طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

لعبة الأرقام: ارتفاع الدولار يقابله انخفاض الدين العام.. فمن المحرّك؟
27/11/2021

لعبة الأرقام: ارتفاع الدولار يقابله انخفاض الدين العام.. فمن المحرّك؟

د. محمود جباعي

يعاني لبنان منذ الحرب الأهلية من مشكلة تفاقم الدين العام بشكل تدريجي. ولعل فترة ما بعد اتفاق الطائف كانت هي البداية الأساسية في تفاقم حجم الدين العام وارتفاعه بشكل سريع وكبير حتى وصل الى ما قبل ١٧ تشرين ٢٠١٩ الى رقم كبير جدًا يقدر بحوالي ٩٠ مليار دولار، كل ذلك حصل بفضل السياسات المتبعة من الحكومات المتعاقبة المبنية فقط على الاستدانة والاستيراد مع اهمال شبه تام للقطاعات الانتاجية من زراعة وصناعة حتى أصبحت ديون لبنان من الأعلى في العالم بالنسبة لحجم المساحة وعدد السكان.

حجم الدين وأقسامه المختلفة

بلغ حجم الدين الاجمالي على الدولة اللبنانية حوالي ٩٠ مليار دولار مقسمة كما يلي:

١- دين يتم سداده بالليرة على سعر الصرف الرسمي ويقدر بـ ٥٦ مليار و٧٠٠ مليون دولار تدفع  لحملة سندات الخزينة التي اشترتها المصارف اللبنانية وبعض المستثمرين من المؤسسات والأفراد.

٢- دين يتم سداده بالدولار الأميركي وهو على قسمين؛ القسم الاول يبلغ ٣١ مليارا و ٣١٤ مليون دولار تدفع لحملة اليوروبوندز ويتم سدادها بالدولار الاميركي، والقسم الثاني يبلغ مليارًا و ٩٨٦ مليون دولار تدفع لصالح مؤسسات متعددة الاطراف ويتم سدادها بالدولار الأميركي.

أين ذهبت الأموال التي استدانتها الدولة؟
 
يتساءل مواطنون عن مصير كل هذه الأموال التي استدانتها الدولة على مدى أكثر من ٣٠ عامًا من جهات مختلفة، فهي لم تبنِ بها أي مشروع اقتصادي واحد يمكن اعتباره مشروعًا بنيويًا لتطوير الانتاج الوطني أو مشروع نقل عام متطور ولا حتى استخدمت شيئًا منها لإصلاح أزمة الكهرباء المزمنة، بل على العكس كانت الكهرباء سببًا أساسيًا في تفاقم الدين العام حيث صرفت عليها خلال السنوات الماضية مبالغ خيالية وصلت الى حدود ٣٨ مليار دولار دون أي نتيجة تذكر.

بحسبة بسيطة لحجم الإنفاق العام يتبين أن أكثر من ٧٠ بالمئة من قيمة الديون تمت سرقتها عن طريق مشاريع وهمية مليئة بالفساد والهدر، وهذه المشاريع كانت مجرد تغطية ممنهجة لتقسيم الأموال المستدانة بين القوى السياسية المختلفة في البلاد لأنه وبكل بساطة لم يتم انجاز أي من هذه المشاريع بشكل نزيه بل كانت تفوح منها روائح السمسرات والاستفادة الشخصية على حساب المصلحة العامة. والحديث يطول في هذا المجال لكثرة النماذج الحيّة عن المشاريع الفاشلة والفاسدة في شتى المجالات. ومن هنا يمكننا التأكيد أن خزينة الدولة وأموال المودعين وأموال الديون معظمها ذهبت إلى جيوب المسؤولين الذين حولوها الى حسابات مصرفية خارج البلد حيث تقدر قيمة التحويلات للسياسين اللبنانيين وأزلامهم المنتفعين بمئات مليارات الدولارات على مدى أكثر ٣٠ عامًا، مما يبين أن لبنان هو بلد منهوب وليس بلدًا مفلسًا، بل هناك من نهب أموال مواطنيه مع سبق الإصرار والترصد.

اغراق الليرة جزء أساسي في إطفاء الديون

قررت القوى السياسية بالاتفاق مع المصرف المركزي - المهندس الأساسي لعملياتها النقدية التي تصب في مصلحتها على حساب الشعب - أن تحمل المواطن وحده كل الخسارة المترتبة عن أعباء الديون من خلال العمل المبرمج على انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، فشهدنا التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي التي ساهمت عمدًا في تدهور سعر الليرة، ولاحظنا تقاعس الدولة بأجهزتها الرقابية عن ملاحقة المضاربين حتى بلغ الانهيار مداه وأصبح الدولار اليوم يفوق الـ ٢٥ ألف ليرة.

مخطئ من يظن أن كل ذلك حصل بالصدفة، فكيف لمصرف مركزي يمتلك احتياطًا نقديًا قبل ١٧ تشرين ٢٠١٩ يصل إلى أكثر من ٣١ مليار دولار، وهو الرقم الأعلى بالمقارنة مع كل دول المنطقة، أن يسمح بانهيار عملته بهذا الشكل، وهو المؤتمن على الحفاظ على قيمتها لولا أنه يعمل على ذلك بشكل مدروس وممنهج؟ هذه السلطة لم تسمح بإقرار قانون الكابيتال كونترول الذي لو أقر منذ بداية الأزمة لما تم تهريب أكثر من ١٧ مليار دولار الى الخارج كانت كفيلة بضبط الوضع النقدي لعدة سنوات. والجواب عن كل ذلك واضح، وبكل جرأة نقول إن كل ما حصل كان لعبة متفقًا عليها بين القوى السياسية ومصرف لبنان لتخفيض حجم الدين العام عبر انهيار الليرة وهو ما سنشرحه في الآتي:

١- تشكل نسبة سندات الخزينة ٦٣٪ من مجمل ديون الدولة.
٢- هذه السندات سوف يتم رفدها بالليرة على السعر الصرف الرسمي.
٣- قيمة سندات الخزينة قبل الانهيار تبلغ ٥٦ مليار و٧٠٠ مليون دولار أي ما يعادل حوالي ٨٥ ألف مليار ليرة.
٤- اذا احتسبنا سعر الصرف الحالي فقط ٢٠ الف لكل دولار ستنخفض قيمة السندات من ٥٦ مليار و٧٠٠ مليون دولار الى حوالي ٤ مليارات و٢٥٠ مليون دولار فقط.
٥- بالعودة الى الحسابات فإن حجم الدين انخفض بقيمة ٥٢ مليار و٤٥٠ مليون دولار على سعر صرف ٢٠ ألف علمًا أن سعر الدولار اليوم أكثر من ذلك.
٦- بناء على الحسابات أعلاه انخفض الدين العام من ٩٠ مليار دولار الى ٣٧ مليارا و٥٥٠ مليون دولار.

الواضح أن عملية إطفاء الخسائر والديون تسير بشكلها المخطط له من قبل السلطة السياسية ورأس حربتها المصرف المركزي، فديون الدولة تنخفض وأموال المودعين تعاد اليهم بهيركات بلغ ٨٢٪ وهذا ما يؤكد أن المواطن اللبناني اليوم يطلب العون من جلاده.

الدولارالليرة اللبنانية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل