يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

نظام مصرفي بلا مهام!
06/12/2021

نظام مصرفي بلا مهام!

فاطمة سلامة

يتبيّن للمتأمّل في عدد المصارف في لبنان حجم "التخمة" التي تضرب هذا القطاع. "الدولية للمعلومات" نشرت سابقًا دراسة بيّنت أنّ عدد المصارف في لبنان يفوق الـ60 مصرفًا بين تجاري وأعمال. وبحسب الدراسة، فإنّ مقارنة عدد المصارف في لبنان بعددها في بعض الدول نسبة الى حجم السكان والناتج المحلي يظهر فائضاً. على سبيل المثال، تملك بريطانيا 10 مصارف رغم أنّ عدد سكانها 67 مليون نسمة، والناتج المحلي فيها 2,809، بينما يملك لبنان عشرات المصارف فيما يبلغ عدد سكانه 6 ملايين، والناتج المحلي 56 مليار دولار.

إلا أنّ هذا النظام المصرفي وعلى حجمه يمارس منذ أواخر العام 2019 مهامّ لا ترقى الى مستوى تصريف الأعمال. الممارسات اللاقانونية واللامنطقية التي مورست من قبله بحق المودعين أفقدتهم الثقة كليًا بالمصارف التي جنت أرباحًا وصفت بالخيالية على مدى أكثر من عقدين من الزمن بدعم من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي عوّم المصارف دون أن يغفل عن تطبيق الأجندة الأميركية بحذافيرها لجهة المصارف التي حاربتها واشنطن ووضعتها على لائحة الإرهاب كـ"جمّال ترست بنك". 

رمال: المصارف تحوّلت الى "كونتوارات" لسحب الودائع 

يتحدّث عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال لموقع "العهد" الإخباري كيف تحوّلت المصارف في لبنان الى "كونتوارات" لتسديد الودائع لأصحابها وبالليرة وبهيركات يفوق الـ80 بالمئة. تنحصر مهمّة المصارف اليوم فقط في هذا الأمر نتيجة فقدان الثقة مع الزبائن، مع الإشارة الى أنّ أي بناء اقتصادي في أي دولة من الدول ولكي يكون مستقرًا بالحد الأدنى أو ينمو ولو بشكل بسيط يحتاج الى تمويلات مصرفية أي يحتاج الى قطاع مصرفي قوي قادر على تمويل القطاعات الاقتصادية من خلال القروض المصرفية للقطاعات الإنتاجية من صناعة وسياحة وتجارة وخدمات وما الى هنالك. ومن هنا، يرى رمال أنّ وظيفة المصارف تكمن في وجود نظام مصرفي قوي قادر على تمويل الاقتصاد، لكن في الوقت نفسه لا بد من أن تكون هناك ثقة بهذه المصارف من أجل تحويلات خارجية أو داخلية من ودائع محلية كي يتم وضعها في المصارف. 

الودائع كانت بأحجام كبيرة وفاقت حجم الاقتصاد أكثر من ثلاث مرات 

ويوضح رمال أنّ مهمة المصارف سابقًا كانت في اتجاهين؛ أخذ الودائع من الزبائن وفي الوقت نفسه استثمارها في اتجاهات معينة لضمان "الربحية" من خلال استثمار أموال المودعين عبر قروض وتسليفات لقاء فوائد تأخذها المصارف من جهة، ودفع الفوائد للمودعين من جهة أخرى. تمامًا كما كان يحصل قبل عام 2019، حيث كانت لدينا ودائع كبيرة وبأحجام كبيرة تفوق حجم الاقتصاد أكثر من ثلاث مرات، حيث بلغت قيمة الودائع الموجودة في المصارف اللبنانية 180 مليار دولار، بينما كان حجم اقتصادنا في أحسن السنوات 55 مليار دولار، فيما بلغ حجم التسليفات التي كانت موجودة للقطاعات الاقتصادية والقروض الشخصية بحدود الـ50 مليار دولار. 

ما سبق من مهام كانت مهام طبيعية عادية لأي نظام مصرفي في أي دولة في العالم -يقول رمال- لكن في السنوات الأخيرة ارتفع حجم الجشع والطمع لدى القطاع المصرفي الذي توجّه الى تمويل الدولة والقطاع العام غير المنتج خصوصا بعد العام 2016 وعقب الهندسات المالية التي استفادت منها المصارف. وهنا يؤكّد رمال أنّ العمل الاحترافي الصحيح يحتّم على المصارف توزيع مخاطرها وتوزيع محفظتها الاستثمارية بعدة أماكن اذ كان بإمكانها أن تقرض الدولة جزءًا، وتستثمر الجزء الآخر خارج لبنان، أو تساهم بجزء معيّن في مشاريع وصناديق مضمونة الربحية، ففي حال حدثت خسارة ما تبقى هناك ودائع مضمونة، وفي حال طلب الزبون أمواله بالإمكان ردها، لا كما يحصل اليوم حيث تعمد المصارف الى إطفاء خسائرها مع الدولة على حساب المودعين بعدما انخفضت قيمة سندات "اليوروبوند" التي أقرضتها للدولة بحدود الـ85 بالمئة. 

ويلفت رمال الى أنّ المصارف تحوّلت  بعد عام 2019 الى "كونتوارات" اذ لم يدخل دولار الى المصرف نتيجة ذهاب الثقة وعدم احترافيتها بعدما تبيّن أنها لم تكن على قدر الثقة بالمودعين بل تصرّفت بأموالهم بطريقة غير مضمونة واستثمرتها مع الدولة، القطاع غير المنتج والمليء بالهدر والفساد، مع علم المصارف أن العجز في موازنات الدولة يفوق الـ4 أو الـ 5 مليارات دولار كل عام، فيما  استمرت المصارف في إقراض الدولة الزبون المتعثر والمفلس رغم أنها غير مجبرة على ذلك. 

لكن رمال يشدّد على أنّ المصارف لم تستثمر مع الدولة وتضع أموالها في مصرف لبنان كرمى لعيون البلد بل طمعا بالفوائد العالية جدا حيث كانت الدولة تؤمن للمصارف فوائد خيالية وصلت الى 17 بالمئة على قروض الدولار، أما الفوائد على القروض للقطاع الخاص فقد تراوحت بين 11 و12 بالمئة. وهنا يشدّد رمال على أنّ الفوائد التي تأخذها المصارف من الدولة أو القروض الشخصية تتراوح في كل دول العالم بين 1 و 1.5 بالمئة أو 2 بالمئة كحد أقصى.

وفي الختام، يقول رمال "طالما هناك تمييز من قبل النظام المصرفي ما بين الأموال القديمة والجديدة فمعناها أنه نظام فاشل ولا ثقة فيه ولن تستقيم الأمور الا بدخول مصارف أجنبية وعربية أو حتى لبنانية بأموال جديدة حقيقية فعلية للعمل بمهام المصرف الطبيعية والمساهمة في الدورة الاقتصادية".

مصرف لبنانجمعية المصارف

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة