ramadan2024

آراء وتحليلات

جوقة عوكر بالزيّ الموحّد: الخائبون‎‎
29/09/2021

جوقة عوكر بالزيّ الموحّد: الخائبون‎‎

ليلى عماشا

حين أوكلت عوكر إلى أدواتها في مجال الإعلام مهمة الترويج للاتهام السياسي في كارثة انفجار مرفأ بيروت، تركت لكل مؤسسة إعلامية، أو لكلّ وجه إعلاميّ من فريقها، حريّة اختيار أدبياته وتقنياته الترويجية، على سبيل بثّ روح المنافسة بين الأدوات وإتاحة التعدّد والتنوّع في شكل الترويج لتهمة باطلة قضائيًا وقانونيًا ومنطقيًا وسياسيًا. عمل الإعلام "العوكريّ" والمتسعود باجتهاد واضح وبشكل صريح لاتمام مهمتّه بما يكفل له رضا شيا ومن تمثّل، وطبعًا يقترن رضا شيا برضا ولي خيمتهم ونعمتهم البخاري.

وعلى وقع الأوركسترا الإعلامية المشبوهة بتهمة الترويج للأضاليل وبثّ الأكاذيب والشعارات الفارغة حول الكارثة وأسبابها، وصل الملفّ إلى القضاء بعد تحقيق شاركت فيه مختلف المؤسسات الرسمية المخوّلة بالتحقيق، وبالاستعانة بجهات خارجية متعدّدة. في أروقة القضاء المعتمة، ظهرت ومضات متعدّدة على هيئة استدعاءات مريبة يقوم بها القضاء وكأنّه يستكمل ما بدأه الإعلام، مجاهرًا بتحوّله إلى طرف يحاول قوننة الاتهام السياسي ويستعجل الوصول إلى قوس محكمة سياسية، تتهم وفقًا لمزاج لم تذكره القوانين المرعية الإجراء.

هذه القوانين تكفل للأطراف حق طلب كفّ يد القاضي الموكل بمتابعة الملف إذا ما ظهرت شكوك حول موضوعيته وحياديته في تولي ملفّ بحجم انفجار المرفأ.

ولذلك جاء طلب كفّ يد القاضي بيطار عن الملفّ طبيعيًا من الناحية القانونية نظرًا لكلّ التساؤلات المشروعة والمطروحة حول طريقة تعاطيه مع مسألة تمسّ كلّ الناس، إذ لم يحاول الظهور بمظهر منطقي ولو شكليًا.

قبل البتّ بكفّ اليد من عدمه، تداعى اعلاميو عوكر وسائر السفارات التي تدور في فلك الأميركي إلى "هبّة" دفاع عن القاضي. وهنا، لم يُترك لكلّ منهم حقّ اختيار أسلوبه في الترويج هذه المرّة، بل بدا أنّ تعليمة واحدة، بمخطّط مهمة موحّد، قد وردهم جميعًا في ساعة واحدة، ليخرجوا إلينا مجتمعين بزيّ شعاراتيّ موحّد، ضدّ طلب قانونيّ، بغضّ النظر عن تنفيذه أو ردّه، ومروّجين لما لقّنتهم إياه جهة واحدة في ضرورة حماية القضاء الذي يكمل حفلة الاتهام السياسي بمقاضاة سياسية، رافضين حتى الظهور بمظهر موضوعي يحترم عمل المؤسسات وقوانينها. بلحظة، حوّلوا القاضي الذي يعمل بما يناسب خطابهم إلى أعدل القضاة، مصرّحين عن رفضهم لأي مسار قانوني لا يلبي أجندتهم الموحدة.

جوقة عوكر بالزيّ الموحّد: الخائبون‎‎

استعان الإعلاميون بالفنانين، على سبيل اكتساب أكبر عدد ممكن من الجمهور، على اعتبار أن مجموعات المعجبين بالفنانين تشكّل فارقًا إذا ما أضيفت إلى نوادي مطبّلي ومطبّلات الإعلاميين "النجوم".

أمّا الإضافة الثانية التي ارتأى فريق عوكر أن يضمّها إلى جوقته المشبوهة، فكانت، بكلّ أسف، بعض أهالي ضحايا انفجار الرابع من آب. فهذه الإضافة تمّت على سبيل تطعيم المشهد بمكوّنات تستدعي التعاطف، وهي فعلًا كذلك. فمن زاوية ما، حزن أهالي الضحايا هو زاوية لا يمكن التشكيك في صدقها أو على الأقل في كونها صدّقت ما بثّه فيها الإعلام منذ الانفجار. ولا يمكن استغراب أن تستخدم الجوقة تلك حزن بعض الأهالي والمتضررين في الترويج لتعليمات "معلّمتها"، فهي لم تكفّ عن ذلك من أوّل لحظة. إلّا أنّ الأمر يبقى مؤسفًا، وداعيًا إلى التساؤل حول كيفية وخلفية قبول أهل بعض الضحايا بالمثول أمام الرأي العام كجزء من فريق يتهم كي يخفي حقيقة خسارتهم لأحبتهم. الأمر مؤسف على الأقل حيال الضحايا الذين تحوّلوا منذ لحظة قتلهم في الانفجار إلى مساحة يستثمر فيها تجّار الشعارات الموجّهة بأبشع الأساليب وأحطّها.

كان سيبدو السيناريو الاتهامي مقنعًا أكثر لو طالب هؤلاء القضاء بالإفراج عن التحقيق الفنّي الذي يكشف حقيقة ما جرى في الرابع من آب، أو لو طالبوا بموضوعية استدعائية تحترم عقول الناس وأوجاعهم. إلّا أنّهم أثبتوا عجزًا مهولًا عن التذاكي في لعبة الإعلام، وقرّروا خوضها بصراحة كأدوات تسعى إلى التضليل عبر التسييس وعبر "خبص" الأحداث والمواقف والشعارات ببعضها بعضًا لمنع أي حديث أو نقاش عقلاني وقانوني حول المسألة.

بعيدًا عن الدخول في التفاصيل القانونية والإجرائية حول طلب كفّ يد القاضي بيطار عن الملف، يحقّ لأي أحد أن يطرح علامات استفهام عديدة حول الهبّة الإعلامية المنكّهة بالمشاهير والمزيّنة بحضور أهالي بعض الضحايا، ومنها:

- إذا كان الهدف هو كشف الحقيقة، ما الذي يجعل "الإعلام" يتدخّل في المسار القضائي حدّ اعطاء نفسه حق القبول بقاضٍ، ويمنع عن غيره حقّ طلب كفّ يد القاضي؟ بكلام آخر، ما سرّ التمسّك بالقاضي بيطار واعتباره القاضي الأوحد المؤتمن على الملف؟

- ما سرّ التطبيل للقاضي بيطار منذ تولّيه الملف حتى الساعة: هل هو تلازم المسار الإعلامي - القضائي في وجهة واحدة، أم هي مجرّد "محبّة" ألقتها سفارة ما في قلوب إعلامييها وطبّاليها؟

- ما الذي يخيف هؤلاء إذا ما تمّت تنحية القاضي بيطار عن الملف؟ هل يخشون ذهاب التحقيق إلى مسارات لا تريدها عوكر، أو انكشاف مساهماتهم المتواصلة في تضليل الناس؟

أسئلة كثيرة تُطرح بموضوعية ولا يتجرّأ أحد منهم على الإجابة عنها، بل يتهربون من مواجهتها بالصوت العالي حينًا وحينًا بالتباكي على ضحايا هم أوّل من استثمر في دمهم، وأول من تلقى وعودًا بترقيات وعطايا إذا ما نجحوا في تحقيق إنجاز ما في سبيل إخفاء الحقيقة.

أغفل الإعلام العوكري حقيقة فشل هذا السيناريو المستعاد من أرشيف ٢٠٠٥. هم حرفيًا يكرّرون التجربة نفسها، في بيئة وظروف مماثلة، متأملين أن تنجح رغم فشلها المتكرّر. ولا يكرّر التجارب الفاشلة إلّا الخائبون.

التضليل الإعلاميعوكرطارق البيطار

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة