طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

فلسطين.. حذار من حملة التهجير الثانية
11/06/2021

فلسطين.. حذار من حملة التهجير الثانية

 عبير بسام

أنجز الفلسطينيون بأدائهم الوطني والقتالي الرائع في معركة "سيف القدس" معادلات جديدة في تحقيق الردع أمام الآلة العسكرية الصهيونية، فباتت صواريخ المقاومة مقابل القصف الجوي الصهيوني، وأمن المدنيين الفلسطينيين مقابل أمن المستوطنين الصهاينة.

المرحلة التي تلت عملية سيف القدس شهدت وقفاً لتوسيع اتفاقيات التطبيع مع العدو الصهيوني، وتأجيل العمل بها لدى دول، وهو دليل على أنّ هذه دول لا تستطيع اليوم، بعد انتعاش الآمال عند شعوبها بعد عملية سيف القدس ووقوف الشعب العربي فيها وتظاهراته التي خرجت دعماً لفلسطين والقدس بالذات، أن تدخل في مواجهات مع شعوبها. لقد عاش الشعب العربي ما قبل "سيف القدس" حالة من الإحباط كان يمكن للصهيوني والممالك في الخليج العربي مثل الإمارات والسعودية وحتى قطر والبحرين البناء عليها، ولكن اليوم وحتى إشعار آخر فالوضع مختلف.

ولكن ما سبق لا يعني أنّ الإدارتين الأميركية والصهيونية قد تخلتا عما منحه ترامب للصهاينة من سعة في هامش الحركة، داخل بعض الدول العربية، لأن هذا معناه أن الإدارة الأميركية سيصعب عليها في هذه الحالة التحكم بتحريك خيوط الدمى على مسرح الأحداث بالطريقة والحجم الذي يمكن أن تسمح به، وهو ما أثار استياء إدارة الديمقراطيين حتى في الكونغرس الأميركي. ليس لأنهم يؤمنون بعدالة "حل الدولتين"، الذي تسعى إدارة جو بايدن الرئيس الحالي لتحقيقه، ولكن لأن الإدارة الأميركية الحالية تعتبر أن "اسرائيل" قد وجدت لتبقى وهذا جاء صراحة في كلام بايدن خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره في كوريا الجنوبية والذي قال فيه "لا سلام حتى تعترف المنطقة بحق "اسرائيل" في الوجود". ومن المنبر ذاته في 22 أيار/ مايو أي بعد يوم من وقف اطلاق النار أضاف أنه يصلي " من أجل صمود وقف النار بين "اسرائيل" وحركة حماس"، و"أنه لا تغيير بالتزامه بأمن "اسرائيل"، ونقطة من أول السطر".

معنى الكلام السابق: أولاً، التزام أمريكا بأمن "اسرائيل"، يعني التزاماً بوجودها واستمراريتها، والعمل على تأمين وجودها في داخل المحيط الذي أنشئت فيه. وثانياً "تحريف الكلم عن موضعه"، بمعنى إظهار أن الخلاف الذي جرى هو خلاف بين "اسرائيل" وحماس كحزب أو تنظيم وليس بين كل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وأراضي الـ48 وكيان الاحتلال. وسيبنى الأميركي حلوله على هذا الأساس. لأن الوجود الإسرائيلي وبناء الدولة اليهودية وإقامة هيكل سليمان في مقام المسجد الأقصى هي أولوية استراتيجية وعقائدية بالنسبة للأميركي البروتستانتي، وبالذات للصهيونية المسيحية في أميركا والعالم الغربي. والدليل الإضافي على ذلك هو تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الاثنين الماضي في 7 حزيران/ يونيو، والذي قال فيه إن الوضع القائم بسيطرة "إسرائيل" على هضبة الجولان يجب أن يبقى كما هو طالما أن سوريا تشكل تهديداً لـ"إسرائيل".

وقف مسيرة الأعلام التي يقوم بها الصهاينة في كل عام عبر الأحياء العربية وصولاً إلى المسجد الأقصى تم إيقافها خوفاً من مواجهات بين الفلسطينيين والصهاينة، والتي ستؤدي حتماً إلى عودة توسع الثورة لتصل إلى ناطق أعمق في داخل الضفة وباقي فلسطين. وهذا ما لا تستطيع الحكومة الصهيونية تحمل تبعاته. فهي غير قادرة على إعادة جولة القصف والقصف المضاد على غزة والمستوطنات، لا سيما بعد جولة المواجهات التي حصلت في اللّد، والتي أخرجت الصهاينة منها لخمسة أيام، وهم حتى اليوم لا يستطيعون العودة إليها بشكل نهائي. لا يتحمل كيان الاحتلال كل ذلك، ولذا فقد وجبت التهدئة. وهذا أمر قد يرى أنه جيد في حد ذاته، ولكن في الحقيقة ما يحدث من مواجهات بين جيش الاحتلال والمواطنين الفلسطينيين وارتفاع أعداد المعتقلين في القدس الشرقية والضفة ينبئ بتبييت النية "الإسرائيلية" لأمر جلل.

ليس من السهل على العدو الصهيوني أن يؤجل قرار العمل بمحكمته العليا في البدء بإخلاء حي الشيخ جراح وغيره من الأحياء التي تصل إلى المسجد الأقصى في القدس الشرقية  لسببين، الأول له علاقة بغرور العدو وعنجهيته، والثاني أنه قرار بموجب محكمة "مدنية". وبالنسبة للصهيوني، الذي يقدم نفسه على أنه راعي الديمقراطية واستقلالية القضاء الوحيد في المنطقة، يعتبر قرار التأجيل ضرباً له في أصل كينونته. ولذا فحملة الاعتقلات التي ابتدأت في القدس بعد وقف إطلاق النار تتعلق بهاتين النقطتين.

والأصل في الاعتقالات هو بدء عملية تفريغ القدس من عربها الفلسطينيين، قبل إعلان يهودية المدينة، وتحضيراً للبدء بعملية بناء الهيكل المزعوم، مع العلم أن العشرات من الدراسات التاريخية الأوروبية والصهيونية أكدت أن لا صحة لوجود الهيكل في مدينة القدس عبر التاريخ. ولكن بناء الهيكل في هذه المرحلة بات ضرورة حتمية لـ"إسرائيل" بسبب انعدام عامل الأمان لدى الصهاينة بعد الانتفاضة الأخيرة في الأقصى وقصف المستوطنات، مما أدى إلى حزم الصهاينة لأمتعتهم من أجل الرحيل. وهذا ما لا يمكن أن تسمح به الصهيونية أو الأوروبيون والأميركيون بالتأكيد. بناء الهيكل يعد عامل ارتباط ديني هام بالنسبة للصهيوني، وبقطع النظر إذا ما كان متديناً أم لا. كما أن بناء الهيكل في موقع حائط البراق عامل فصل بين المسجد الأقصى وبين الهيكل اليهودي قد يشكل تسوية على المستوى النفسي والعقائدي للصهاينة. فالمستوطنون الذين جاؤوا من جميع الأصقاع حملوا في جعبهم الحلم الذي رسمه التلمود.

هذه المعطيات التي ابتدأت بالتكشف، وبدء العدو الصهيوني بحملة واسعة من الاعتقالات والمداهمات ليس في القدس وحدها بل في الضفة الغربية أيضاً، إضافة إلى المحاولات الإسرائيلية في التحايل لفرض ضغوط وشروط على تمرير مواد البناء من أجل إعمار غزة، كلها أمور في غاية الخطورة وتصب في خانة التهجير الجديد للفلسطينيين.

القدس المحتلةالضفة الغربية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة