يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

رجل أميركا الأول في لبنان يسحب
12/08/2021

رجل أميركا الأول في لبنان يسحب "اللقمة" من فم الفقراء

فاطمة سلامة

يعي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جيدًا تداعيات القرار "اللئيم" والمدمّر الذي اتخذه برفع الدعم عن المحروقات. الرجل الذي "تفرّج" على الانهيار لأكثر من عامين وحفرت تعاميمه عميقًا في الأزمة لا يرضى بنتيجة أقل من قطع آخر نَفَس عن اللبنانيين ليكتمل مشهد العدوان الاقتصادي الأميركي. منذ أشهر وسلامة يُمهّد لهذه الخطوة، تارةً بتأخير فتح الاعتمادات وتارةً أخرى بالحديث عن قلّة الدولارات. يتذرّع بأنّ الاحتياطي الإلزامي 14 مليار دولار و"لا يُمكنني التصرّف به قانونيًا"، وكأنّ سلامة يلتزم حرفيًا بما يرد في القوانين خصوصًا قانون النقد والتسليف. يتذرّع الحاكم بأمر المصرف بالقانون وهو المتورّط الأساسي بحرمان المودعين من أموالهم. هو المتورط الأساسي بتهريب الدولارات الى الخارج. هو المتورّط بمراكمة ثروة بملايين الدولارات عبر تبييض الأموال واختلاس الأموال العامة والتهرب الضريبي. هو المسؤول عن التحليق الخيالي لسعر صرف الدولار عندما زوّد جزءًا من الصرافين بكميات كبيرة من العملة اللبنانية للمتاجرة بها في لعبة سحب الدولارات من السوق. 

في الواقع، المسألة ليس مسألة قانون وأمر واقع وُضع فيه سلامة. إنها أبعد من ذلك بكثير وجُلنا يعلم الحقيقة. ثمّة مشروع أميركي يُنفّذه سلامة الذي بات الرجل الأول لأميركا في لبنان. يعلم سلامة علم اليقين أنّ "المحروقات" هي بمثابة كل شيء في حياة المواطن. إنها نبض الدورة الاقتصادية والمالية والحياتية. ثمّة تفاصيل كثيرة وكثيرة تتوقّف على وجود هذه المادة. أبسط مثال ربطة الخبز، ما يعني حُكمًا أنّ سلامة وعن سابق تصور وتصميم يسحب "اللقمة" من فم الفقراء. 

يشوعي: ماذا يعني أن يحل هيل على مائدة سلامة؟

الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي -الذي خبِر سياسات سلامة وكان أوّل المعارضين لها منذ عام 1993 حتى اليوم- لا يفصل ما يحصل في الاقتصاد عن السياسة. لا ينكر أنّ رياض سلامة ينفّذ أجندة أميركا ومشاريعها والعدوان الاقتصادي الذي تمارسه على لبنان. ماذا يعني أن يحل وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل على مائدة سلامة قبل أشهر؟ ماذا يعني أن تعطي واشنطن صك براءة لمن نهب الشعب اللبناني؟. وهنا يذكّر يشوعي كيف فشلت المشاريع الخارجية ومعها الصهيونية في احتلال لبنان وتقسيمه مذهبيًا ونشر الإرهاب والدواعش على حدوده، لتحاربنا اليوم بالسقوط المالي والعدوان الاقتصادي. 

رجل أميركا الأول في لبنان يسحب "اللقمة" من فم الفقراء


  وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يرى يشوعي أنّ رفع الدعم عن المحروقات كان يصلح عندما كان لدينا 35 مليار دولار كاحتياطي من العملات الأجنبية، وعندما كان الدولار لا يزال 6000 ليرة. حينها كان يجب تعبئة جيوب الناس بالدولار ومن ثم رفع الدعم، أما اليوم فيتم رفع الدعم والجيوب فارغة من الدولارات لتصبح صفيحة البنزين بأكثر من 360 ألف ليرة ما يعني حكمًا تكبير الكتلة النقدية بالليرة ومزيد من الارتفاع بسعر صرف الدولار. 

سلامة اختزل سياسة نقدية كاملة بإجراءين مدمرين للاقتصاد

يُسهب يشوعي في الحديث عن السياسة الغريبة العجيبة لحاكم البنك المركزي. سياسة سلامة لا تشبه سياسة أي حاكم بنك مركزي في العالم. مهمّة البنك المركزي مختلفة تمامًا عما يقوم به هذا الرجل منذ التسعينيات. اختزل سياسة نقدية كاملة بإجراءين مدمرين للاقتصاد والمجتمع ولمستقبل البلاد. الإجراء الأول تثبيت سعر صرف الدولار، والثاني استعمال الفوائد المرتفعة من أجل تحقيق هذا الهدف. وفق يشوعي، ما حصل يشكّل اختزالًا مميتًا لسياسة نقدية مختلفة جوهريًا بتفاصيلها وجوهرها وكل متفرقاتها عن مهام البنك المركزي. 

ما هي مهام البنك المركزي؟ يسأل يشوعي، ويجيب بالإشارة الى أنّ المهمة الأولى تكمن في أن يعرض المركزي سيولة كافية للقطاع الخاص أولًا وبكمية كافية وكلفة تناسب الاستثمار الخاص من أجل حثّ النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم والمحافظة على استقرار سعر صرف العملة الوطنية. برأيه، ثمّة فارق بين التثبيت والاستقرار. التثبيت سياسة مكلفة جدًا؛ فحتى الدول التي لديها إنتاج نفطي يومي هائل لا تستطيع أن تثبّت سعر صرف عملتها بسبب الكلفة العالية جدًا. ثبّت سلامة سعر صرف العملة واستعمل الفوائد وسيلة لذلك فعطّل الاستثمار في القطاع الخاص حيث من مهمّة البنك المركزي حث الاستثمار وتشجيعه. عطّل النمو الاقتصادي ومنع تكبير حجم الاقتصاد وهذا الأمر من مهمات البنك المركزي. قلّص فرص العمل وهجّر شباب لبنان، راكم الديون على الخزينة والقطاع الخاص؛ فالدين العام عندما تسلم سدّة الحاكمية كان مليارين ونصف المليون دولار فقط علمًا أن قانون النقد والتسليف يمنع البنك المركزي في لبنان من أن يقرض الخزينة بطريقة دائمة ومستمرة ومتواصلة ان كانت بسلفات خزينة أم لا. فقط يسمح له أن يعطي تسهيلات صندوق للخزينة وقرض استثنائي مع التعليل والتبرير. 

الهندسات المالية كلها كانت "بهلوانيات" 

ويشدّد يشوعي على أنّه ولغاية ما قبل الانهيار كانت لسلامة ممارسات نقدية لا ترقى الى مستوى السياسات. إنها تتناقض كليًا مع مهمات البنوك المركزية. هذا الرجل لم يطبّق سياسة نقدية، فالبنك المركزي مسؤول عن وضع تصور ورؤية نقدية وتطبيقها من أجل تحقيق أهداف المهمات الموكلة اليه، فضلًا عن أنّ الهندسات المالية كلها كانت "بهلوانيات" نتجت عنها أرباح للمصارف وصلت الى أكثر من 5 مليارات دولار. بالنسبة ليشوعي كل ممارسات سلامة خطأ بخطأ، فعندما يثبت سعر صرف عملة بهامش ضيّق 1515 فهو ملزم بأن يتدخل كثيرا في سوق القطع من أجل المحافظة على الهامش، بينما الاستقرار يفترض هامش تقلب واسعًا جدًا وضمن هذا الهامش للعملة الحق بأن تتقلّب عندها يكون هناك سوق حقيقية للصرف، أما ما حصل فقد ضرب سوق النقد والعرض والطلب، فعندما يحدّد الفوائد مركزيًا بهذه المستويات العالية يلغي سوق النقد، فلا سعر الصرف ولا الفوائد هي قرار مركزي خصوصًا أننا ضمن اقتصاد سوق وهنا ثمة مخالفة دستورية. 

كل ما سبق من قواعد لم يحترمها سلامة ولم يلتزم بها. يشير يشوعي الى أنّ سلامة كان يتّكل دومًا على مصادر خارجية لرفد لبنان بالعملة الصعبة، وهنا مشكلة المشكلات. كان يتّكل على الاقتراض الخارجي وتحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية. يؤكّد يشوعي  أنّ المصدر الوحيد والثابت والأكيد والدائم لرفد البلد بالعملة الصعبة هو الإنتاج والصادرات خصوصا أن الظروف المحيطة ساعدت لبنان على زيادة الودائع كالأزمة العالمية المالية بين عامي 2008-2010، الأزمة الاقليمية والحروب الاقليمية في العراق وسوريا والتي ازدادت معها الودائع  لتصل الى 120 مليار دولار.

وللأسف، لم نستثمر هذه الأموال في زيادة الانتاج والاستثمار والناتج المحلي والصادرات. وفق تقدير يشوعي، نستطيع أن نرفع الناتج المحلي لأكثر من 250 مليار دولار في السنة. تمامًا كما بإمكاننا زيادة صادراتنا لتصبح 30 مليار دولار سنويًا. حينها، لا نختنق ولا ينهار سعر صرف العملة -يقول يشوعي- لأن لدينا قطاعات منتجة قادرة وكافية للمحافظة على استقرار العملة. لكن للأسف كل هذا الكلام النابع عن التجربة والخبرة لم يقترب منه سلامة، يختم يشوعي حديثه.
 

رياض سلامةالمحروقاترفع الدعم

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة