طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

القضاء والإعلام.. والشرف المهني‎
17/04/2021

القضاء والإعلام.. والشرف المهني‎

ليلى عماشا
لطالما كان "الشرف المهني" هو المعيار الذي تُقاس به درجة النجاح في المهن، وإن بدا في مرحلة ما أن ثمّة معايير أخرى دخلت إلى سوق قياس النجاحات، فاشتبه على البعض معنى الشرف المهني فتماهى مع التواطؤ حينًا ومع التآمر أحيانا. وبالحديث عن الشرف، لا بد من التذكير أنه لا يمكن فصله كمفهوم عن مفاهيم أخرى كالانحياز للحق، مهما كان الثمن، وعن راحة الضمير، ولو طاول التعب كلّ جوانب الحياة.

أما وقد اقتحم المهن جميعها من ليس أهلًا لها بمعيار المحافظة على الشرف المهني، فمن المفيد التحدّث قليلًا عن شرفاء صانوا مهنهم بكلّ ما فيهم من وعي ينحاز للحقّ وفطرة لا تفرّط براحة الضمير.

في القضاء مثلًا، المجال "المهني" الذي تبلغ حساسيته أعلى المراتب، يمكن لأسماء (مع حفظ الألقاب) كمحمد مازح وأحمد مزهر وغادة عون أن تستدعي من القلب انحناءة احترام لمواقف جريئة اتخذوها وتحمّلوا مسؤولياتها وربّما أثمانها كي لا يُمس شرف مهنتهم ودورهم: فالقاضي محمد مازح اتخذ قرارًا يمنع فيه وسائل الإعلام من استصراح سفيرة الفتنة في جحرها العوكري دوروثي شيا متحديًا الفريق المتعدد المناصب والمهام الذي يحاول تشريع الانبطاح للولايات المتحدة الأميركية ممثّلة بسفيرتها التي ترتكب جرم التدخل السافر في الشؤون الداخلية اللبنانية وتقوم ببث الشقاق والفتنة والتحريض على أنواعه. أما القاضي أحمد مزهر، فيلمع اسمه مرصّعًا بالجرأة على احقاق الحق، من قراره بإلزام أحد المصارف (البنك اللبناني الفرنسي) بالسماح لأحد المودعين بتحويل مبلغ من وديعته لابنته الطالبة الجامعية في أوكرانيا وفقًا لقانون الدولار الطالبي الذي تتمنّع منظومة المصارف عن تنفيذه. كذلك حين اتخذ قرارًا باطلاق المسح العقاري في بلدة هونين في قضاء مرجعيون والتي ما زال جزء من أراضيها تحت الاحتلال الصهيوني.

أما بالنسبة إلى القاضية غادة عون، وبعيدًا عن الدخول في أي سجال سياسي، فلا بد من الوقوف عند مهنيتها واحترافيتها العالية واللتين تدفعانها إلى خوض غمار الملفات المالية والقضائية التي تتطلب بالإضافة إلى الجرأة الكثير من الالتزام بالواجب المهني والوظيفي ولو كان الثمن أن يتداعى لمهاجمتها أطراف يدّعون عادة أنّهم رأس الحربة في السعي إلى كشف مكامن الخلل المالي الذي أدى إلى الانهيار غير المسبوق للعملة الوطنية..

قد لا يتسع المجال لذكر قضاة آخرين قاموا بواجبهم كاملًا ومضوا إلى تقاعدهم معزّزين بضمائر مرتاحة وبمساعٍ صادقة إلى صون العدالة.. لكن الأمثلة التي أوردناها كفيلة بتبيان المقصود من فكرة "الشرف المهني" في القضاء.

أمّا في الإعلام، وبعيدًا عن الدخول في الأسماء، إلا أنّ هذه المهنة التي تعادل قلة الشرف فيها جرم التحريض وبث الفتن والتضليل، فإن ذكر بعض الارتكابات يتكفّل بإظهار سقوط المرء بسقوط التزامه بالشرف الذي تقتضيه مهنته.. على سبيل المثال، التضليل عبر بث الأكاذيب والشائعات والاتهامات الظالمة واتخاذ دور الدفاع عن الباطل التزامًا بما يطلبه الهاتف العوكري هو جرم يتسابق اعلاميون واعلاميات على ارتكابه كاملًا لغايات متعدّدة، تبدأ بالشهرة ولا تنتهي بـ"صرة من الدنانير".. ويمكن لكلّ متابع للإعلام في لبنان أن يحصي عددًا لا بأس به من الأسماء التي تنطبق عليها هذه الصفات.

وإن كان شرف القضاء يصان بـ"قضاة استشهاديين" فإن شرف الإعلام لا يتطلب اعلاميين استشهاديين بقدر ما يتطلب حدًّا أدنى من المصداقية ومن الأخلاق في تعاطي الإعلامي/ة مع أيّ حدث أو ملف أو قضية.

تطول قائمة المهن، ولكلّ مهنة مقاييس للشرف تبقى هي نفسها مهما ازداد عدد الساقطين عنها والغارقين في مستنقعاتهم.. يكفي أن يكون في كلّ مهنة شريف واحد ليثبت أنّ مهمة الحفاظ على الشرف المهني ليست مهمة مستحيلة ولا تحتاج أكثر من وعي وادراك للحقّ ومن فطرة نقيّة لا ترتضي بالتلوّث مهما كان ثمن التلوّث مغريًا..

الإعلامالتضليل الإعلاميالقضاء

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة