يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

مسلسل 2020..تنميط سلبي وإساءة الى الحجاب والقيم
05/05/2021

مسلسل 2020..تنميط سلبي وإساءة الى الحجاب والقيم

فاطمة سلامة

حين نتحدّث عن دور وسائل الإعلام تبرز مهمّة تشكيل اتجاهات الجمهور على رأس الأجندة الإعلامية وجوهر أي عمل إعلامي. تذهب هذه الوسائل بعيداً في تكوين التصورات والمعارف والآراء حيال القضايا في المجتمع. وهنا يحدث التأثير في بناء مداميك الصورة الذهنية ما قد يُمهّد لسلوكيات تحاكي ما اختزنه المتلقي لهذه الوسائل. وفيما تتعدّد المواد الإعلامية وتتنوّع تأتي الدارما التلفزيونية على رأس تلك المواد التي يعتمد عليها التلفزيون للتأثير في الجمهور. تستمد قدرتها في ذلك من نسبة المشاهدة الكبيرة التي تحظى بها ومن محاكاتها وتجسيدها للواقع وقربها من الحياة اليومية للمتلقي ما يمكّنها من إحداث تأثير واسع في وجدان الجمهور. 

ومن هنا، لا يمكن إغفال المشهدية التي تقدّم بها الشخصيات في الدراما والطريقة التي تعالج بها القضايا. لا يمكن إغفال  أهمية وخطورة الرسائل التي تُبث في إطار ما يُشبه "الحرب الناعمة" والتي لا يمكن فصلها عن سياق مشاريع سياسية كبرى تتخطى المفهوم الضيّق للدراما الى ما هو أوسع وأشمل. وبهذا المعنى، باتت الدراما سلاحاً قادراً على الفتك عبر تشويه الحقائق وكي الوعي واستخدام استراتيجية "الإلهاء بالتفاهة" و"التلاعب بالعقول" المهمّة التي يصفها عالم الاجتماع الأميركي هربرت شيللر بتكوين رأي عام زائف واصفاً إياها بأداة القهر الأهم. 

وقد تمكّنت الدراما وعلى مدى عقود خلت من التلاعب بعقول المشاهدين. تمكّنت بفعل المؤثرات التي تمتلكها من غرس كم هائل من الثقافات والعادات والتقاليد. تماماً كما تمكّنت من تشكيل صور ذهنية تجافي الحقيقة والواقع. المرأة "المحجّبة" واحدة من النماذج التي لطالما صوّرتها الدراما التلفزيونية على غير حقيقتها. والمؤسف أنّ حضور المرأة "المحجّبة" في الدراما لطالما كان مغيّباً ومهمّشاً، وعندما حضرت جاءت في صورة المرأة "الخادمة" والتي تقدّم "القهوة والشاي"، الغبية، المتخلّفة، الرجعية. جاءت بصورة المرأة التي تثير الشفقة وتستحق الصدقة. أما المرأة غير المحجبة أو "المتبرّجة" فتحضر بصورة النقيض تماماً. إنها المرأة التي تنتمي لأسرة غنية تتولّى منصباً مهما ومؤثراً، متعلّمة، ذكية، وواعية. 

هكذا بدت المرأة "المحجّبة" كرمز للبيئة "المتدينة" في مسلسل 2020 

هذا المسار لتناول المرأة "المحجبة" حضر وبقوّة في بعض المسلسلات اللبنانية على طريقة المسلسلات التركية وغيرها. مسلسل "2020" خير دليل على ذلك. ظهرت المرأة اللبنانية "المحجّبة" بأدوار لا تجسّد حقيقة الواقع رغم أنّ ما يقارب النصف من النساء اللبنانيات يرتدين الحجاب. ويمكن في هذا الإطار تسجيل جملة ملاحظات لجهة حضور المرأة "المحجّبة" في هذا المسلسل سواء من حيث الشكل أو المضمون: 

- ظهرت "بطلة" المسلسل عندما كانت غير "محجّبة" بدور النقيب في قوى الأمن الداخلي الذكية والقادرة على استدراج الأشخاص لدى التحقيق معهم، وعندما تقمّصت دور المرأة "المحجّبة" لتنفيذ مهمّة أمنية ظهرت بدور "الخادمة" الساذجة المتخلّفة رغم أنّ تسللها الى ما اعتبره المسلسل بيئة  "متدينة" لا يُحتّم عليها ارتداء الحجاب كون البيئة تضم فتيات غير محجبات أيضاً. والملاحظ هنا، أنّ المرأة "المحجبة" لم تحضر بدور ثانوي كما يحصل عادة إنما حضرت بدور رئيسي ولكن حضورها كان مشوباً ومغلفاً بالمواقف التي تقدّم المرأة "المحجبة" وتُعمّم حضور "المحجبات" على غير حقيقتهن. 

- ظهرت المرأة المحجّبة في مشهديات متعددة لا تمثّل الواقع بمجمله، اذ بالإضافة الى ظهورها كخادمة، ظهرت بدور الفتاة التي تتعاطى المخدرات، والأم التي جميع أولادها تجار ومتعاطو مخدرات. وهنا من الواضح وضوح الشمس محاولة وسم بيئة معيّنة بقضية تعاطي وتجارة المخدرات، وهذا ما بدا جلياً لدى تقديم صورة الرجل "المتديّن" -الذي لطالما يلهج بذكر الله ويكرّر لفظ "يا عفو الله" ما لا يقل عن 7 مرات في بعض الحلقات- كتاجر مخدرات كبير يسكن بجوار المسجد الذي لطالما جرى التركيز على صورته في اللقطات. وعليه، لم يترك المسلسل وسيلة إلا وحاول من خلالها ربط هذه البيئة وشخصية المتديّن بالمخدرات، حيث جرت كتابة عبارة "يا عفو الله" على "الفان" والمحل الخاص به والذي اتخذ منه ستارة لأكبر عملية تجارة مخدرات. كما ظهر في ثاني مشهد من الحلقة الأولى وهو يصلّي في المسجد ويستغفر، وكذلك ظهرت راية الإسلام لدى وصول إحداهن من الحج.  

كل هذه المشهديات كان المقصود منها غرس صورة ذهنية معيّنة عن بيئة معيّنة رغم أنّ تجارة وتعاطي المخدرات عابرة للطوائف والمناطق وتتغلغل في البيئة اللبنانية، حيث أشار التقرير الوطني الأول عن وضع المخدرات -الذي أعده المرصد الوطني للمخدرات عام 2017- إلى أنّه ما بين عامي 2013 و2016 أوقف 11 ألفا و152 شخصا لاستخدامهم المخدرات، وسجل عام 2016 وحده ارتفاعا خطيرا في أعداد الموقوفين بقضايا متعلقة بالمخدرات. وفي هذا السياق، تبيّن أرقام مكتب مكافحة المخدرات المركزي أن هناك ما بين ألفين و3 آلاف شخص يلقى القبض عليهم سنويا ويخلى سبيلهم بسند إقامة، وما بين ألفين و3 آلاف يتم إيقافهم بقرار قضائي. 

-بيّن المسلسل محدودية أهداف المرأة المحجبة في المجتمع، حيث بدا أول أهدافها تأمين لقمة العيش، بينما وضعت الدراما المرأة غير "المحجبة" في خانة من تتولى مناصب قيادية وتطمح للنجاح في العمل وتنفيذ المهمات الصعبة. والواقع أنّ دور المرأة اللبنانية "المحجّبة" لا يقتصر على دور "الخادمة" مع احترامنا وتقديرنا لكافة المهن، إلا أنّ ثمّة سيدات "محجبات" رائدات في البيئة اللبنانية. في صفوف المرأة اللبنانية "المحجبة" وزيرة ونائبة وأستاذة جامعية ومحامية وإعلامية وطبيبة ومهندسة وصاحبة مشاريع خيرية مفيدة للمجتمع وغير ذلك الكثير من النماذج التي لا داعيَ لذكرها. 

ولدى البحث في القيم المراد إيصالها عبر المرأة "المحجّبة"، ورغم بروز قيم إيجابية في شخصية أم "تجار ومتعاطي المخدرات" كالتسامح وفعل الخير، إلا أنّ ثمّة قيما سلبية برزت بشكل واضح في المسلسل خصوصاً لدى بعض النساء اللواتي اتخذن أدواراً ثانوية حيث ظهر البعض منهن بموقف "المتفلّت" من القيم والعاملات في مجال تجارة المخدرات، فيما ظهرت غير "المحجبة" في سياق المرأة النبيلة والشجاعة التي تفتدي الوطن وتقدّم كل ما لديها في خدمته. 

- حصر المسلسل مكان إقامة المرأة المحجّبة في الأحياء الشعبية الفقيرة، فيما يقطن غير المحجبات في المنازل والأحياء الراقية، وهذا ينافي الواقع المعاش اذ ان الفقر يخترق مختلف البيئات، وثمّة محجبات يعشن في بيئة من الرفاهية والأوضاع الميسورة جداً. 

- ظهرت المرأة "المحجبة" في صورة المرأة المعنّفة أسرياً من قبل أخيها والتي تتعرّض للضرب والإهانات، فيما ظهر أخوها أيضاً بصورة متعاطي المخدرات وغير السوي. صحيح أنّ هذه "الحيلة" كانت المدخل لتنفيذ المهمة الأمنية ولكن لا يمكن المرور عليها مرور الكرام خاصة أنّه سبق أن صوّرت المرأة "المحجبة" في الدراما اللبنانية بصورة المرأة المعنّفة أسرياً. وفي هذا الصدد، نستحضر تجربة مسلسل "بردانة أنا" الذي انتهت فيه حياة إحدى النساء "المحجبات" بعد تعنيف زوجها لها. والجدير قوله إنّ قضية العنف الأسري تنتشر في المجتمع اللبناني ولا تقتصر على بيئة دون أخرى، وفي دراسة أجرتها إحدى المنظمات المحلية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان تبيّن أنّ العديد من اللبنانيين يدّعون أنهم يعرفون شخصيا ضحايا معرضين للعنف الأسري؛ حيث يعرف كلّ شخص بمعدل 1.7 ضحية عنف أسري، وتعرف نسبة 44 % تقريباً من السكان شخصا تعرض لعنف أسري، ما يدل عمليا على انتشار هذه الظاهرة في أكثر من بيئة ومنطقة. 

هذه عيّنة بسيطة من الرسائل التي يُراد "غرسها" في ذهن المشاهد عن المرأة اللبنانية "المحجّبة"، وبالتأكيد لو أردنا الغوص أكثر في كافة الحلقات لوجدنا العديد من الملاحظات في السياق الذي ذكرناه شكلاً ومضموناً. للأسف، ثمّة من يحاول إعادة حصر صورة المرأة "المحجبة" بنمط محدّد وأسلوب سردي ينتقص من قدراتها ودورها في المجتمع اللبناني. وهنا يأتي السؤال: لماذا يتقصّد البعض تقديم المرأة "المحجّبة" بهذه الطريقة؟ لماذا تحضر بصورة المتخلّفة الرجعية واذا ما صودف حضورها عكس ذلك فتعطى دوراً هامشياً ثانوياً عرضياً؟. 

خطة ممنهجة لتقديم الحجاب بطريقة لا تجسّد الواقع 

أمام هذا الواقع، لا يغيب عن بالنا الصورة الذهنية التي يعمل البعض على تصويرها. تحضر في هذا الصدد نظرية الغرس الثقافي. تقوم هذه النظرية على فرض رئيس يشير الى أنّ "الأفراد الذين يتعرضون لمشاهدة التلفزيون بدرجة كثيفة يختلفون في إدراكهم للواقع الاجتماعي عن ذوي المشاهدة المنخفضة". وفق النظرية، يعتقد الأفراد أنّ ما يشاهدونه من خلال التلفزيون من واقع وأحداث وشخصيات يكون مطابقًا لما يحدث في الحقيقة والحياة. وعليه، يكون هؤلاء أكثر استعدادا لتبنّي معتقدات عن الواقع الاجتماعي. تلك المعتقدات تتطابق مع الصور الذهنية والأفكار والأنماط التي يقدمها التلفزيون عن المجتمع. وتبعاً لنموذج الغرس الثقافي فإنّ المشاهد يكتسب من التلفزيون عن غير وعي الحقائق التي تقدمها الدراما التليفزيونية. الأخيرة تصبح أساساً للصور الذهنية والقيم عن المحيط لتصبح مهمتها أكثر من مجرد العرض والاتصال. 

الواضح أنّ ثمّة خطة ممنهجة لتقديم "المحجّبة" كرمز للبيئة المتدينة بهذه الطريقة، وهي خطة تتماهى بطبيعة الحال مع الحملات التي تتعرّض لها "المحجبة" بين الحين والآخر من قبل البعض في الإعلام حيث يتقصّد البعض الإساءة لها ولقدراتها، وكأنّ الحجاب مانع بينها وبين التقدم والعلم والعطاء، بينما الواقع يبيّن عكس ذلك تماماً، فكم من "محجبات" كانت لهن بصمات وإنجازات كثيرة في المجتمع اللبناني.

والجدير قوله إنّه في المسلسلات اللبنانية السابقة أسيء الى المرأة اللبنانية غير "المحجبة" عبر تقديمها بصورة غير لائقة، وأسيء الى المرأة "المحجبة" بتغييبها وتهميشها، أما في هذا المسلسل فإنّ الإساءة الى المرأة "المحجبة" واضحة ومباشرة من خلال تقديمها بهذا القالب السيئ والصورة السلبية التي تسيء الى ثقافة مجتمع بكامله وفئة لبنانية وعربية وإسلامية واسعة.

الدراماالحجاب

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة