ramadan2024

آراء وتحليلات

انقلاب بوركينا فاسو: بين المطالب الشعبية والأدوار الخارجية
02/02/2022

انقلاب بوركينا فاسو: بين المطالب الشعبية والأدوار الخارجية

تونس - روعة قاسم

اعتُبر الإنقلاب الذي شهدته واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في الآونة الأخيرة حلقة ضمن مسلسل من الإنقلات العسكرية طالت بلدانا في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء بشكل متتابع شبيه بانهيار قطع الدومينو التي تسقط احداها فتتهاوى البقية تباعًا. فقد عرفت كل من تشاد وغينيا ومالي وحتى السودان انقلابات مشابهة وفي أوقات متقاربة. كما حصل انقلاب بوركينا فاسو بشكل مفاجئ في وقت كان يعتقد فيه أن النيجر هي التي ستكون التالية بعد غينيا لأسباب عديدة.

ويشبه البعض ما حصل في بوركينا فاسو بما حصل في مالي المجاورة منذ سنوات، ويتعلق الأمر بنفاذ صبر المؤسسة العسكرية في كلا البلدين على عجز الحكومة في التصدي للتنظيمات التكفيرية التي روعت الأهالي. فرغم خطورة الأوضاع وارتفاع أعداد الهجمات التي تستهدف المدنيين والمصالح الحيوية لم تقم حكومة باماكو سنة 2012 وحكومة واغادوغو سنة 2022 بما يلزم لتطوير القدرات العسكرية لضمان تفوق الجيشين على الجماعات التكفيرية.

فالرئيس المطاح به في فولتا العليا سابقًا، روش كابوري، بنى حملته الإنتخابية على محاربة الإرهاب ووعد بالتصدي للجماعات التكفيرية التي روعت مواطنيه وقتلت وشردت منهم الكثيرين. لكن نسبة هامة من البوركينيين ترى اليوم أنه لم يف بوعوده الإنتخابية وفشل في نشر الطمأنينة في نفوس مواطنيه الذين ضاقوا ذرعًا بغياب الأمن في مناطق عديدة من البلاد. ولعل خروج عدد هام من المواطنين للإحتفال بالإنقلاب يؤكد على أن كابوري لم يعد يحظى بالقبول رغم أنه منتخب بالإقتراع العام والمباشر ولم تأت به دبابة إلى القصر الجمهوري.

وللإشارة فقد تسببت هجمات المتشددين التكفيريين القادمين من مالي والتي بدأت في عام 2015 في مقتل أكثر من ألفي شخص وتسببت في نزوح مليون ونصف المليون من المواطنين عن قراهم، وفقًا لإحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة. كما تسببت هذه الهجمات في إغلاق المدارس في مناطق كثيرة من بوركينا فاسو خوفا على حياة التلاميذ والإطار التربوي، وهو ما يبين حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها هذا البلد الإفريقي.

بالمقابل يتهم البعض فرنسا بالوقوف وراء هذا الإنقلاب العسكري مثلما اتُهمت سابقًا بالوقوف وراء انقلاب تشاد وانقلاب مالي وكذا انقلاب غينيا خاصة وأن ما يجمع بين هذه الإنقلابات أنها طالت مستعمرات فرنسية سابقة وبصفة متزامنة. كما يتهم أصحاب هذا الرأي باريس بتحريك الجماعات التكفيرية استهدافًا لشعبية الرؤساء المدنيين لتتقبل الشعوب الإنقلابات العسكرية المدعومة من فرنسا والمتزامنة مع إنهاء باريس لعملية برخان واستعدادها للإنسحاب من مستعمراتها السابقة في بلدان الساحل والصحراء.

ولعل المتأمل في السيرة الذاتية لزعيم الإنقلاب في بوركينا فاسو بول هنري سانداوغو داميبا يدرك أن لفرنسا علاقة ما بما حصل في هذا البلد الإفريقي باعتبار وأن هذا الجنرال العسكري قد درس في فرنسا في أكاديمية عسكرية هامة وحصل  على ماجستير في العلوم الجنائية. ويشترك داميبا مع زعيمي الإنقلاب في مالي وغينيا في الدراسة بفرنسا وفي العلاقات المتينة مع جيشها حتى أن زعيم الإنقلاب في غينيا انتسب في وقت ما إلى الجيش الفرنسي شأنه شأن قرينته الفرنسية.

ويرى البعض أن مطالبة المتظاهرين في بوركينا فاسو بمساعدة روسيا لهم في محاربة الإرهاب ورفعهم لشعارات منددة بالدور الفرنسي في بلادهم دليل على أن هناك وعيًا شعبيًا بوجود دور فرنسي في تأجيج الصراعات في المنطقة لم يعد خافيًا على رجل الشارع العادي. فقوات برخان متهمة لدى أهل البلاد بالعمل مع التكفيريين القادمين من مالي والذين ينشطون في بوركينا فاسو نفسها، كما اتُهمت بعدم قيامها بما يجب القيام به لدعم القوات المسلحة البوركينية في محاربتها للإرهاب حتى تبقى الدولة ضعيفة وتستنجد باستمرار بالفرنسيين لحمايتها.

ويرى البعض أن أنصار توماس سانكارا الذين ظلوا أوفياء لنهجه وأفكاره حتى بعد مرور كل هذه السنوات على وفاته على يد المخابرات الفرنسية، هم بالأساس من يدعون اليوم إلى خروج الجيش الفرنسي من بلادهم ويستنجدون بالروس. فروسيا هي وريثة الإتحاد السوفياتي الشيوعي الذي كان في وقت ما سندًا لقائدهم الملهم توماس سانكارا، وحتى لو تخلت عن نهجها الشيوعي فهي غير متماهية في أغلب قضايا العالم مع الأمريكان، رمز "الإمبريالية" بالنسبة إليهم وعدوة الفكر الشيوعي الذي يتبنونه.

ويؤكد جل العارفين بمنطقة الساحل والصحراء أن الإنقلاب القادم قد يطال النيجر التي تتوفر بها ظروف شبيهة لتلك المتوفرة في بوركينا فاسو ومالي وهي وجود الإرهاب التكفيري وانخراط الجيش في عملية برخان بقيادة القوات الفرنسية ووجود غضب شعبي من ضعف الدولة في محاربة الإرهاب. لكن الرئيس النيجري محمد بازوم يحاول على ما يبدو أن يتجنب أي انقلاب قد يطيح به وذلك من خلال الزيارات المستمرة لقوات بلاده في المناطق التي تشهد مواجهات، ومن خلال تلبية وتحقيق مطالب الجيش وتوفير مستلزماته وتجنب تكرار الخطأ الذي وقع فيه الرئيس البوركيني بول هنري سانداوغو داميبا.

 

فرنساافريقيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة