طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

المحتكر: خنجر مزروع في خاصرة الناس
24/08/2021

المحتكر: خنجر مزروع في خاصرة الناس

 ليلى عماشا

في كلّ مرّة يُكشف فيها وجه للإحتكار المجرم، لا يمكن لنا، نحن الضحايا المتضررين وإن تتفاوت بيننا نسبة الضرّر إلّا أن نقف مذهولين أمام هول ما نرى. نعجز في اللحظات الأولى عن استيعاب مدى التوحّش الذي يمكن لقلب أحدهم أن يبلغه، فيخفي في مستودع مقفل، لأي سبب من الأسباب سلعة حيوية مفقودة في السوق وقد تتوقف عليها حياة أحد منّا..

يتطلب البحث في الإحتكار مجلدات عديدة للإحاطة بتعريفاته وبتبعاته وبآثاره القانونية والإقتصادية والإجتماعية، وبأسبابه وبمقدماته وبمفاعيله وبالنتائج التي تترتب على استمراره وتلك التي يجب أن تلي كشفه، إلّا أنّ الحديث عن المحتكِر لا يحتاج إلى الكثير من الكلمات والعبارات ولا إلى الغوص العميق في النظريات النفسية والإجتماعية ولا إلى المراجعات ذات الطابع التخصصي، فالمحتكِر، هو ببساطة ذاك الفرد الذي يعاني سقط في امتحان الأخلاق الإنسانية في أشدّ لحظاته حرجًا، ومن لم تردعه أخلاقه سيرتكب حُكمًا أيّ فعل يحقق له مكسبًا ما، سواء كان هذا المكسب ماديّا أو معنويًا. وهو بلا أدنى شك سيجد مبرّرات وحجج يبيح من خلالها لنفسه بارتكاب ما يراه مناسبًا لتحقيق هذا المكسب من الكذب إلى السرقة إلى القتل المباشر إلى احتكار الدواء!

بداية، الإحتكار هو فعل يرافق الأزمات الإقتصادية، ينتج عنها ويفاقمها ويُضاف إلى مسبّباتها في آن واحد. هو جريمة تنمو وتتغذى من قهر الناس وتعبها وحتى موتها.. وهو أمر يقوم به شخص سوّلت له نفسه خطيئة الإستثمار وتحقيق أقصى الممكن من المكاسب المادية بزمن قياسي، بزمن تسوده أزمة لم تترك بيتًا إلّا وخلّفت فيه ضحيّة فعلية وجعلت فقراء البلد جمعًا من مشاريع ضحايا ينتظرون رحمة الله.

فيما نشطت منذ اللحظة الأولى لدخول لبنان العتمة المعيشية المتزايدة الحملات التكافلية التي حاول القائمون عليها بذل كلّ جهد ممكن للتخفيف من حدّة الحاجة إلى المواد الغذائية الأساسية، وفيما اجتهد متبرعون كثر لتأمين الأدوية والتكاليف العلاجية للمرضى الذين عجزوا عن التداوي، وفيما كان البحث عن البدائل الدوائية يجري على كل المستويات، كان المحتكرون يراكمون في مستودعاتهم المواد الغذائية وحليب الأطفال والأدوية وغيرها من السلع التي أدّى فقدانها إلى أوجاع لا يتسع كلام لوصفها.

من هو المحتكر إذًا؟ هو ذلك الشخص الذي تخلّى عن انسانيته وعن أخلاقه مقابل وهم تجميع الثروة.. هو ذلك الفرد الذي خرج عن الناس، خرج ضدّهم، بل تحوّل إلى خنجر مزروع في خاصرتهم، وإن ظهر بمظهر يشبههم.. هو ذلك الذي خان كلّ من حوله، حتى إذا استفاق ضميره يومًا سيجد نفسه عاجزًا عن النظر في كلّ العيون، فهو القاتل الذي لم يستطع أصلًا تحديد ملامح ضحاياه وحفظها لشدّة عشوائية ما ارتكب.
في أيام الاحتلال، حرصنا، نحن الناس الذين أصابهم من سهام اللحديين جراحًا متفاوتة، أن لا يُصار إلى تحميل عائلات وقرى وطوائف العملاء وزر ما ارتكب الخائن منها، فالعميل خان بيته أولًا وخان أهله وقريته وطائفته قبل أن يخون الوطن. وكذلك المحتكر، فرد بلغ في البشاعة أقصى ما يمكن للمرء أن يبلغه.. خان كلّ القيم، آذى كلّ الناس، لبس عارًا لا يمحى وارتضى لنفسه خزيًا لا يزول.. لا أهل له، ولا قرية، ولا دين..

 

الاحتكار

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف