طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الدولار.. لا استقرار بانتظار الحلول الجذرية
19/10/2021

الدولار.. لا استقرار بانتظار الحلول الجذرية

د. محمود جباعي

دخل لبنان منذ عامين في عهد انهيار العملة الوطنية اتجاه العملات الأجنبية. هذا التدهور في سعر العملة اللبنانية قضى على حقبة ثبات الليرة التي كان يتغنى بها صناع القرار في السياسة النقدية وانكشف للجميع مدى حجم الوهم النقدي الذي كنا نعيشه وانتهى تماماً مفهوم الثروة السهلة التي كان يشعر بها اللبنانيون من خلال فوائد عالية يحصلون عليها من القطاع المصرفي ليتبين انها ثروة وهمية تخفي خلفها تكتيكات غامضة كان يخفي اصحابها حقيقة الانهيار من أجل تجميع ثروات ضخمة من اموال المودعين وحاملي سندات الدين من يوروبوندز وسندات الخزينة.

الأسباب الرئيسية للانهيار النقدي

اليوم أصبحت عملتنا منهارة بنحو 90 % من قيمتها والاخطر من ذلك هو انه بكل صراحة لا يوجد سقف لحجم الانهيار النقدي الذي قد نصل اليه مع مرور الزمن وذلك بسبب غياب الاجراءات العملية من جهة وغياب الامكانيات الكافية من جهة اخرى، وهنا سنتستعرض الأسباب الرئيسية الكامنة وراء هذا الانهيار المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية:

1- عدم قدرة المصرف المركزي على التدخل في سوق القطع (الصرف) أو لدعم المصارف بسبب فقدانه للعملات الصعبة وبذلك تركت الساحة فارغة لتجار السوق في تحديد سعر الصرف.

2- استمرار المصرف المركزي بالاعتماد على عملية طبع كميات كبيرة من الليرة اللبنانية لتمويل حاجات القطاع العام من جهة وتمويل المصارف لدفع الدولار للمودعين بدل الدولار من جهة اخرى، حيث بلغ حجم الكتلة النقدية بالليرة اكثر من 46 الف مليار ليرة لبنانية.

3- بنية الاقتصاد اللبناني تعتمد على الاستيراد حيث نستورد أكثر من 85% من حاجاتنا المختلفة من مواد غذائية وأدوية وكذلك من المحروقات والفيول مما يشكل ضغطًا كبيرًا على طلب الدولار من السوق الموازية بمبلغ قد يصل الى حوالي 600 مليون دولار شهرياً تحتاجه معظم شركات الاستيراد لتلبية حاجات السوق المحلي.

4- تحميل السلطة السياسية بالاتفاق مع مصرف لبنان معظم الخسائر الى المودعين من خلال اعتماد هيركات مقنع على الودائع يتراوح بين 75 و80 بالمئة من قيمة كل مبلغ يسحبه المودع من المصرف (سعر الدولار 3900 ليرة بينما سعر دولار السوق يفوق الـ 20000 ليرة).

5- غياب الافق السياسي الايجابي واستمرار المناكفات السياسية والمشاكل الامنية مما يساهم بتهديد السلم الاهلي الامر الذي يمنع حصول اي استقطاب فعلي للرساميل التي تدخل في عملية تحفيز الاستثمار المحلي مما يضعف الثقة بالاقتصاد الوطني.

6- انعدام ثقة المواطنين بعملتهم الوطنية مما اضطرهم لتحويل كل مدخراتهم أو رأسمالهم من الليرة اللبنانية الى العملات الاجنبية مما ساهم ويساهم في مزيد من الانهيار للعملة الوطنية.

لا ينفع بعد الآن إلا الحلول الجذرية

مع تشكيل الحكومة انخفض سعر الدولار من 20000 ليرة الى حوالي 13000 ليرة وذلك بسبب اعتقاد اللبنانيين انه فقط بتشكيل حكومة سوف ينخفض سعر الدولار لان هناك من اوهمهم ان سعره هو فقط سياسي. ولكن بعد مرور أيام قليلة عاد الدولار الى التحليق مجدداً ليصل الى ما كان عليه قبل تشكيل الحكومة مسقطاً بذلك العباءة السياسية عنه واتضح للجميع ان سعر الدولار مرتبط بعدة عوامل اقتصادية ومالية ونقدية تحكم تسعيرته في الاسواق متأثرة بالاحداث السياسية التي تؤثر على جزء معين من سعر الدولار بما بتعلق بالطلب الفجائي او العرض الفجائي والمقصود بالفجائي الطلب او العرض المتسارع بفعل احداث سياسية ايجابية كانت او سلبية.

بناء على كل ما تقدم إن سعر صرف الدولار يأخذ اليوم منحنى تصاعديا ومع غياب الحلول سيصبح هذا المنحنى مطردا أي أنه سيتسارع ارتفاعه حتى يبلغ ارقامًا قياسية. لذلك لم يعد ينفع بموضوع الدولار إلا اتخاذ الحكومة الحالية ومعها المجلس النيابي خطوات جذرية ممكن أن تسهم في ضبط سعر الدولار عند مستوى معين.

أبرز الحلول البنيوية

1- بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على مبلغ سريع يستعمل في تمويل القطاعات الانتاجية من زراعة وصناعة من أجل إنقاص حجم الاستيراد.

2- اصلاح جذري لمالية الدولة التي تعاني من عدم القدرة على تحصيل الايرادات بفعل التهرب الضريبي والتهريب الحدودي.

3- العمل على توحيد سعر الصرف بين المصارف والسوق السوداء أو بالحد الادنى أن تكون أسعارا متقاربة من خلال تفعيل دور منصة صيرفة في عملية الشراء وليس فقط في عملية بيع الدولار.

4- الاستماع للعروض الاجنبية في ما يتعلق بموضوع الكهرباء والمحروقات مما يقلل الطلب على الدولار من السوق السوداء وبالتالي استقرار سعره.

5- اصدار قانون كابيتال كونترول الذي يمنع خروج العملات الاجنبية الى الخارج دون الحاجة القصوى لذلك (على الرغم من تأخره كثيراً ولكن اقراره يعطي شيئا من الثقة).

6- اعتماد خطة اقتصادية شاملة تعمل على الاصلاحات المختلفة وخاصة في كيفية التعاطي مع القطاع المصرفي.

الدولار

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات