طوفان الأقصى

خاص العهد

حكومة
30/06/2021

حكومة "تصريف الأعمال" تستطيع.. وزير الصحة نموذجًا

فاطمة سلامة

في كل مرّة يُطالَب فيها المعنيون في حكومة تصريف الأعمال القيام بواجباتهم تأتي الذريعة بالتذكير بالمادة 64 من الدستور اللبناني والتي تنص على أن لا تمارس الحكومة صلاحياتها عند استقالتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال. يتمسّك البعض بهذه المادة كما لو أنّها تصلح لكل زمان ومكان وظرف بينما المنطق يفرض مقاربة القضايا من زاوية الواقع وحيثياته على قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات". يقول دستوريون إنّ "المعنى الضيّق للأعمال" الذي حدّدته المادة "64" من الدستور يصلُح في ظل ظروف طبيعية عادية، لا في ظل ظروف "استثنائية" كما هو الحال اليوم. وفق قناعاتهم، فإنّ الاجتهاد الإداري "سلب" حكومة تصريف الأعمال حق القيام بالأعمال الإدارية التصرفية، لكنّه لم يسلبها حق القيام بتدابير "الضرورة" التي تفرضها الظروف "الاستثنائية". 

وعليه، يأتي السؤال: هل لبنان يعيش ظروفًا استثنائية؟ الجواب لا يحتاج الى معرفة خصائص الاستثناء للسير عليها في تصنيف الواقع. بالطبع، يعيش لبنان ظروفًا قد تفوق صفة الاستثنائية. ثمّة اقتصاد في حالة يُرثى لها. انهيار قيمة العملة الوطنية يتسارع. أموال الناس مُحتجزة في المصارف. ثمّة "كارتيلات" تتحكّم بالمحروقات والدواء والمواد الغذائية بعد أن باتت القدرة الشرائية شبه معدومة، وغير ذلك الكثير من الأزمات التي انتشرت في "هيكلية" المجتمع كالنار في الهشيم. فهل يجوز أن تقف حكومة تصريف الأعمال مكتوفة الأيدي أمام كل ما تتخبّط فيه الساحة؟ ألا يتطلّب الواقع من كل وزير العمل بالحدود القصوى؟ هل يجوز انتظار تشكيل الحكومة وترك البلد على ما هو عليه فيما الأزمة تتأجج يومًا بعد يوم؟

بزي: كل المبررات تسقط بالدليل القاطع أمام أداء وزير الصحة 

لدى سؤاله عما تستطيع فعله حكومة تصريف الأعمال، يُجيب المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزي بالقول: "لو أنّ حكومة تصريف الأعمال قامت بما يتوجّب عليها لما كانت أوضاعنا بهذا السوء". هل تستطيع الحكومة بحالة تصريف الأعمال أن تفعل شيئًا؟ طبعًا تستطيع -يجيب بزي- الذي يستشهد بنموذج وزير الصحة الدكتور حمد حسن. وفق بزي، فإنّ وزير الصحة بحيويته وحضوره ومواكبته لتحدي "كورونا" تمكّن من خلق انتظام خاص داخل مفاهيم الأداء الحكومي لحكومة حسان دياب. حيوية وزارة الصحة دليل قاطع على أنّ تصريف الأعمال يمكن أن يكون فعالًا ومنتجًا ومتفاعلًا مع أولويات الناس في هذه اللحظة الصعبة. برأي بزي، فإنّ كل المبررات التي تحاول أن تتلطى خلف حدود تصريف الأعمال تسقط بالدليل القاطع أمام أداء وزير الصحة. 

حكومة "تصريف الأعمال" تستطيع.. وزير الصحة نموذجًا

مقابل نموذج وزارة الصحة يُقدّم بزي نموذجًا معاكسًا. يتحدّث عن وزارة الاقتصاد لافتًا الى أنّ ثمة وزراء في حكومة حسان دياب ارتكبوا جرائم كبرى منها السلة الغذائية المدعومة التي أمّنت قاعدة نهب لمئات ملايين الدولارات. وفق حساباته، اذا أردنا أن نجري احصاء بسيطًا  لمحتكري الدواء والمواد الغذائية يتبين لنا أن 90 بالمئة من أموال السلة المدعومة كانت تُصرف على جيوب المحتكرين. من وجهة نظره، لا حضور لوزير الاقتصاد راوول نعمة وسط تعطل كل ما يسمى بالهيئات الرقابية. وفق بزي، حتى وزير الطاقة أحدث عرقلة بقضية الاتفاق النفطي مع العراق -حسب قوله-. أما وزير البيئة فقد كان غائبًا عن السمع في قضايا عدّة منها الإسمنت وكارثة التلوث النفطي التي حدثت قبل أشهر وأدّت الى وجود مادة القطران بكثافة عالية قبالة الناقورة والبياضة ومحمية صور. 

الحكومة تتعاطى مع واقع الحال وكأنها غير موجودة

ويرى بزي أنه ومنذ لحظة استقالة حكومة حسان دياب في 10 آب 2020 الى الآن، فإنّ الحكومة تتعاطى مع واقع الحال وكأنها غير موجودة. وفق قناعاته، يجب أن تقوم الحكومة بدورها بالحد الأدنى من الأخلاقية الوطنية. لا يجب أن يتمسك المعنيون بالدستور بشكل عدمي وغير مبرّر. عملية التآكل والترهل بدأت بحضور حكومة تصريف الأعمال التي لو قامت بالحد الأدنى من دورها في إطار إدارة الانهيار لكانت خفّفت الكثير من الآلام والوجع عن الناس. في نهاية المطاف، ثمة صلاحيات متاحة علمًا أنّ التجارب في الماضي تتحدّث عن مصلحة الدولة العليا التي أحيانا تُبيح في إطار الهوامش تجاوز نصوص تصريف الأعمال بإطار "الضرورات تبيح المحظورات" تبعًا لقراءات دستورية عديدة في هذا السياق. 

يوضح بزي أنّ كل ما سبق أدى الى أنّ يجلس الوزراء على مملكتهم وسط غياب لغة الرئيس والمرؤوس وغياب التوجيه العام، وبالتالي أصبح منطق تصريف الأعمال عبئا اضافيا على الواقع بدل أن يكون إحدى وسائل تنفيس الواقع في هذه الفترة الخانقة من تاريخ البلد. يسأل بزي: "من قال إنّ تصريف الأعمال يقتضي عدم الدفاع عن خطّة الإصلاح المالي الشاملة التي أعدتها الحكومة وعدم تطويرها واستمرار أعمالها على الطاولة؟ من قال إن تصريف الأعمال يمنع تحضير الملفات كاملة بانتظار نضوج لحظة التفاوض مع صندوق النقد الدولي؟ من قال إن الحكومة لا تستطيع قوننة قرار جلب البنزين والمشتقات النفطية من إيران والاستفادة منه بشكل أو بآخر؟

الحكومة تستطيع شرط أن تكون النيّة موجودة، لكنّ النيّة غير موجودة، يختم بزي.

إقرأ المزيد في: خاص العهد