طوفان الأقصى

خاص العهد

لبنان غارق بالعتمة..والعرض الإيراني
08/06/2021

لبنان غارق بالعتمة..والعرض الإيراني "على الرف"

فاطمة سلامة

قبل نحو عام أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تزويد لبنان بالنفط مقابل الليرة اللبنانية. عقبها، أكّدت الجمهورية الإسلامية على لسان سفيرها في لبنان استعدادها لاعتماد الليرة اللبنانية في عمليات التبادل التجاري لا سيّما المشتقات النفطية. عرضٌ يصح وصفه بـ"المغري" لا بل "المغري" جدًا. فماذا يريد لبنان أفضل من ذلك؟!. نفط خارجي بعملة وطنية ما يعني حُكمًا توفير الكهرباء والمحروقات بمقابل زهيد، وكلنا يعلم أنّ علّة العلل في لبنان تكمن في ارتهانه للخارج وعجزه عن تأمين العملة الصعبة. 

إلا أنّ أكثر ما يُثير الغرابة يكمن في أنّ ثمّة من يُفضّل العتمة الشاملة على أن يأتي الحل على يد إيران. ثمّة من يرى في العرض الإيراني كل البلاءات، لا لشيء، بل لأحقاد ومناكفات سياسية لا تُسمن ولا تُغني من جوع. أحقاد "عمياء" لا حرج معها أن يغرق اللبنانيون في الظلام وينتظروا لساعات وساعات في الطوابير أمام محطات الوقود. والمفارقة تكمن في لو أنّ العرض الإيراني جاء غربًا. عندها، كنا سنرى رافضيه يهللون ويكبرون لعروض أصدقائهم. لكنا رأيناهم يحتلون الشاشات للحديث عن أهمية هذا العرض وانعكاساته على الساحة اللبنانية. فما أهمية العرض الإيراني من الناحية الإقتصادية؟ وما مميزاته؟. 

مقلّد: يتوجّب على لبنان تأمين نحو 4 مليارات و700 مليون دولار سنويًا من العملات الصعبة

الخبير الاقتصادي الدكتور حسن مقلّد يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ مشكلة لبنان الأساسية بالإضافة الى هيكليته الاقتصادية تكمن في العجز بميزان المدفوعات بالعملة الصعبة. النفط يشكّل عاملًا أساسيًا من الاستنزاف الحاصل اذ يتوجّب على لبنان تأمين نحو 4 مليارات و700 مليون دولار سنويًا من العملات الصعبة ودفعها للخارج. من هذا المبلغ، ثمّة مليارا دولار لهما علاقة مباشرة بقضية الكهرباء المتعلقة بمؤسسة كهرباء لبنان، وأكثر من ملياري دولار يتعلّقان بسوق النفط العامة في لبنان والتي تتوزّع بين حاجة المولدات والمصانع واللبنانيين. وعليه، يتوجّب على لبنان تأمين ما يزيد عن 4 مليارات دولار سنويًا في الوقت الذي لا يمتلك فيه لبنان مطبعة تطبع العملات الصعبة ولا إنتاجًا يسمح له بهذا الموضوع. 

لبنان غارق بالعتمة..والعرض الإيراني "على الرف"

العرض الإيراني "هدية" وربح كامل 

يُعدّد مقلّد مميّزات العرض الإيراني فيرى أنّه بمجرد أن نتحدّث عن عرض بالعملة اللبنانية، فبتالي لا تعود هناك حاجة سوى لتقديم إما انتاج محلي كالزراعة وغيرها، أو خدمات واستشارات أو أي شيء آخر وهذا حكمًا يخفض العجز بميزان المدفوعات. أما الأهمية الثانية للعرض فتكمن -بحسب مقلّد- في أنّه يجسّد شكلًا من أشكال الاستثمار الإيراني في الداخل اللبناني انطلاقًا من أنّنا سنقدّم كمية من الخدمات والتوظيفات بالليرة اللبنانية، وبهذه الطريقة نوفّر من جهة العملات الصعبة ونردم الهوة الحاصلة في ميزان المدفوعات، ومن جهة أخرى نحوّل الاقتصاد من ريعي الى منتج، فإيران بهذا العرض تستثمر بأموالها في الداخل اللبناني. 

يصف مقلّد العرض بالمفهوم الاقتصادي بالـ"هدية". إنّه عرض مربح بالكامل اقتصاديًا، اذ نتمكن من تحويل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد إنتاجي حقيقي لأموال لا نقدمها نحن. وهنا يشير مقلّد الى أنه حتى لو كان على إيران عقوبات فهذه ليست حجّة لأنّ العراق على سبيل المثال حصل على سماح من العقوبات وعليه يأخذ الغاز ويدفع ثمنه بالعملات الصعبة لإيران. وبالتالي، فإنّ موضوع الاستثناءات قائم اذا وجدت النية أو الإرادة. ففي ظل العجز بميزان المدفوعات والكارثة المالية التي نعاني منها يأتي العرض وكأن أحدا يعطينا مليارين أو أربعة ملايين دولار حسب العرض وأفقه. وهنا يلفت مقلّد الى أنه لو سارت الدولة اللبنانية بهذا العرض لما كنا شعرنا بالأزمة ولكانت تغيّرت وضعية اقتصادنا ولكان عاد لبنان الى التداخل مع محيطه القريب والبعيد كما كان سابقًا. 

يرفضون العرض الإيراني لأسباب سياسية وتجارية معًا 

يؤكّد مقلّد أنه بلا شك ثمّة أسباب سياسية بالدرجة الأولى لها علاقة بالأميركيين والخيارات التي تتخذها الطبقة السياسية تحول دون السير بالعرض الإيراني، لكن لا يمكن أن ننكر أبدًا أن هناك تداخلاً بين المصالح السياسية والمصالح التجارية -يقول مقلّد- لأنّ معظم هذه الطبقة السياسية وأركانها الأساسيين يسيطرون على هذا السوق الذي يدر عليهم أرباحًا بمئات ملايين الدولارات منذ سنوات طويلة يضخونها بجيوبهم وبالتوظيف السياسي والمالي. وعليه، لا أحد يتنازل بسهولة عن هذا الكم الكبير من الأرباح والمصالح. لذلك، نراهم -يضيف مقلّد- "يستميتون" لآخر لحظة في الدفاع عن هذا الأمر، وهناك تداخل بالسياسة والملف الإقليمي والدولي والمحلي والمصالح التجارية القائمة والتي تكمل بهذه الطريقة.

ويشدّد مقلّد على أنّ هناك الكثير من العروضات قدمت للبنان أهمها الإيراني سواء بالكهرباء بمعنى النفط أو إنشاء محطات للنفط، أو العروض العراقية، الصينية، إضافةً الى عروض روسية تطرح حاليًا بقوة في هذا المجال، الا أنّ المشكة الأولى والأخيرة لها علاقة ببنيتنا السياسية والطبقة السياسيية التي تسمح بالعروض أو ترفضها. المشكلة الأكبر التي نراها اليوم أنه بعد كل هذا الانهيار الذي يتفاقم منذ عامين هناك عجز عن تشكيل حكومة وكأن البعض في عالم آخر، ولا يزال يراهن على قضايا أكل الدهر وشرب عليها.

لبنان بلد مرهون عند الغرب والمشروع الأميركي

في الختام، يأسف مقلّد فنحن في بلد لديه الكثير من الإمكانات الداخلية والطاقات والعلاقات الحقيقية والصداقات الطبيعية التي تسمح له بتجاوز كل هذه الأزمات، ولكن نحن بلد مرهون بكل معنى الكلمة عند الغرب والمشروع الأميركي، فيما ندفع ثمن النزيف الحاصل خسائر يومية تصعّب خروجنا من الأزمة وتطيل أمدها.

إقرأ المزيد في: خاص العهد