يوميات عدوان نيسان 1996

منوعات ومجتمع

"ميني" مفاعلات نووية لتسخين المياه.. وروسيا الاولى بالاستخدام
09/01/2022

"ميني" مفاعلات نووية لتسخين المياه.. وروسيا الاولى بالاستخدام

د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي
مهلا، ما نتحدث عنه ليس خيالا مستوحى من فيلم بوليودي او هوليودي، بل حقيقة واقعة  ـــ بالرغم من انها لا تزال نادرة للغاية ـ مفاعلات تسخين المياه على الطاقة النووية هي ليست مفاعلًا نموذجيًا بأبراج تبريد ضخمة كما يعتقد البعض، بل انها تأتي من اول جيل جديد من المحطات النووية الأصغر والأكثر تنوعًا. تم تقديمها في مدينة "بيفيك" السيبيرية النائية قبل عام واحد فقط ـ حيث توجد احدى هذه المحطات النووية على متن سفينة Akademik Lomonosov، وهي عبارة عن بارجة بحجم مبنى في المدينة، تطفو في مكان قريب في المحيط المتجمد الشمالي.

لكن متى انطلقت فكرة التدفئة النووية؟

فكرة المفاعلات الصغيرة ليست بجديدة. في الستينيات من القرن العشرين، وقبل أن تكتسب الحركة المناهضة للأسلحة النووية زخمًا، كان يُنظر إليها على أنها تقنية واعدة. قامت الولايات المتحدة بتشغيل مفاعل قائم على البارجة لتوصيل الكهرباء الى منطقة قناة بنما من عام 1968 إلى عام 1976. كما واستخدمت السويد التدفئة النووية في إحدى ضواحي ستوكهولم من عام 1963 إلى عام 1974. اما حاليا، فهناك موقعان آخران في روسيا إلى جانب "بيفيك"، يستخدمان التدفئة النووية السكنية.

عمليا، تبنت روسيا التدفئة النووية السكنية كحل محتمل، وهي تأمل أيضًا أن تحقق ميزة تنافسية، حيث تدرس الشركات في كلا من الولايات المتحدة والصين وفرنسا بناء نفس نوع المفاعلات الصغيرة، كتلك المتصلة الآن بمحطات بيفيك المائية. 

الاكثر اثارة هنا، هو انه قريباً، في "بيفيك"، سيتم تشغيل حمام البخار المجتمعي في المدينة، أيضًا بالطاقة النووية. حيث عمدت الشركة النووية الروسية الحكومية "روساتوم" الى توصيل المفاعلات، بأنابيب التدفئة في أحد الأحياء في حزيران/ يونيو 2020. وتقوم الآن بتوسيع خدمة الماء الساخن لتشمل المدينة بأكملها، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 4500 نسمة.

والان لنتعرف على كيفية عمل هذه التكنولوجيا

تتميز التدفئة السكنية التي تعمل بالطاقة النووية، عن سخانات المياه الكهربائية المولّدة من المصادر النووية. بالتسخين النووي المباشر، ونقل الحرارة مباشرة من انشطار ذرات اليورانيوم إلى المساكن. 

وتعلقيا على ذلك، قال "جاكوبو بونجيورنو" ـ أستاذ العلوم والهندسة النووية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، في مقابلة عبر الهاتف مع صحيفة نيويوك تايمز في تشرين الاول/ أكتوبر الماضي، إنه "أمر مثير للغاية". واضاف إن "هذه المفاعلات الصغيرة يمكنها أيضًا مد الصوبات الزراعية أو توفير الحرارة للأغراض الصناعية". 

واشار بونجيورنو  الى إن "التجربة في سيبيريا يمكن أن تلعب دورًا حيويًا في إقناع الدول بأن استخدام الطاقة النووية للحد من تغير المناخ، سيتطلب استخدامها لأكثر من مجرد توليد الكهرباء والتي تعد مصدر نحو ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري".

لكن لهذه التكنولوجيا مؤيدون ومعارضون. فلنستمع الى وجهة نظر المؤيديين اولا.

يقول المدافعون عن الفكرة، إن تدفئة المنازل باستخدام الطاقة النووية لها أيضًا فوائد بيئية. في المقام الأول، فهي تُجنّب إهدار الحرارة التي يتم تنفيسها عادةً كبخار من خلال أبراج التبريد المخروطية للمحطات النووية، وبدلاً من ذلك  يُعمل على جذبها واستغلالها، لاستخدامها في التدفئة السكنية.

بالمقابل، (وهنا الراي المعارض) لا يزال بعض الخبراء قلقين بشأن المخاطر المحتملة ، مشيرين إلى العديد من الحوادث التي وقعت للغواصات السوفياتية والروسية وكاسحات الجليد التي استخدمت مفاعلات صغيرة مماثلة. ويستدلون على ذلك، بغرق الغواصات النووية بين عامي 1989 و 2000 ، على سبيل المثال.

انطلاقا من هنا، قال أندريه زولوتكوف، الباحث في بيلونا ، وهي "مجموعة بيئية نرويجية: "إنها تكنولوجيا نووية ، ويجب أن تكون نقطة البداية أنها خطيرة". ورأى ان "هذه هي الطريقة الوحيدة للتفكير في الأمر".

وماذا عن رأي سكان مدينة بيفيك ؟

الغريب، انه سواء اكانوا من المؤيدين او المعارضين، لا يمكن للمقيمين في مدينة بيفيك السيبيرية الانسحاب من الحصول على الحرارة التي تعمل بالطاقة النووية، ومع ذلك رحب السكان في الغالب بالمحطة الجديدة، وهو ما اكد عليه "مكسيم زوربين" نائب رئيس البلدية، الذي لفت الى إنه "لم يشتك أحد في جلسات الاستماع العامة قبل وصول البارجة". وقال: "شرحنا للسكان ما سيحدث ، ولم تكن هناك اعتراضات.. نحن نستخدم ذرة مسالمة".

هنا يطرح السؤال نفسه، هل دافع روسيا من وراء هذه التكنولوجيا، المحافظة على البيئة وحماية المناخ من الاحتباس الحراري، ام لها اهداف اخرى. فلنر الجواب.

صحيح ان روسيا تظهر نفسها بمظهر الحريص على البيئة والطبيعة، لكن المفارقة هنا، ان تجربة التسخين النووي بالكاد تجعل روسيا مشتركة بشأن تغير المناخ. فهي تعد واحدة من أكثر الملوثيين للمناخ في العالم ، وقد تبنت مواقف متناقضة بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري ــ في قمة المناخ الاخيرة في غلاسكو ــــ  وتعتبر مدينة بيفيك نفسها دليلا على ذلك: ففي الوقت الذي تحاول فيه الانتقال إلى الطاقة النووية، بدلاً من الفحم، تستفيد روسيا من تغير المناخ في القطب الشمالي، إذ يتم إحياءه كميناء، حيث أصبحت ممرات الشحن أكثر قابلية للملاحة نتيجة ذوبان الجليد.

ومع ان روسيا هي الأولى، لكنها ليست  الوحيدة، في تطوير المفاعلات المدنية الصغيرة. هذا الشهر، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توسيع القطاع النووي الواسع في بلاده بمفاعلات صغيرة كجزء من حل مشكلة تغير المناخ. فيما تقوم الصين ببناء مفاعلات عائمة صغيرة على غرار التصميم الروسي.

 وليس بعيدا عن ذلك، تمتلك الشركات في الولايات المتحدة، بما في ذلك جنرال إلكتريك وويستنجهاوس،  حوالي 12 تصميمًا جاهزًا للاختبار بدءًا من عام 2023. وفي مثال صارم للتصغير، أمر الجيش الأمريكي بمفاعل صغير بما يكفي لوضعه في حاوية شحن، حيث تتنافس شركتان  هما BWXT و X-energy ، من اجل توفير الكهرباء والحرارة.

بالمقابل، نرى ان المانيا  قد غردت خارج السرب، فهي اتخذت  مسارًا مختلفًا: حيث قررت إغلاق جميع محطاتها النووية بعد كارثة فوكوشيما في اليابان في عام 2011.

اما بالنسبة الى وطننا لبنان، ففي حين يفكر فيه المواطن الغربي بـ "دش نووي" يسجل لحكامنا الذين تعاقبوا على ادارة البلاد، انهم اوصلونا ــ نحن مواطنو هذا البلد ـــ الى اليوم الذي سنضطر معه لاستحضار شقاء اجدادنا، والتوجه، ربما قريبا مرغمين، الى الانهار او ابار القرى والارياف والتي تعرف عادة بـ "اعيُن المياه"، "للاستحمام" او "غسيل ثيابنا او آوانينا، بعدما امعنوا في حرماننا من الكهرباء، وسلموا رقابنا لمافيات اصحاب الموالدات التي باتت فواتيرهم فضائية، فيما قارورة الغاز، اصبحت حكرا على المقتدرين والميسورين ماديا، اما اسعار الطاقة الشمسية باتت فلكية، فلم يبقى امامنا سوى مواقد الحطب البدائية لتسخين المياه. 

هنيئا لنا بهكذا حكام، الذين سيعيدُوا حتما في ظل هذه الاوضاع، المجد  الى زمن جرار المياه الفخارية،  فهل سنراها تُحمل على الرؤوس مجددا؟ 

استعدوا ايها اللبنانيون. 

إقرأ المزيد في: منوعات ومجتمع