طوفان الأقصى

مقالات مختارة

هدية مجانية لماكرون وابن سلمان يبتسم
06/12/2021

هدية مجانية لماكرون وابن سلمان يبتسم

الأخبار - ابراهيم الأمين

مشكلة لبنان في إدارة علاقاته الخارجية لم تكن يوماً منفصلة عن مشكلته في إدارة علاقاته الداخلية، خصوصاً أن القوى المحلية تربط، صراحة، علاقاتها ومواقفها بتحالفاتها الخارجية. وهذا ينسحب على السياسيين والاقتصاديين والناشطين والإعلاميين أيضاً. لنأخذ، مثلاً، صاحب إحدى المؤسسات الإعلامية البارزة في لبنان، الذي تربطه صداقة بوزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي. إذ إن هذا، عندما طالبه الأخير - من باب الصداقة - ألا يكون شريكاً في سفك دمه، ردّ بأنه يتقاضى راتبه من السعودية وليس من قرداحي نفسه.

الرواية - حتى ولو نفاها الطرفان – تعبّر عن طريقة تعامل اللبنانيين مع أزمات من هذا النوع. هل يمكن، مثلاً، أن نجد إعلامياً أو سياسياً أو ناشطاً أو حزباً أو رجل أعمال يرتبط بعمل أو علاقة دخل مع دول الخليج العربية، يبادر بانتقاد أي خطأ يقع في أي من هذه الدول. هل عثر أحد على ملاحظات نقدية لبرامج التدريس أو التعبئة الدينية أو السياسات الاقتصادية أو الاستهلاكية في هذه الدول، قبل أن نسأل عما إذا كان كل أدعياء الحريات قد علقوا على جريمة قتل وتقطيع الصحافي جمال الخاشقجي؟


الوثائق المسرّبة من عواصم ممالك القهر والموت كافية - ما نشر منها وما لم ينشر - لتشرح لنا طبيعة علاقة طبقة من السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين مع هذه الدول وممثليها. ما من دونية يمكن أن تنزل إلى قعر أعمق مما حيث هم اليوم. لا يجرؤ أحد - أي أحد - على انتقاد أو توجيه ملاحظة. هل تتخيّلون، مثلاً، أنه يوم وقعت انفجارات في ميناء دبي في تموز الماضي، لم يجرؤ لبنانيون كثر على التواصل في ما بينهم للسؤال عما يحصل. تماماً كما هي الحال مع عاملين ومقيمين في السعودية ممن يتحدثون، عندما يعودون إلى بلدانهم، عن الحرب على اليمن وآثارها الداخلية، ويهمسون عن تعرّض قصور ملكية في الرياض لإصابات مباشرة بالقصف. أما السؤال حول كيفية تعامل اللبنانيين المقيمين هناك مع الإعلام الوارد من لبنان، فلهذا فصل آخر. إذ إن جلهم عمد إلى كل الخطوات التقنية التي تحول دون العثور في حواسيبهم أو هواتف أولادهم أو حتى في باقة القنوات الخاصة بشاشاتهم الصغيرة، على أي أثر قد يعرّضهم لـ«خطر» الاستماع أو قراءة أو متابعة ما يصدر عن جهات قريبة من محور المقاومة. وبالمناسبة، فإن الضغط في هذا المجال لم يعد يقتصر على العاملين اللبنانيين في السعودية، بل حتى على العاملين مع السعوديين ممن يقيمون في بلدان أخرى. وبلغت الأمور حدّ تجنّب وسائل إعلام لبنانية وعربية، قدر المستطاع، استضافة من يحتمل أن يوجه انتقادات مباشرة أو انتقادات لسياسات السعودية ودول الخليج.

