طوفان الأقصى

خاص العهد

صبرا وشاتيلا.. وقائع لن تمحى من الذاكرة
17/09/2021

صبرا وشاتيلا.. وقائع لن تمحى من الذاكرة

حمزة البشتاوي(*)

تقول سعاد محمد سرور المرعي: "في عصر يوم الخميس 16/9/1982 وكان عمري وقتها أربعة عشر عاما ذهبت وأخي الى أحد الملاجئ في المخيم.، وفي الطريق بدأنا نرى مناظر رهيبة، جثثا ممددة على الطرقات وأصوات نحيب وصراخ، وجارنا أبو رضا يصرخ: قتلونا واغتصبوا بناتنا وأخذوا أولادنا، فركضنا عائدين الى البيت وبقينا حتى اليوم التالي حيث دخل المجرمون الى منزلنا، وبعد ان سرقوا محتوياته اطلقوا النار علينا وقتلوا والدي وستة من اخوتي وجارتنا التي كانت في منزلنا، وأصبت وأمي وأختي إصابات غير قاتلة فشلت حركتي، وبعد ان غادر المسلحون معتقدين اننا فارقنا الحياة عادوا مرة ثانية واطلقوا النار عليّ مرتين ولم أصحُ الا في ساعة متأخرة من الليل، وسمعت مواء القطط وهي تدور حول جثث اهلي، ثم اخرجني الصليب الأحمر. وبعد التنقل ما بين مستشفى وآخر وانهيارات عصبية متتالية طلب احد الأطباء نقلي الى خارج لبنان عبر طرابلس للمعالجة، وبينما كنت ممددة على المقعد الخلفي في السيارة ولدى وصولنا الى حاجز البربارة طلب مني السائق الا اتحرك، ولكن المسلحين طلبوا من السائق والمرافق الذي كان معنا ان يترجلا من السيارة ونقلونا نحن الثلاثة في سيارة جيب، وبعد ان قتلوا المرافق نزعوا من جسمي كيس البول والأجهزة الطبية والغطاء الذي كنت أغطي به جسمي ووضعوني فوق صخرة على الشاطئ وقالوا: الآن ستموت من تلقاء نفسها، ثم عادوا في اليوم التالي وطلبوا من السائق ان يعيدني من حيث أتيت".

هذه واحدة من الشهادات التي تؤكد أن يوم الخميس 16/9/1982 كان يوما عاديا من حيث فداحة الجرح والألم وانتشار الموت في صبرا وشاتيلا حيث ارتكبت القوات الصهيونية وعملاؤها ابشع مجزرة في القرن العشرين.

ففي حوالي الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم الخميس 16/9/1982 الدامي بدأ المجرمون الصهاينة وعملاؤهم بدخول واقتحام المخيم لارتكاب مجزرة معدة مسبقا بحق ابنائه المصابين بأكثر من جرح وقهر، وكانوا وقتها يقيمون فيما تبقى لهم من منازل وملاجئ في المخيم ويحتفظون ببعض الماء والخبز والخوف، ولم يتوقعوا ابدا وقوع ما حدث وان ترتكب بحقهم مجزرة ابادة جماعية، ولكن المجزرة قد بدأت وقتها بلا ضجيج، وكما قال الشاعر محمود درويش في ديوانه (مديح الظل العالي):
"صبرا وشاتيلا شارعين في جسد
صبرا وشاتيلا ولا أحد.."

سوى القتلة وأدوات القتل التي استخدموها من بلطات وسكاكين وكواتم للصوت ورصاص حقدهم الذي لم تشهد الإنسانية له من مثيل. ومع حلول ظلام ذاك اليوم الدامي بدأت القوات الصهيونية التي تحاصر المخيم بإطلاق القنابل المضيئة فوق المخيم وتمارس أعمال القصف والقنص لتسهيل مهمة القتلة ولملاقاة من يحاولون الخروج من المخيم حيث قتلت البعض وأجبرت آخرين على الدخول مجددا الى المخيم لملاقاة المصير نفسه.

صبرا وشاتيلا.. وقائع لن تمحى من الذاكرة
الضريح المشترك لشهداء المجزرة

وفي صباح يوم الجمعة وصل القتلة الى حي الدوخي في مخيم شاتيلا ودخلوا البيوت وذبحوا بداخلها العشرات من المدنيين العزل وأصبح الشارع الرئيسي الممتد من النقطة المعروفة اليوم باسم محطة "الرحاب" الى مخيم شاتيلا ممتلئاً بالجثث من النساء والأطفال والشيوخ، وقام المجرمون بجمع عدد من الأهالي ونقلوهم بالشاحنات الى أماكن مجهولة وأصبحوا بعد ذلك في عداد الشهداء والمفقودين، وقام المجرمون ايضا في هذا اليوم باقتحام مستشفى عكا التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والقريب من مخيم شاتيلا، وكانت متمركزة فيه قوة عسكرية صهيونية دخلت مع القتلة الى المستشفى وقاموا بقتل المرضى والأطباء والممرضين، وانتقلوا بعد ذلك الى مستشفى غزة الواقع في منطقة صبرا حيث كانت توجد قوة صهيونية مؤللة تنادي عبر مكبرات الصوت (سلم تسلم) وتدعو الناس للاستسلام والتجمع في مبنى المدينة الرياضية، وبعضهم ذهب ولم يعد. ثم بدأ الرصاص الحاقد باتجاه النساء والأطفال والشيوخ والشبان في عملية ابادة جماعية شاملة وسط صمت دولي وعربي مريب، مع ان بصمة المجرمين الصهاينة واضحة في صبرا وشاتيلا كما في دير ياسين وكفر قاسم ومخيم جنين. وقد استمرت المجزرة بكل فظاعتها وبشاعتها حتى صباح يوم السبت حيث غادر القتلة المخيم بعد ان شعروا بأن رائحة الجريمة قد فاحت فوق ركام الموت والدمار تاركين صورتهم واعمالهم برسم الضمير العالمي الذي حاول الناجون من المجزرة الرهان على صحوته وتحركه لمحاسبة القتلة، ولكن الجريمة تمت بغطاء من الإدارة الأميركية التي تضع نفسها خارج اي محاسبة او قانون.

ولكن شعبنا وعلى الرغم من كل الظلم والقهر والمجازر وكل اشكال الإرهاب منذ النكبة وحتى الآن فانه ما زال يقاوم ويقاوم من اجل حقه في العودة والتحرير، مع إدراكه أن الكيان الصهيوني لا يزال مستمرا بارتكاب المجزرة تلو المجزرة، ويربط بقاءه على قيد الحياة بارتكاب المزيد من المجازر لعله يجد بوهمه العنصري الدموي الحاقد مخرجا ينقذه من مأزق الأزمة الوجودية الطابع التي تعصف به وتبشر بنهايته.

واليوم وبعد مرورأكثر من أربعين عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا يرتفع الصوت الذي يؤكد أننا لم ولن ننسى ضحايانا، ونعرف جيدا جلادينا الذين لا يعرفون مهنة سوى القتل، ولا بد من العمل على توثيق ما ارتكبه ويرتكبه الصهاينة من مجازر حتى لا تنسى الأجيال القادمة تاريخ شعبها المليء بالدم والدموع والتضحيات، والمتفوق دائما بإرادة الحياة وإرادة المقاومة المعززة بروح التضحية والإيمان والفداء وعزيمة قوية لمواجهة آلة القتل والإرهاب الصهيوني المدعوم أميركياً كما هو اليوم، وكما كان قبل وبعد وأثناء ارتكابه مجزرة صبرا وشاتيلا.

(*) من ذاكرة "العهد"

مجزرة صبرا وشاتيلاالكتائبأرييل شارون

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة