طوفان الأقصى

خاص العهد

التحقيقات بانفجار المرفأ: أين أخطأ البيطار؟
08/10/2021

التحقيقات بانفجار المرفأ: أين أخطأ البيطار؟

فاطمة سلامة

ينتظر أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين من انفجار مرفأ بيروت ومعهم الكثير من الغيارى نتيجة التحقيقات القضائية. القضاء قد يكون الملجأ الوحيد لهؤلاء لمعرفة الحقيقة وإحقاق العدالة. إلا أنّ من يراقب المسار القضائي يكتشف بما لا يقبل الشك أنّ ثمّة مسارًا مشكوكًا بأمره تسير عليه التحقيقات، ما يعني حُكمًا القضاء على آمال المنتظرين للوصول الى الحقيقة والعدالة. هذا الواقع عبّرت عنه جهات عدّة تضع أكثر من علامة استفهام على أداء المحقّق العدلي بقضية انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار. أهل القانون يتحدّثون عن ثغرات وهفوات لا تُغتفر ارتكتبها المحقّق العدلي حتى بات مسار التحقيقات والحقيقة بمثابة الخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان على حدّ تعبير أحدهم. وعليه، أين أخطأ البيطار؟ وما الثغرات التي ارتكبها؟. 

أداء المحقّق العدلي أثار الريبة والشك والقلق لدى المتهمين

الخبير القانوني المحامي الدكتور عباس دبوق يستهل حديثه لموقع "العهد" الإخباري بالإشارة الى أنّ المجلس العدلي -الذي تأسّس منتصف القرن الماضي- هو محكمة استثنائية تخرج عن النظام القضائي الطبيعي. تلك المحكمة الاستثنائية تُلغى في الدول المتحضرة التي تراعي حقوق الإنسان. وفق دبوق، فإنّ هكذا محاكم لا تراعي الضمانات الحقيقية للمتهمين بمحاكمات عادلة. وهنا يوضح دبوق أنّ المجلس العدلي عندما تأسس أتى مخالفا لأحكام الدستور اللبناني كما أن وجوده مخالف للمواثيق الدولية العالمية التي ترعى حقوق الانسان وتطالب الدول بإلزامية تأمين محاكمات عادلة. 

ينطلق دبوق من المقدّمة أعلاه ليشير الى أنّ مسار التحقيقات الذي يتّبعه البيطار لا يؤمّن المحاكمات العادلة. يؤكّد أنّ المتهمين الذين ادعّى عليهم المحقّق العدلي يثيرون بوجهه دعاوى كدعوى الرد أمام محكمة الاستئناف لكف يده، ودعوى الارتياب أمام محكمة التمييز -والتي لا تهدف الى كف يده بل استبداله بقاض آخر يحقّق مع صاحب الدعوى-، يثيرون كل هذه الدعاوى نتيجة الشكوك بأن ثمة نوايا سيئة عليهم شخصيًا، ولأنهم يشعرون من خلال أداء البيطار أن لا ضمانة للمثول أمامه. تلك الضمانة التي ينص عليها الدستور والمواثيق العالمية والدولية لحقوق الإنسان. 

وفق دبوق، فإنّ تصرف المحقّق العدلي أثار الريبة والشك والقلق لدى المتهمين، فنحن لم نتعوّد أن يحدث تسريب إعلامي من قبل أي سلطة قضائية أو تصريحات إعلامية لقاض بخصوص القضية. هذا التصرف يعتبر خروجًا عن المسار الطبيعي للسلطة القضائية التحقيقية التي تسعى الى جمع التحقيقات، وهذا بحد ذاته يولّد القلق عند المتقاضي ما يدفعه للجوء لأي وسيلة كي لا يمثل أمام القاضي خشية من أن يأخذ مسارا منحرفا عن المسار القضائي الذي يضمن  له الحق في الدفاع عن نفسه.

ازدواجية المعايير...

ومن الأمور التي قلّلت الثقة بالبيطار بالإضافة الى التسريبات الإعلامية -يقول دبوق- ازدواجية المعايير عبر التركيز على شخصيات معينة وكأنّها من جهة سياسية محدّدة والامتناع عن الادعاء على آخرين. فمن جهة لجأ للادعاء على رئيس حكومة علم قبل فترة وجيزة من الانفجار بوجود النيترات بالمرفأ، علمًا أن رؤساء سابقين أخذوا وقتهم ولم يدع عليهم بل ادعى على وزراء سابقين في عهدهم، وكأنّ البيطار يحمي أشخاصًا معينين من المثول أمام العدالة وفي الوقت ذاته يركز مسار التحقيق على أشخاص معينين، وهذا يدل على خلل بمسار التحقيق لا يجب أن يقع القاضي فيه. الأخير وكي يبعث الطمأنينة والأمن والسلام لدى المتقاضين وكي يضمن الوصول الى العدالة التي ينتظرها المتضررون والناس من المفترض أن يعتمد معايير أساسية تضمن الأمن والطمأنينة لدى المتقاضين بحيث اذا مثلوا أمامه تكون حقوقهم محفوظة. لماذا؟ يسأل دبوق نفسه ويجيب بالإشارة الى أنّ القاضي العدلي يتمتع بسلطة تقديرية واستنسابية بتحقيقاته واستنتاجاته والقرار الذي يأخذه نهائي وغير قابل للطعن ومن هنا يأتي قلق المتقاضين، ففي حال كان حدسهم في محله أي أنّ القاضي يعمل بالسياسة ويتلقى ضغطًا لتوجيه مسار التحقيق الى غايات لا تخدم التحقيق سيقعون في مشكلة ويجدون أنفسهم "كبش محرقة" خاصةً أنّ القرار الظني سيكون مبرمًا ويحوّلهم الى المحاكمة. 

بطء في مسار التحقيق 

كما يوضح دبوق أنّ تركيز التحقيق على الموظفين من الناحية الإدارية يعتبر إحدى الثغرات، سائلًا: لماذا حتى اليوم لم يظهر سبب الجريمة التي وقعت؟ لماذا التباطؤ؟. وفق دبوق، فإنّ الهدف من اللجوء الى المحقّق العدلي التابع لمحكمة استثنائية الاستعجال في الوصول الى الحقيقة والمحاكمة لا اتباع مسار بطيء كما يحدث اليوم حيث لا يراعي البيطار المهمة الموكلة اليه بالشكل المطلوب وكأن المسؤولية التي يحملها على عاتقه لا تتناسب مع المهمة الموكلة اليه والناتجة عن انفجار كانت تداعياته صادمة للمجتمع اللبناني. القاضي العدلي يتّخذ مسارا خاصا في تحقيقاته وكأنه غير معلن اذ من غير المعروف متى ينتهي من الاستدعاءات، وما نسمعه من تسريبات حول أنه سيستدعي فلانا وفلانا لا يليق بالسلطة القضائية بل يؤدي الى إثارة الشكوك والقلق لدى المتّهمين. 

كما يلفت دبوق الى أنّ البيطار لديه سلطة تقديرية استنسابية خاصة عكس القاضي في المحاكم العادية حيث يكون رأيه قابلا للمراجعة. قرار القاضي العدلي لا يخضع لأي مراجعة ومن هنا يعتمد البيطار على مسار واجتهاد خاص لاستدعاء السياسيين والوزراء السابقين ويتجاوز الحصانة التي يتمتعون بها في الدستور خاصة أن هناك اجتهادات تقول إن هؤلاء يحاكمون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الوزراء والرؤساء، فيما ترى وجهة نظر أخرى أنّ هذا المجلس غير موجود ويخضع للإرادة السياسية. وهنا يمكن القول إنّ هذه الوجهة السياسية موجودة حتى عندما يتم تعيين المحقق العدلي. 

وفي الختام، يأمل دبوق لهذه القضية أن تأخذ خواتيمها وتصل الى نتيجة تخدم المجتمع اللبناني عبر اكتشاف الحقيقة والتوصل الى العدالة لتبيان المجرم الحقيقي سواء كان موظفًا أو رئيسا أو دولة خدمة للمجتمع اللبناني.
 

القضاء

إقرأ المزيد في: خاص العهد