أنفقت إيران أموالًا في لبنان منذ عقود خلت لدعم المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني وسط عجز الدولة عن المواجهة. أنفقت أموالًا عقب حرب تموز 2006 لإعادة إعمار ما دمّره العدوان، وكلنا يعلم لو تُرك الأمر للحكومة اللبنانية آنذاك لكان اللبنانيون لا يزالون مهجّرين من ديارهم. 

أنفقت إيران أموالًا في لبنان ولا تزال عبر مشاريع إنمائية وخدماتية لما فيه مصلحة كل اللبنانيين. بواخر المازوت التي وزّعت على امتداد الأراضي اللبنانية تشهد على العطاء الإيراني غير المشروط لفئة دون أخرى. تشهد على العطاء الإيراني غير الموسمي وغير القائم على مصالح خاصة وشخصية. والحق يُقال، لو قدّر لإيران أن تساعد لبنان أكثر لما قصّرت أبدًا فالعروض الإيرانية في مجالات الطاقة والدواء وغيرهما لا تزال حتى اليوم حيّة لكن لبنان الرسمي يتغاضى عنها.  

بموازاة هذه العقلية الإيرانية التي لم تتبدّل لمساعدة لبنان والقائمة على مبدأ "الصداقة والأخوة"، ثمّة من لا يُنفق "دولارًا" واحدًا في لبنان بلا مقابل. ثمّة دول تتّخذ من المال وسيلة لشراء الذمم والنفوذ وتنفيذ أجندات لصالح العدو تضر بمصلحة لبنان. كما ثمّة دول تُنفق أموالًا موسمية ولفئات محدّدة لأهداف سياسية بحتة. تمامًا كما يحصل اليوم على أبواب الانتخابات حيث تنشط عدّة دول على خط لبنان لشراء الذمم والأصوات بحثًا عن دور سياسي جديد عبر أدواتها في الداخل. 

تلك الأدوات -التي لا تُمانع بالحصول على أموال يصح نعتها بغير النظيفة- هي نفسها الأدوات التي تُزايد على المال الإيراني النظيف في لبنان. هي ذاتها من يرفع شعارات النزاهة والسيادة والاستقلال، وهي شعارات تضج بها تصريحات سياسيين محسوبين على ما يُسمى سابقًا بجبهة المعارضة والذين يرددون عن ظهر قلب مشروع الولايات المتحدة والسعودية ومن يحذو حذوهما ضد المقاومة، وهو ما تجلى في مشاريعهم الانتخابية "الفارغة" والتي لم تحمل سوى معزوفتين: سلاح حزب الله والهيمنة الإيرانية. 

الباحث والصحافي علي مراد يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن تدخلات الدول في الساحة الانتخابية. الدولتان الأكثر تدخلًا على خط الاستحقاق الانتخابي -وكما بات معروفًا- هما الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، تأتي من بعدهما ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، فيما لم يغب طيف الإمارات رغم الحديث عن قرارها بعدم التدخل.

التدخل كبير والتمويل "قليل" هذه المرة

يُشدّد مراد على أنّ تدخلات واشنطن والرياض ليست جديدة، فكما درجت العادة تنشط هاتان الدولتان منذ سنوات على خط الاستحقاق الانتخابي، حيث حضرتا بقوة في استحقاقات 2005، 2009 و2018. إلا أنّ انتخابات 2022 تشهد زخمًا أكبر لأنها أتت بعد ما سُمي بـ"حراك تشرين" والأزمة التي بدأت عام 2019 بموازاة عوامل اقليمية متعدّدة. وفق مراد، فإنّ الجانب السعودي رفع من مستوى أهمية الاستحقاق الانتخابي نظرًا للتطورات الحاصلة في الاقليم وهزائمه التي تعرّض لها لا سيما في اليمن. الرياض تعتقد أنّ التعويض عن هذه الخسائر يجري في ساحات أخرى كالساحة اللبنانية ما دفعها  هذه المرة لاستغلال الاستحقاق الانتخابي أكثر، فيما يبرز رئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع كممثّل السعودية الأول في لبنان حيث شكّل لوائحه برعاية السعودية. 
 
أما الجانب الأميركي فيراهن -وفق مراد- على القوى المدنية التي يعمل على تشكيلها منذ أكثر من 10 سنوات. نظرية الأميركي قامت على فكرة أن تصبح هذه القوى بديلًا عن "14 آذار" وهذا ما حصل فعلًا بعد عام 2019 حيث عمل الجانب الأميركي عمليًا على الاستثمار بتعزيز هذه القوى التي منها قوى برزت بأسماء وعناوين وشعارات جديدة، ومنها قوى تقليدية ولكن تم العمل عليها لتصبح "مجددة" كحزب "الكتائب" و"الكتلة الوطنية". وهنا يُشدّد مراد على أنّ السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا كانت تشرف على تشكيل اللوائح التي صدرت عن "الكتائب"، "الكتلة الوطنية" ورئيس حركة "الاستقلال" النائب المستقيل ميشال معوض، وما يسمى بجبهة "المعارضة" الوطنية في مختلف المناطق سواء في جبل لبنان، الشمال، بيروت، البقاع، والجنوب حتّى.

أما في ما يتعلّق بالتمويل، فلا يخفي مراد أنّ ثمّة أموالًا خارجية تُصرف على خط الاستحقاق الانتخابي لكنها في الواقع دون المأمول منها محليًا، بمعنى أنّ المنظمات غير الحكومية والأحزاب المُمتثلة لأوامر الخارج راهنت بشكل كبير على دفع أموال طائلة على اعتبار أنّه صُرف في انتخابات 2009 ما يقارب الـ4 مليارات دولار، وأنّ هذه الانتخابات تكتسب أهمية أكثر من سابقاتها، وعليه راهنوا -وفق حسابات مراد- على إنفاق المليارات من الدولارات ليتفاجأوا بأنّه لم يُصرف حتى الآن سوى عشرات ملايين الدولارات.   

وهنا يلفت مراد الى أنّ السفارة السعودية لم تبدأ بشكل أساسي في دفع الأموال. ثمة توجه للاستعاضة عن الانفاق المالي العادي بالانفاق الخدماتي بعد قناعة تبلورت لدى الجانب السعودي بأنّ أدواتهم في لبنان "نصَبوا عليهم" حيث أنفقت الرياض ما يقارب الـ20 مليار دولار على مدى 30 عامًا دون تحقيق الأهداف المرجوّة. وفق مراد، انتخابات عام 2009 صرفت فيها السعودية أموالًا طائلة. وعليه، فإنّ الرياض ليست بوارد صرف أموال ضخمة هذه المرة، وهو ما يتقاطع مع المعلومات التي تفيد أنّ  رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة -والذي يهلّل للمشروع السعودي في لبنان- طلب مالًا انتخابيًا فجاء الجواب السعودي بأنّ الرقم كبير جدًا. 

الزبائنية لن تحقّق لهم ما يريدون

وعليه فإنّ الواضح -بحسب مراد- أن الرياض تريد أن تشتري نفوذًا عبر الخدمات. الإعلان عن الصندوق المشترك بين السعودية وفرنسا لدعم لبنان يصب في هذا الإطار. تريد الرياض أن تقدّم للبنانيين الطعام والطبابة وبعض الخدمات مقابل "التطبيل" لها وشرائها للنفوذ، وهي محاولة لن يكون لها مفاعيل سوى على مستوى الاستحقاق الانتخابي القصير، فالمبلغ المرصود والمتمثل بـ30 مليون يورو لا يفعل شيئًا. أما المنظمات غير الحكومية الـ(NGO) والتي استفادت سابقًا ولا تزال تستفيد حاليًا من الانفاق الذي يصرف عليها من خلال وكالات تمويل وأذرع أميركية وأوروبية، فتعاني أيضًا من قلة الأموال وحالها كحال سمير جعجع ومن يلف لفّه اذ لا يُنفق على أعضائها الأموال كما توقعوا وتصوروا وراهنوا. 

ويشدّد مراد على أنّ الاستحقاق الانتخابي الحالي أظهر ما يسمى بـ"السياديين" بشكل أكثر وضوحًا عما كانوا عليه سابقًا، لكنّه يرى أنّ مشروعهم غير مقنع رغم كل هذه الحملة الموجّهة على حزب الله، والبرامج الانتخابية التي اختصروها بسلاح حزب الله والاحتلال الإيراني، ورغم البروباغندا الجارية وغسيل الأدمغة. أولئك ليسوا إلا أدوات بيد السفيرين السعودي والأميركي وكل هذه الزبائنية عند هذه القوى الخارجية لن تحقّق لهم ما يريدون، ففي عام 2009 حصلوا على الأغلبية ولم يحقّقوا ما يريدون واليوم هناك توقعات أن لا يحصلوا على هذه الأغلبية.

دعم إيران للبنان مبدئي

أمام عقلية تلك الدول في التعاطي مع لبنان والمتمثلة بشراء النفوذ والزبائنية، تبرز عقلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية. برأي مراد، لا وجه للمقارنة بين التعاطي السعودي مع لبنان والآخر الإيراني. إيران دعمت المقاومة في مواجهة العدو "الإسرائيلي" وكانت المساهم الأبرز لإعادة إعمار ما هدّمه العدو في حرب تموز، وعندما كان الشعب اللبناني بحاجة للمحروقات أرسلت بواخر مازوت، وهذا الأمر لم يكن مشروطًا بل وُزّع على كل الطوائف. 

ويشدّد مراد على أنّ الجانب السعودي يُمارس عنصريته ويعبّر عن العنجهية السعودية  والعنصرية من خلال المواسم كالموسم الانتخابي ويعمل على القاعدة القديمة-الجديدة المتمثّلة بشراء النفوذ، أما الجانب الإيراني فلا يشتري النفوذ بل يبني علاقات مع الشعوب، عكس السعودي الذي يبني علاقات مصلحة قائمة على الرشاوى وشراء النفوذ مع القيادات والسياسيين. الجمهورية الإسلامية لم تدفع -طوال علاقتها بلبنان- مالًا انتخابيًا في مواسم الانتخابات، ولم تقدم مساعدات بهدف خدمة الطرف المحسوب عليها للانتخابات بل إنّ دعم الجمهورية الإسلامية منذ انتصار الثورة لا يزال دعمًا مستمرًا ومبدئيًا بغضّ النظر عما اذا كان هناك انتخابات أم لا، يختم مراد.

السعوديةالجمهورية الاسلامية في إيرانواشنطن

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة