خاص العهد
ماذا يقول القانون اللبناني في التحريض الذي مارسه جعجع؟
فاطمة سلامة
ربما لا يحتاج تاريخ المدعو سمير جعجع الإجرامي الى "سرديات". اسمه يتحدّث عنه، ويكفي أن تُذكر كلمة "جعجع" حتى يتبادر الى الذهن صور القتل والإجرام. السجل العدلي لساكن معراب حافل بجرائم القتل والاعتداءات. أكثر من 20 جريمة منسوبة لرئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع الذي عاث تهجيرًا وتدميرًا وقتلًا للأشخاص على رأسهم رئيس وزراء لبنان الأسبق رشيد كرامي، ونجل رئيس لبنان الأسبق سليمان فرنجية، طوني فرنجية مع زوجته وابنته، وغيرها الكثير من الجرائم والمجازر المعروفة للجميع.
اليوم، يعيد التاريخ نفسه. يسترجع جعجع سجلّه الأسود وهو الذي يعتاش عليه. يعمل على إعادة عقارب الساعة الى الوراء، الى حيث يرى نفسه قائدا ميليشياويا. يسعى لإعادتنا الى زمن الحرب الأهلية وهو الذي لم يغادر تلك الحقبة. يسعى لإيقاظ الفتنة وإحياء تلك الحقبة. وبكل بساطة، أوعز لمحازبيه فتح النار على رؤوس وصدور متظاهرين سلميين خرجوا للتعبير عن رأيهم بشكل سلمي وحضاري. والحقيقة تقول إنّه لولا حكمة حزب الله وحركة أمل لكنا اليوم في خضم حرب أهلية لا نعلم متى تنتهي. وهنا السؤال، ماذا يقول القانون اللبناني في التحريض الذي مارسه جعجع؟ ألا تستدعي فعلته التحريضية الملاحقة القانونية؟.
رياشي: جعجع مارس جرم التحريض والتشجيع على الاقتتال
المحامي ريشار رياشي يقدّم قراءة قانونية في الكمين الغادر الذي نفّذته القوات اللبنانية بحق متظاهرين سلميين، فيوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ أحداث 14 تشرين الأول لها عدة جوانب، فمنها ما يتعلّق بالتحقيق وتداعياته وسلوك المحقق العدلي وصولا الى المطالب الشعبية والحادثة المؤلمة التي حصلت. يقول رياشي: " لا شك أنّ المحقّق العدلي سلك سلوكًا غير قانوني وغير نظامي، فمن غير المطلوب أن يذهب القضاء بهذه الطريقة الشعبوية، وحتى السلوك الاحتمالي -لجهة وقوع جرائم بسبب سوء تقدير وغيره- الذي طرحه بيطار في الادعاء على الوزراء انتهجه هو نفسه لجهة ضرورة تقديره مسبقًا بأنه اذا أصدر مذكرات توقيف بحق الوزارء قد يحصل ما لا تحمد عقباه". وهنا يوضح رياشي أنّ ما يدين به بيطار الوزراء وقع فيه والفخ الذي رسمه لهم سقط فيه، سائلًا: "ألم يكن يعلم أنّ تداعيات الممارسات التي يقوم بها قد تؤدي الى تصادم بين شارعين؟".
وفي معرض حديثه، يلفت رياشي الى أنّ تاريخ جعجع الإجرامي يتحدّث عنه وسجله العدلي حافل من أولاد زينون الذين أعدموا في الزلقة الى جرائم القتل والاغتيال التي نفذها جعجع الى "سيدة النجاة" وداني شمعون وغيرها. وفق رياشي يملك جعجع سجلا عدليا اجراميًا يفوق المئة صفحة. ينطلق رياشي من هذه المقدّمة ليلفت الى أنّ جعجع مارس التحريض في الأحداث الأخيرة حيث أعلن قبل الحادثة ضرورة المواجهة وعدم السكوت على المواقف التي تسجّل، مقدّمًا نفسه على أنّه الذراع الحامي للمسيحيين، وهذا -بحسب رياشي- جرم وتشجيع على الاقتتال بين اللبنانيين وعلى الفوضى. ثمّة فئة لديها موقف قانوني من سلوك محقّق عدلي خرجت للتعبير عنه، فلماذا مواجهتها؟ يسأل رياشي الذي يلفت الى أنّ أهالي شهداء المرفأ يعبرون كل يوم في الشارع عن مواقفهم وهذا حق لهم لأنهم قتلوا في منازلهم، ولكن لا يجوز -وفق قناعات رياشي- الاستفادة الشعبية من هذه القضية والاستثمار السياسي بأوضاع البلد حتى ولو كان الثمن وضعه على كف عفريت.
من يحرّض على القتل فهو قاتل
ويشدّد رياشي على أنّ ما حدث والطريقة التي جرى فيها قتل المتظاهرين يدلان على أنّ الحادثة منظّمة وليست عفوية أو وليدة الساعة وليس وراءها شخص واحد بل جهات رسمية قد تكون أحزابًا أو غيرها خاصة أنّ بلدنا مفتوح على كل الأجهزة التي تلعب فيه. ويشدّد رياشي على أنّ هناك من حرّض وأعطى الأوامر ويجب أن يحاسب في تحقيق شفاف بعيدًا عن التعمية والتغطية. وفق رياشي على القضاء أن يحاسب كل من حرّض وأعطى الأوامر ونظّم وارتكب. وفق قانون العقوبات، فإنّ جريمة التحريض الذي يؤدي الى القتل لا تختلف عمن نفّذ عملية القتل. القاتل من يحرّض على القتل ويخلق فكرة القتل لدى القاتل. وهنا يحذّر رياشي إما أن يكون التحقيق كاملًا متكاملًا أو يذهب البلد الى المجهول، طارحًا أكثر من علامة استفهام حول دور الأجهزة الأمنية التي علمت مسبقًا بوجود تحركات على الأرض.
عقوبة التحريض الذي يؤدي الى حرب أهلية أو اقتتال تصل الى الإعدام
يرفض رياشي استباق التحقيق، ولكن ثمّة مؤشرات -بنظره- لا يمكن التغاضي عنها سواء لجهة المنطقة أو السلوك الذي سلكه القتلة. كل هذه المؤشرات على التحقيق الأخذ بها، حتى أنّ هناك الكثير من النواب اعترفوا أنّ القتلة هم أبناء حزب "القوات" وأرادوا بجريمتهم أن يدافعوا عن أنفسهم وكأن هناك من أراد أن يجتاح المنطقة! بالنسبة لرياشي، ثمّة اعتداء تمّ من قبل هؤلاء الناس على فريق آخر مسالم كان في الشارع، وكل من يرتكب ذلك فهو يرتكب القتل وأفعالا تخل بأمن البلد كله وتؤدي الى حرب أهلية. وهنا يستذكر رياشي أنّ قانون العقوبات ينص على أنّ عقوبة التحريض الذي يؤدي الى حرب أهلية أو اقتتال تصل الى الإعدام. وكل شخص حرّض ودفع الى هذه الجرائم وعرّض البلد لمخاطر يجب أن يتم إنزال أقسى العقوبات به وفقًا للمواد المنصوص عليها في قانون العقوبات. يجب أن يأخذ التحقيق أقسى درجات التشدُّد والحزم لأنّ نتائج التحقيق إن لم تكن إيجابية وجديّة قد تؤدي الى صدامات نحن بغنى عنها.
رياشي الذي سبق أن تقدّم بدعوى ضد جعجع بوكالته عن "الحزب السوري القومي الاجتماعي" بعد اعتداء "القوات" على الناخبين السوريين المتوجهين الى سفارة بلادهم للاقتراع يلفت الى أنّ الإخبار الذي قدّم بحق من عمل على زعزعة السلم الأهلي أحيل الى فرع المعلومات وحتى الساعة لم يصَر الى إجراء تحقيق بحق جعجع حيث لا تزال الدعاوى حديث الأدراج في فرع المعلومات، مضيفًا: "نحن لا نقبل أن تبقى حديث الأدراج ونحذر من أي تلكؤ أو غطاء رسمي لكل من يهدد السلم الأهلي في لبنان".
إقرأ المزيد في: خاص العهد
14/10/2024