موقع طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

تفلت الأسعار الجنوني: واقع أم استغلال؟
30/10/2021

تفلت الأسعار الجنوني: واقع أم استغلال؟

د. محمود جباعي

لا شك أن لبنان اليوم يواجه أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه الحديث مما جعل معظم السكان يجهدون يومياً في محاولة لتأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية وسط استمرار الاسعار بالارتفاع دون أي ضوابط عملية تساهم في كبح جماح التضخم الحاصل الذي وصل اليوم الى مستويات قياسية ومستمرة بالزيادة حتى الوصول الى أقصى حدود مما سيجعل لبنان ضمن أعلى الدول في مستويات ارتفاع الاسعار والتضخم المالي.

أدت الأزمة الاقتصادية والمالية الى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية الى مستويات قياسية أمام الدولار الأميركي في بلد يستورد أكثر من 85% من احتياجاته الغذائية وموارده الاستهلاكية في كافة المجالات، مما أضعف قدرة الدولة على مواجهة الأزمة بسبب غياب الكميات الكافية من الانتاج المحلي وساهم في ترك المواطنين وحدهم في مواجهة الازمة والتجار والاحتكار مع غياب أي دور للدولة في وضع حد للتفلت الحاصل في الأسعار الذي وصل الى حد الجنون.

حجم الارتفاع في أسعار السلع والخدمات

إن المعدل الوسطي لارتفاع الأسعار تضاعف حوالي 6 مرات تقريبًا مقارنة بالمعدل الوسطي للأسعار في عام 2019 . واليوم مع ارتفاع أسعار المحروقات من المتوقع أن يصل ارتفاع الأسعار في ظل غياب الاجراءات الحكومية الى معدل وسطي قد يصل الى حدود 10 مرات بالمقارنة مع الاسعار عام 2019 وهذا ينذر بأزمة معيشية خانقة ستعصف بأكثر من نصف عدد السكان المقيمين في لبنان.

بناء على هذه المعطيات فإن التضخم الكبير الحاصل في أسعار المواد الغذائية والسلع والخدمات الاخرى مرتبط بالدرجة الاولى بتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وخسارتها لقيمتها التي وصلت الى حدود الـ 100 بالمئة منذ أواخر عام 2019 الى اليوم. ومن المتوقع بحسب كل الاحصاءات والدراسات أن يستمر هذا التضخم وخاصة مع توقع المزيد من الانهيار في سعر صرف الليرة وكذلك مع رفع الدعم المطلف وغياب أي إجراء فعلي من قبل المعنيين في البلاد.

نسبة ارتفاع الاسعار واقعية أم استغلال؟

ان ارتفاع الأسعار هو أمر طبيعي في ظل الازمة الحالية ولكن بالتأكيد آلية التسعير غير منطقية ويوجد فيها خلل جذري متمثل بوجود جهة رسمية تحدد الأسعار وارتفاعها بشكل موضوعي.

على سبيل المثال اذا افترضنا أن سعر سلعة ما يبلغ 100 الف ليرة لبنانية وأن سعر صرف الدولار الاميركي هو 20 الف ليرة للدولار الواحد وبعد يوم واحد ارتفع سعر صرف الدولار من 20 الف الى 22 الف ليرة هذا يعني أن سعر الدولار ارتفع بنسبة تقدر بحوالي 10% مما سيرفع سعر السلعة من 100 الف الى 110 الاف ليرة الا أنه ومن دون أي ضوابط ومنطق يصبح سعر هذه السلعة في معظم المتاجر اللبنانية بين 140 و150 الف ليرة. وهذا المثل البسيط يوضح لنا المقصود في كلامنا عن ضرورة وجود جهة رسمية تكون هي المعنية في التسعير لان المواطن يتعرض لاسوأ أنواع الاستغلال في ظل مواجهته لاسوأ أزمة معيشية في تاريخه.

دور الدولة والوزارات المعنية

على الرغم من كل الظروف التي تعيشها البلاد إلا أنه يمكن للدولة أن تقوم بعدة إجراءات تساهم في ضبط الاسعار من عملية التفلت الجنونية التي تصيب المواطن اللبناني في مقتل. وابرز هذه الاجراءات يمكن تلخيصها بما يلي:

1-تفعيل دور الرقابة انطلاقاً من مخازن الجهات المستوردة مروراً بقنوات التوزيع وصولاً الى مراكز البيع.
2-تعاون بين جميع الوزارات المعنية من أجل تشكيل شبكة مراقبة فعلية موحدة.
3-دعم القطاعات الانتاجية المحلية وبالاخص حالياً المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية البديلة عن المستوردة.
4-التعاون بين الحكومة والسياسة النقدية على توحيد سعر صرف الليرة أمام الدولار للحد من تفلت الاسعار.
5-تعزيز المنافسة في عملية الاستيراد للحد من سيطرة الكارتيلات على مصادر الواردات مما يخفف من حدة الاسعار بفعل تعزيز المنافسة وتنوع المصادر.

الواضح أن ارتفاع الاسعار هو أمر بديهي بظل الازمة المالية والاقتصادية والنقدية الخانقة التي يمر بها لبنان ولكن مع كل ذلك يمكن الاعتبار أن هذا التفلت في التسعير غير منطقي ويمكن للدولة من خلال بعض الاجراءات العملية أن تساهم في الحد منه مما يخفف من وطأة الازمة عن كاهل المواطن اللبناني.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل