نقاط على الحروف
ضوء أخضر لـ"اهانة" لبنان: البذاءة السعودية بأوضح صورها
ميساء مقدم
تقوم سردية الاعلام السعودية الموحّدة للأزمة السعودية المفتعلة ضد لبنان على خلاصة اتهامات لطالما عملت "المملكة" على تسويقها ضد لبنان وتحديدًا حزب الله. يستعيد هذا الاعلام لغة التمنين باستعراض ما "قدمته" السعودية للبنان من "دعم" مالي، و"استضافتها" للعمالة اللبنانية، ثم سلسلة من "الجرائم" التي ارتكبها لبنان بحق "المملكة" وقد عفت عن الكثير منها الى أن "بلغ السيل الزبى". وتقوم هذه المزاعم على سيمفونيات تهريب المخدرات الى السعودية عبر لبنان، علمًا أن أكبر عملية تهريب للكبتاغون ضبطها لبنان كان يقوم بها أمير سعودي متسترًا بصفته الأميريّة، كما تدعي سيطرة حزب الله على القرار اللبناني مع استحضار معزوفات "تدريب الحوثيين في اليمن"، والعمل لمصحلة أجندة ايران في المنطقة.
لا جديد في ما سبق سوى عمليات التلخيص والتكثيف لهذه العناصر حتى تُشكِّل سردية تكررت في أكثر التقارير والمقالات في الصحف السعودية. لكن البارز، تصعيد اللغة المستخدمة ضد لبنان ككل وليس ضد فئة فيه كما جرت العادة. الصحف السعودية لم تترك "إهانة" للبنان وشعبه أو رئيسه الا وضمّنتها في روايتها للأزمة الأخيرة. وفي ما يلي، بعضٌ مما فاضت به صحف "بني سعود" ضد لبنان:
* بأسلوب التحقير الشخصي لا المحاججة والنقد، تحدثت الصحف السعودية عن وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي، وجاء في مقال لصحيفة "الشرق الأوسط" تحت عنوان "الجبريون والقرداحيون": "جورج قرداحي أغرته الشهرة الواسعة ومجالسته لكبار المسؤولين في دول الخليج بأنه يستطيع أن يفهم في السياسة. وهو في الحقيقة نموذج للسذاجة والذي تغريه الشهرة بأنه من النخب، كبعض مشاهير السوشيال ميديا. الموقف السعودي موقف سياسي محكم، يتعلق بتوازنات القوى في المنطقة، وقرداحي أصغر بكثير من أن يكون سبباً لمواقف سياسية، ولكنه مثل القطرة التي أفاضت الإناء فقط". ومن قرداحي الى لبنان ككل انتقل الحديث: "لبنان "دولة فاشلة" وفي توازنات القوى الإقليمية هو بلا قيمة، بكل الاعتبارات، بلد صغير، مشتت، بلا موارد..".
* في صحيفة "الشرق الأوسط" أيضًا، ورد مقال تحت عنوان "إيران الرسّام وسوريا الصورة الأصلية... ولبنان نسختها" جاء فيه: "لبنان هو من الناحية الاستراتيجية الحلقة الأصغر في سلسلة أو منظومة "احتلالات" إيران في المنطقة العربية. وهو واقعياً مجرد نسخة للصورة التي رسمتها طهران في سوريا.. إن إيران هي "الرسّام، والنظام السوري هو صورته الأصلية، أما لبنان فليس أكثر من نسخة لتلك الصورة".
* صحيفة "عكاظ" تقدمت على "الشرق الأوسط" في تحقير اللبنانيين من خلال وصفهم بـ"النفايات"، ثم تشبيه لبنان بالكيان الاسرائيلي، فجاء في مقال تحت عنوان "لبنان.. إعادة تدوير النفايات السياسية!": "هناك من يدفع بضراوة لتحويل لبنان إلى "إسرائيل" أخرى في المنطقة.. ستكون هناك دولة عبرية ومارونية وكثير من الأقليات التي لديها الدعم والدافع للانفصال".
* رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورغم أسفه لوقوع الأزمة مع السعودية وتنصله من تصريح قرداحي واعلانه من قصر بعبدا حرص لبنان على حسن العلاقات مع دول الخليج، الا أنه لم يسلم من السهام السامة لكتاب البلاط، فجاء في مقال على موقع "العربية نت" تحت عنوان "سحب السفراء وسقطات ميقاتي وماكرون": "القطبة المخفية، بل الخنجر المسموم، في تشكيل الحكومة الماكريسية وليس الميقاتية، أنها تمّت من وراء ظهر السعودية وبمعزل عنها بوصفها الشقيق العربي الأكثر اهتماماً بلبنان.. السقطة الثانية، ارتكبها ميقاتي الذي عندما تحدّث عن ضمانات خارجية فكان يقصد حصراً الضمانات الفرنسية التي جعلته يتوّهم أنها تمتلك مفاتيح السعودية، تماماً كما توهم ذلك سلفه سعد الحريري. ودون أن يتعلم من درس الحريري أكمل ميقاتي طريقه". وفي هذا الحديث اعلان صريح أن السعودية تريد لبنان تحت عباءتها، ولا تقبل بشراكة في النفوذ فيه حتى من قبل الفرنسي الذي طالته سهام صحافة البلاط.
يتابع المقال ساخرًا من رئيس الجمهورية اللبنانية: "ما تقدّم، يشي أن لبنان ماض نتيجة سحب السفراء وتداعياتها التي لم تبدأ بعد إلى عزلة غير مسبوقة، لن تبدّدها استقالة القرداحي ولا حتى استقالة "مالك الحزين" وحكومته، ولا أيضاً استقالة ميشال عون الذي لا يعرف قاموسه الاستقالة إلا تحت هدير الطائرات".
التصويب بالاهانات الشخصية على الرئيس عون تكرر في أكثر من مقال، وجاء في "العرب اليوم" تحت عنوان "وزير يليق بعهد حزب الله": "ليس ما يعكس درجة الانحطاط التي بلغها لبنان اكثر من وجود جورج قرداحي في وزارة الاعلام"".. "ليس جورج قرداحي الذي صار وزيرًا في غفلة من الزمن سوى تعبير عن مرحلة انهار فيها لبنان وبلغ الحضيض".. "طبيعي ان يتوج شخص بهذه الضحالة السياسية عهده بالاتيان بجورج قرداحي وزيرا للاعلام".
فتح الاعلام السعودي نيرانه بقوّة على لبنان وشعبه ودولته ورموزه دون حدود، مع تمنين مستمر ومتكرر "بالمكرمات السعودية" للبنان، وهي "مكرمات" جاءت منقوصة في الاعلام السعودي، فكان لا بد من مساعدتنا في اكمال نصابها:
لم ينس اللبنانيون بصمات الاستخبارات السعودية وتمويل المملكة بالشراكة مع الاميركيين لمتفجرة بئر العبد في محاولة فاشلة لاغتيال آية الله سماحة السيد محمد حسين فضل الله في 8 آذار/ مارس 1985، حيث وقعت مجزرة بئر العبد التي راح ضحيتها 80 شهيداً بينهم أجنة ونساء.
وفي عزّ العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وصفت المملكة السعودية المقاومة اللبنانية بـ"المغامرة"، وأجرت ضغوطات على أميركا والكيان الصهيوني لمواصلة العدوان على لبنان و"سحق" حزب الله.
وبين عامي 2013 و2015، رزح لبنان تحت وطأة التفجيرات الارهابية في الأحياء السكنية ما أدى الى سقوط عشرات الشهداء. وكشفت التحقيقات حينها ارتباط أكثرية هذه التنظيمات بالسعودية، لا سيما كتائب "عبد الله عزام".
الحدث الأكبر كان في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، حين أقدمت السعودية على سابقة في تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الدول، واختطفت رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري واحتجزته وأجبرته على تقديم استقالته من الرياض، في محاولة لاحداث فوضى في لبنان والوصول الى اقتتال أهلي. لكن المخطط السعودي الشيطاني باء بالفشل بفضل جهود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله والحلفاء، وكذلك التدخل الفرنسي الذي ساهم بالحفاظ على حياة الرئيس الحريري وخروجه سالمًا من الاحتجاز.
ومنذ ذلك التاريخ، تمارس السعودية ضغوطًا اقتصادية وسياسية هائلة على لبنان وتقاطع رؤساء الحكومات بحجج واهية متنوعة، وصولاً الى التذرع بتصريح سابق لوزير الاعلام اللبناني قبل توليه منصبه الحالي يتحدث فيه عن حرب "عبثية" على اليمن، لقطع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، وشن "عاصفة حزم" دبلوماسية. علمًا أن كبار قادة دول العالم اضافة الى الأمم المتحدة، وصفوا الحرب على اليمن بالعبثية ودعوا الى وقفها.
ليست مشكلة السعودية مع لبنان في تصريح الوزير قرداحي، بل هي كما يظهر في فلتات لسان المسؤولين السعوديين وأتباعهم، أن لبنان عصيّ على الخضوع لأوامر المملكة، وغير قابل للارتهان كما الكثير من دول الخليج، وأن في لبنان ارادة مقاومة للعدو الاسرائيلي الذي تسعى السعودية الى التطبيع معه، ومساعدته على حصار لبنان وشعبه.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
13/11/2024
بالعلم العسكري .. متى ننتصر؟
12/11/2024
جونسون بعد شيا: وكر الشرّ لا يهدأ
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024