الانقسام اللبناني لا يقتصر على الهوية الوطنية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية بل حول مفهوم الكرامة أيضاً

عملياً، نحن في مواجهة آلة من الشر تقودها السعودية بمشاركة الغرب. وعندما يتجاوز رئيس فرنسا كل أطروحاته حول الحريات وحقوق الإنسان، ولا يخشى أن يصافح قاتلاً كمحمد بن سلمان، فهو يفعل ذلك لأنه يعرف أنه لا يوجد في فرنسا نفسها من يحاسبه، ولأنه يريد تحصيل ما أمكن من عقود توفر أموالاً لشركات بلاده، مع إدراكه بأن الرياض بقيادة ابن سلمان تتجه إلى تولي الإدارة المباشرة لعشرات الشركات التي كانت تتخذ من دبي أو الدوحة أو الكويت أو حتى المنامة مقراً لإداراتها الإقليمية، وبدأت إبلاغ شركات عالمية كبرى بأن عليها نقل مكاتبها الإقليمية إلى جدة أو إلى نيوم (بعد اكتمالها) تحت طائلة عدم التعاون معها (وزيارة السعودية من بوابة جدة تبدو تعايشاً سعودياً مع الوجهة الجديدة لابن سلمان بنقل كل شيء إلى جدة وإلى الساحل القريب من البحر الأحمر، ونيته جعل جدة العاصمة السياسية والتجارية والدينية ومنطلق الأنشطة السياحية والإعلامية). ولا يأخذ ابن سلمان بالاعتبار، في ذلك، غضب شيوخ أبو ظبي ودبي الذين باتوا يستشعرون هذه الخطوات التي ستدفع بعشرات الشركات للانتقال إلى السعودية، وبينها ما يشغّل عشرات الآلاف في الإمارات، كما هي الحال بالنسبة لوسائل إعلامية كبيرة تخشى على نفسها إن جرى إلزامها الانتقال إلى السعودية، وفي مقدمها شبكة «mbc».

عملياً، يتصرّف ماكرون في السعودية كأنه نعمة طعمة! الأخير مقاول مستعد لمراضاة آخر مولود في عائلة آل سعود إذا كان في ذلك ما يحفظ له عقود عمله في السعودية. وهذا الأخير، شأنه شأن غيره من رجال الأعمال في لبنان ومصر وسوريا والأردن، مستعد لممارسة كل أنواع الضغط في بلده لتحسين صورة السعودية. هذا، بالضبط، ما فعله ويفعله ماكرون الذي يسعى إلى تحقيق جملة من المكاسب في هذه المرحلة، لكنه لا يريد صرفها إلا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة. في هذه النقطة بالتحديد، نجح ماكرون في جرّ طبقة سياسية لبنانية بأكملها نحو مربعه، لخدمته في تنظيم علاقة خاصة مع الرياض لا نتائج لبنانية لها سوى أن «مملكة الخير» قد تفكّر في «العفو» عن لبنان، إذا ما استكمل خطوة استقالة قرداحي بخطوات عملية أخرى.

لكن ما هي هذه الخطوات؟
ظاهرياً، يحق لنجيب ميقاتي الزهو بأنه حقّق انتصاراً إعلامياً كبيراً في نجاحه بدفع قرداحي إلى الاستقالة، وهو يعتبر أنه انتصر على جمع كبير من القوى في لبنان، من حزب الله وميشال عون إلى سليمان فرنجية وآخرين، كما نجح في التنمّر على حلفائه - خصومه من نادي رؤساء الحكومات بأنه أقدر على الوصول إلى ابن سلمان منهم، بالتالي لا يحتاجهم لتحقيق ذلك، ومن دون أن يقدم تنازلات من كيسه. وفوق ذلك، انتزع التغطية التي تتيح له الاستمرار في الحكومة وطي صفحة «البحث» في استقالته أو استقالتها. لكن ميقاتي يعرف أن ما حصل في الرياض لا يعدو كونه كلاماً بكلام، لأن تحقيق ما تطلبه السعودية يتطلّب حرباً أهلية في لبنان. فالدب الداشر يريد من اللبنانيين جميعاً، ومن الفرنسيين أيضاً، الدخول في معركة مع حزب الله كرمى لعيونه، وإلا سيظل غاضباً... والويل لكم من غضبه. كل ذلك في مقابل «تنازله» بقبوله الاتصال بميقاتي، في حضور ماكرون وبإصرار منه، أو الطلب إلى وزير خارجيته فيصل بن فرحان تسهيل «زيارة عمرة» لرئيس الحكومة وترتيب لقاء معه، من دون ضمانة مسبقة بأن يستقبله ابن سلمان نفسه.

لكن، ما الذي حصّله لبنان من هذا كله؟
أمر واحد، وهو تأكيد أن الانقسام ليس فقط حول السياسات الخارجية والاقتصادية والمالية والإدارية والانتخابية، بل هو انقسام حول مفهوم الكرامة الوطنية، خصوصاً عندما لا يرف جفن جيش كبير من التافهين، سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال وإعلاميين، إزاء ما حصل، بل يواصلون إعطاء الدروس في كيفية بناء العلاقات مع الدول... وإذا كانوا بهذه الوضاعة أمام ابن سلمان، فكيف ستكون صورتهم أمام ماكرون، وهم الذين يعانون دونية مستمرة تجاه الرجل الأبيض...

السعوديةفرنساابراهيم الامينصحيفة الاخبار

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
اللبنانيون ممنوعون من العمرة
اللبنانيون ممنوعون من العمرة
هل للسعودية شهداء على طريق القدس؟
هل للسعودية شهداء على طريق القدس؟
إدانة حقوقية لترؤس السعودية لجنة حقوق المرأة في الأمم المتحدة
إدانة حقوقية لترؤس السعودية لجنة حقوق المرأة في الأمم المتحدة
في عاشر أعوام الصمود.. السيد القائد الحوثي يضع شروطًا خمسة للسلام مع السعودية
في عاشر أعوام الصمود.. السيد القائد الحوثي يضع شروطًا خمسة للسلام مع السعودية
مواقف عربية مرحّبة بقرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف إطلاق النار في غزة
مواقف عربية مرحّبة بقرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف إطلاق النار في غزة
مصر والأردن وفرنسا: لوقف فوري للعدوان على غزة
مصر والأردن وفرنسا: لوقف فوري للعدوان على غزة
سورية تدين البيان الأميركي البريطاني الفرنسي الألماني ضدها: استمرار للسياسة الهدامة
سورية تدين البيان الأميركي البريطاني الفرنسي الألماني ضدها: استمرار للسياسة الهدامة
بسبب العدوان على غزّة.. نائب فرنسي يدعو إلى طرد سفيرة "إسرائيل"
بسبب العدوان على غزّة.. نائب فرنسي يدعو إلى طرد سفيرة "إسرائيل"
استمرار العدوان الصهيوني على القرى الحدودية.. وباريس تنتظر ردًا من بيروت على مقترحاتها
استمرار العدوان الصهيوني على القرى الحدودية.. وباريس تنتظر ردًا من بيروت على مقترحاتها
شهيدتان في المنصوري.. والمقاومة تواصل عملياتها النوعية في الجنوب
شهيدتان في المنصوري.. والمقاومة تواصل عملياتها النوعية في الجنوب
رحلة الجوع والموت بين الشمال والجنوب: إسرائيل تستعدّ لاحتلال طويل
رحلة الجوع والموت بين الشمال والجنوب: إسرائيل تستعدّ لاحتلال طويل
وثائق ديبلوماسية تكشف مواقف الدول قبل 7 أكتوبر وبعده: لا أحد يريد الضغط على "إسرائيل"
وثائق ديبلوماسية تكشف مواقف الدول قبل 7 أكتوبر وبعده: لا أحد يريد الضغط على "إسرائيل"
أفكار هوكشتين لـ«اليوم التالي لبنانياً»: معالجة الحدود البرية وتفعيل التسوية الرئاسية وعودة «توتال» للحفر في البلوكات 8 و9 و10
أفكار هوكشتين لـ«اليوم التالي لبنانياً»: معالجة الحدود البرية وتفعيل التسوية الرئاسية وعودة «توتال» للحفر في البلوكات 8 و9 و10
غضب أكبر... عقل أكبر
غضب أكبر... عقل أكبر
خيارا باسيل: فرنجية أو الخروج من السلطة!
خيارا باسيل: فرنجية أو الخروج من السلطة!
شهيد للمقاومة يحيي ثقافة وهب الأعضاء
شهيد للمقاومة يحيي ثقافة وهب الأعضاء
90 % من اللبنانيين: أميركا تتحمّل مسؤولية العدوان | 60%: المقاومة تردع العدو
90 % من اللبنانيين: أميركا تتحمّل مسؤولية العدوان | 60%: المقاومة تردع العدو
الشيخ قاسم: لسنا معنيّين حاليًّا بأيّ نقاش حول مطالب "إسرائيل"
الشيخ قاسم: لسنا معنيّين حاليًّا بأيّ نقاش حول مطالب "إسرائيل"