طوفان الأقصى

خاص العهد

22/06/2021

"النقل العام" حاجة ملحّة.. وكلفة زحمة السير لا تقل عن ملياري دولار سنويًا

فاطمة سلامة

لم يكن لبنان ليصل الى المستويات المتدنية التي وصل اليها لولا العشوائية التي تسود مرافقه الحيوية. لا يوجد في لبنان أزمة حكم ونظام أو أزمة سياسية فقط. في لبنان ثمّة أزمة إدارة وتخطيط مع ما تحمله هذه الجزئية من تبعات ثقيلة على بنية وهيكلية لبنان. العشوائية تكاد تكون منهاجًا يُتبع في مختلف القطاعات. لهذه العشوائية ثمن باهظ تكبدته الخزينة على مدى عقود مضت. قطاع النقل كان على رأس القطاعات التي شهدت عشوائية لا حدود لها. عشوائية يدفع ثمنها المواطن اللبناني يوميًا على الطرقات جراء عدّة أسباب بدءاً من زحمة السير وليس انتهاء بأزمة البحث عن المحروقات وسط الاحتكارات السائدة.  

ثمن الاحتكار وصل حد وقوع ضحايا تماماً كما حصل مع عائلة السيد عماد حويلي. وعليه، فإنّ غياب خطة للنقل العام في لبنان على غرار العديد من الدول كبّد لبنان خلال السنوات السبع الماضية خسارة تفوق العشرة مليارات دولار. هذا من الناحية المادية فقط، فما بالنا بالتداعيات الأخرى من "حرق أعصاب" وجهد وتعب و"تضييع" وقت وما الى هنالك، لتصبح الحاجة ملحّة الى إقرار وتطبيق خطة للنقل العام تُخفّف عن لبنان التداعيات "الكارثية" التي يعيشها.

الأسمر: خطة للنقل العام أخذت طريقها الى مجلس الوزراء لكنها لم تقر

وفي الواقع، قُدّمت خطط ومجموعة اقتراحات وتصورات للنقل العام في لبنان على مدى السنوات الماضية، وسط غياب نوايا حقيقية لتظهيرها. رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّه لطالما كان هناك نقاش حول خطة النقل العام. اتحادات النقل البري أنجزت خطة تبنّاها الوزير السابق غازي العريضي عندما كان في وزارة الأشغال العامة والنقل. أخذت تلك الخطة طريقها الى مجلس الوزراء لكنها لم تقر. وُعدنا في حكومة الرئيس حسان دياب قبل الاستقالة وضعها على طاولة المجلس لكن للأسف استقالت الحكومة قبل أن تُبصر الخطة النور.

وفق الأسمر، تقوم خطة النقل العام على تأمين نقل مشترك بين كافة المناطق اللبنانية عبر عدد من "الباصات". وبالتوازي ثمّة اقتراحات مودعة في المجلس الأعلى للخصخصة تقوم على ربط الساحل بشبكة "مترو" في مناطق محددة، وقد عرضت حينها شركة صينية تولي تنفيذ المشروع على طريقة الـ(BOT) حيث تشمل الخطة مسألة سكك الحديد وإعادة إحياء القطار خاصة في المواقع الساحلية، ولكن للأسف -يقول الأسمر- لا الخطة أقرت ولا الاقتراحات وضعت موضع الاهتمام من قبل المعنيين. 

"النقل العام" حاجة ملحّة.. وكلفة زحمة السير لا تقل عن ملياري دولار سنويًا

نسبة النقل الخاص في لبنان تفوق الـ80 بالمئة

ويوضح الأسمر أنّ نسبة النقل الخاص في لبنان تفوق الـ80 بالمئة، لافتًا الى أنّ ثمّة نقلا عاما في الدول العربية المجاورة. وهنا يدعو الأسمر الى ضرورة إعادة إحياء سكة الحديد فأواخر أيام الانتداب كان هناك سكة حديد تربط بيروت بالبقاع وهذا الأمر ضروري جدًا نظرًا لطبيعة لبنان الساحلية. 

وفي هذا السياق، يدعو الأسمر في ظل غياب النقل العام الى تعزيز النقل الخاص. برأيه، فإنّ المطلوب في ظل عدم القدرة على الاجتماع لإقرار خطة النقل العام أن يكون لدينا خطة مرحلية وآنية تنفذ بسرعة قائمة على استيراد جملة "باصات" تأتي إما كهبة بشكل إعانات من الخارج أو عبر قروض لتأمين أقله الخطوط الساحلية والرئيسية. كما يشدّد الأسمر على ضرورة العمل لتزويد هذه الباصات بالمحروقات بسعر مدعوم كي نتمكن من دعم سعر النقل الذي قد تتخطى تكلفته العشرة آلاف ليرة في حال رفع الدعم عن المحروقات، أضف الى ذلك ضرورة تأمين قطع الغيار للسيارات لأن من تتعطّل سيارته ليس لديه القدرة على صيانتها. 

وفي الختام، يشدد الأسمر على ضرورة تشكيل الحكومة لأنّنا نواجه المشكلات بتخبط "مميت"، فتداعيات رفع الدعم طالت ربطة الخبز، والدواء لن يتوفر سوى برفع الدعم، وللأسف بدأ تنفيذ رفع الدعم دون وجود خطة بديلة وعليه نحن أمام كارثة محتمة، فنحن في قلب الانهيار ولا من يسأل. 

عجاقة: كلفة زحمة السير على لبنان سنويًا لا تقل عن ملياري دولار

الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يقرأ أهمية النقل العام من الناحية الاقتصادية. إحدى الدراسات التي أجراها بيّنت أن كلفة زحمة السير على لبنان سنويًا لا تقل عن ملياري دولار. يلفت الى أنّ الضغط الكبير في السير بدأ فعليًا عام 2013، واذا ما احتسبنا معدل الخسارة منذ ثماني سنوات حتى اليوم فإنها تتعدى العشرة مليارات دولار. وفق عجاقة، المشكلة الآن هي أن الخسارة لم تعُد تقاس بالليرات فقط بل بالأمور الحيوية. يتحدّث عجاقة عن الخسارات التي لحقت بالاإقتصاد اللبناني والأثمان التي دفعها المواطن جراء غياب خطة النقل العام، فيوضح أنّ أول ما خسره الاقتصاد هو الثمن الذي يدفعه لقاء استيراد كميات كبيرة من السيارات سنويًا. كنا نستورد كل عام بحدود المليار الى المليار ونصف مليار دولار ما بين قطع سيارات وسيارات، يُضاف الى ذلك ما يقارب المليار الى مليار ونصف مليار دولار تكلفة البنزين على مدى سنوات.

"النقل العام" حاجة ملحّة.. وكلفة زحمة السير لا تقل عن ملياري دولار سنويًا

يضيف عجاقة: "لو توفر النقل العام لما كنا سنرى هذه الكمية الهائلة من السيارات الخاصة، وعليه كم كنا سنوفر على أنفسنا تلوثاً ومشاكل؟! كم كنا وفّرنا على أنفسنا وقتًا استفدنا منه لتحسين مستوى المعيشة بدل أن نجلس في زحمة السير لينفد الوقت على الطرقات بلا فائدة؟. كم كنا سنوفّر جهدًا؟".

يشدد عجاقة على أهمية وجود نقل عام خاصة وسط ما يحكى عن رفع الدعم عن المحروقات ليصل سعر صفيحة البنزين الى 200 ألف ليرة. وفق قناعاته، لو توفّر النقل العام لما تأثرنا لو بلغ سعر الصفيحة مليون ليرة. وهنا يُشدّد عجاقة على أنّه اذا ارتفع سعر البنزين فلن يتمكّن أناس كثيرون من الذهاب الى عملهم، فمن يتقاضى الحد الأدنى للأجور لا يكفيه راتبه لتعبئة 4 صفائح بنزين شهريًا خصوصًا أنّ كلفة النقل في سيارات الأجرة العمومية ستصل لمستويات قياسية لنكون أمام كارثة ما بعدها كارثة. 

لا نيّة لإقرار خطة للنقل العام
 
يرى عجاقة أنّ التجربة تُبيّن أنّ ثمّة إرادة واضحة بعدم رغبة المسؤولين بإقرار خطة للنقل العام في لبنان لا الآن ولا في المستقبل، تمامًا كما عُطّل إقرارها منذ زمن. برأيه، لهذا الأمر أسباب متعدّدة بدءًا من الحسابات الشخصية اذ ثمّة "عرابين" في المناطق يتحكمون بالنقل، تمامًا كما ثمّة حسابات سياسية انتخابية. ولا ينسى عجاقة أنّ ثمّة من يرفض إقرار خطة النقل لحساب مستوردي السيارات أكبر قطب احتكاري موجود. وعليه، يرى عجاقة أن لا نيّة لإقرار خطة للنقل العام.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل