يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

الانتخابات الفرنسية: هل يتصدّر "ترامب فرنسا" المشهد؟
11/12/2021

الانتخابات الفرنسية: هل يتصدّر "ترامب فرنسا" المشهد؟

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

كالعادة ومع كل انتخابات رئاسية فرنسية، تتصدر ظاهرة "الإسلاموفوبيا" الحملات الانتخابية، ويتحول العداء والكراهية للإسلام، فضلًا عن الشعارات العنصرية ضد المهاجرين - والدعوة الى طردهم بذريعة الحفاظ على وجه فرنسا - إلى مادة انتخابية تشعل وتشغل البلاد، وتزيد من سخونة المشهد الانتخابي، الى حين حلول موعد عمليات الاقتراع في نيسان المقبل.

على الدوام، كان الصخب الذي يثيره اليمين المتطرف في خطاباته، لا يلقى التفاعل والاستجابة المطلوبة، من قبل الشعب الفرنسي بشكل عام. لكن الملفت أن الأمور بدت مختلفة في هذه الانتخابات. فالشعارات التي يرفعها هؤلاء ــ لا سيما تلك الموجهة ضد المسلمين والمهاجرين ــ باتت  تحظى بتأييد شريحة يبنى عليها من الناخبين الفرنسيين. وصعود إريك زمور من هذا اليمين المتطرف (يقول زمور إن الإسلام يمثل تهديدًا وجوديًا لفرنسا وقد أدين مرتين بالتحريض على الكراهية) هو العلامة الأكثر وضوحًا للموجة اليمينية البارزة.

حاز ترشّح زمور على اهتمام الساسة والنخب الفرنسية، وعدّه البعض اشارة إلى انزلاق فرنسا سياسيًا إلى أقصى اليمين المتطرف. فيما آخرون، أعربوا عن اعتقادهم بأنه مجرد فقاعة، سرعان ما ستزول بمجرد استقرار الساحة السياسية الفرنسية بعد الانتخابات. ومع ذلك، فإن المفارقة تكمن في الحالة التي يمثلها زمور والتي لا يمكن التغاضي عنها والاستهانة بها، خصوصًا وأن الرجل استطاع حشد الآلاف من أنصار اليمين المتطرف الذين حضروا ــ وفي ظل أجواء باريسية ماطرة وقارسة ــ حفل الاعلان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية.

فجأة، ومن بدون أي مقدمات، حصل المؤلف والمحلل التلفزيوني المثير للجدل على المركز الثالث في استطلاعات الرأي (في صحيفة بوليتيكو)، وحلّ إيمانويل ماكرون في المركز الأول، فيما احتلت حاملة لواء اليمين الراديكالي مارين لوبان المرتبة الثانية. زد على ذلك أن صحيفة الغارديان وصفت صعوده منذ إعلانه الترشح بأنه "نيزكي"، حيث يتمتع زمور بفرصة جيدة للوصول إلى الدور الثاني.
 
لكن من هو المرشح زمور؟ وما هي الخلفية الى انطلق منها في برنامجه الانتخابي؟

يعرّف زمور، المولود في عام 1958 من أصول يهودية جزائرية، والمتعلم في Science Po (معهد باريس للدراسات السياسية)، عن نفسه سياسيًا على أنه ديغولي وبونابارتي. كان زمور صحفيًا سابقًا في صحيفة "لو فيغارو" اليومية، وقد ظهر في العديد من البرامج التلفزيونية، وتميز بتصريحاته الاستفزازية للمسلمين، وكرهه للنساء والمهاجرين.

من أشهر كتبه: French Suicide The (اي الانتحار الفرنسي) والذي بيع منه في عام 2014 أكثر من 500000 نسخة. يقول زمور في احد كتبه "إن سياسة عدم التدخل، والهجرة غير المقيدة والإسلام، أدت بفرنسا إلى الانحدار منذ عام 1968".

قسّم زمور برنامجه الانتخابي الى شقّين، الاول خصص لقضية العلاقات الدولية لباريس، حيث دعا إلى إبعاد فرنسا عن الولايات المتحدة وإقامة علاقات أوثق مع روسيا، بينما ركز في الثاني، على المسائل والامور الداخلية في فرنسا، وفي مقدمتها تأكيده أنه سيوفر (وبالتأكيد في حال فوزه بالانتخابات) ما بين 20 و 30 مليار يورو من المدخرات للميزانية الفرنسية سنويًا بعد وقف جميع الإعانات المقدمة للأجانب. أما فيما يتعلق بدور الدولة في تطوير الأعمال، فيدعو زمور إلى البساطة الإدارية، ويقول إنه يجب رفع سن التقاعد إلى 64.

المثير في الأمر، أن زمور يوحي للفرنسيين بأنه الشخص الذي سينقذ البلاد من الوضع المتردي الذي أمست عليه. ففي مقطع فيديو مدته 10 دقائق نُشر الاسبوع الحالي، قال زمور إنه اتخذ قرار الترشح للرئاسة لأنه "لا يوجد سياسي آخر لديه الشجاعة لإنقاذ البلاد من المصير المأساوي الذي ينتظرها". وأضاف "لقد قررت الترشح للانتخابات الرئاسية حتى لا يعاني أبناؤنا وأحفادنا من الهمجية، حتى لا ترتدي فتياتنا الحجاب.. حتى يرثن فرنسا كما كانت معروفة لأسلافنا".

في رسالته بالفيديو التي تم ضبطها على السيمفونية رقم 7 لبيتهوفن، جلس زمور على مكتب يتحدث بواسطة ميكروفون كبير، متخذًا وضعية تذكّر بصور شارل ديغول وهو يبث رسائل إذاعية إلى الفرنسيين الأحرار خلال الحرب العالمية الثانية، قدم رؤية بائسة لمستقبل فرنسا، ولعب على التاريخ الفرنسي، وعلى مخاوف الناخبين الفرنسيين من فقدان المكانة.

وفي لقاء حواري مع برنامج "نحن على المباشر" في القناة الفرنسية الثانية، فجّر زمور أكثر مواقفه المتطرفة، إذ كشف "أنه إذا أصبح رئيسًا لفرنسا فسيمنع تسمية المواليد محمد".

وفي مقابلة صحافية أخرى، وجّه ضربة لخصومه السياسيين متهمًا إياهم بالافتقار إلى الشجاعة، فأوضح أن "ماكرون قدم نفسه على أنه رجل جديد، لكنه مثل أسلافه، بل أسوأ". واضاف "جميع السياسيين لن يقوموا إلا بإصلاحات هزيلة، لكن هناك حالة طارئة.. حان الوقت لإنقاذ فرنسا".

مؤخرًا قرر زمور عقد أول تجمع انتخابي له في قاعة للحفلات الموسيقية في باريس غير أنه جرى نقل حفله الانتخابي إلى مركز معارض أكبر في إحدى الضواحي الشمالية للعاصمة. أتى تجمع زمور الانتخابي بعد يوم من اختيار "الحزب الجمهوري المحافظ الرئيسي" في فرنسا فاليري بيكريس، رئيسة منطقة باريس والوزيرة السابقة، كمرشحة رئاسية.

جاءت هذه الخطوة لأسباب أمنية حيث خشيت الشرطة حينها من احتمال وقوع اشتباكات بين أنصار زمور اليميني المتطرف واليساريين. فقد نظمت أكثر من 50 منظمة، بما في ذلك الأحزاب السياسية اليسارية المتطرفة والنقابات والجماعات المناهضة للعنصرية، احتجاجًا ضد زمور. وكردة فعل على الخطاب العنصري لليمين، خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في حي باريس الشهير في باريس، وساروا وراء لافتة كتب عليها "باريس ستُسكِت اليمين المتطرف".

يُلقب زمور بـ"ترامب فرنسا".. فما هي أوجه الشبه؟

تمت مقارنة زمور مع ترامب بسبب رسائلة العنصرية. دفعت قناعات زمور بالتحريض على الكراهية الكثيرين إلى الاستنتاج أنه غير لائق للمناصب الرفيعة. في عام 2011، تم تغريم زمور لقوله على التلفزيون الفرنسي إن "تجار المخدرات هم في الغالب من السود والعرب". وعام 2018، غُرّم بتهمة التحريض على الكراهية الدينية بسبب تعليقات قال فيها "يعتقد جميع المسلمين أن الجهاديين هم مسلمون صالحون".

بالمقابل ردتّ السياسية الفرنسية المثيرة للجدل مارين لوبان ــ لطالما كان اسم لوبان يقترن بالتطرف والتمييز ضد المسلين في فرنسا، لكن زمور يعيب على لوبان قولها إنها تفرق بين الإسلام والإسلام السياسي، وإن الإسلام متوافق مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، بينما هو لا يراه كذلك ــ على زمور بشكل غير مباشر، فقالت في محادثة خاصة نقلتها صحيفة "بوليتيكو" إنه "يجعلني أبدو عاقلة" (في اشارة الى زمور)، وأضافت "إنه غارق في صراع الحضارات، وأنا أقول نعم الإسلام متوافق مع الجمهورية".

اضافة الى ذلك، انتقد المتحدث باسم تجمع لوبان الوطني سيباستيان تشينو في حديثه على قناة CNews الفرنسية "افتقار زمور للمصداقية" واتهمه بتعزيز "ماكرون من خلال جذب الناخبين بعيدًا عن لوبان".

وعليه، لغاية الآن فإن تداعيات ترشح زمور للرئاسة على السباق غير واضحة في هذه المرحلة المبكرة. لكن إحدى النتائج المحتملة هي أنه سيقسم أصوات اليمين المتطرف، وهذا سيصب في مصلحة ماكرون الذي لا يزال متقدما على خصومه حتى هذه اللحظة.

فرنسا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات