ramadan2024

آراء وتحليلات

لبنان يثبت حقوقه بمواجهة
13/04/2021

لبنان يثبت حقوقه بمواجهة "اسرائيل".. ما هي عناصر قوته؟

شارل ابي نادر

بمعزل عن التجاذبات السياسية التي سبقت ورافقت المسار الإداري - القانوني لمرسوم تعديل الحدود البحرية اللبنانية (6433)، والذي يسلك طريقه الدستوري والديبلوماسي ايضًا (كما هو مفترض قريبًا) نحو الأمم المتحدة، يمكن القول إن لبنان - الدولة والمؤسسات - ومن خلال قراره الحساس والحاسم لتعديل المرسوم المذكور، قد فرض نفسه لاعبًا قويًا في لعبة المصالح والصراعات الإقليمية والدولية.
 
قد تكون عبارة أن لبنان فرض نفسه لاعبًا قويًا في لعبة المصالح والصراعات الدولية في غير موقعها أو غير مناسبة اذا ما قارنّاها بوضع لبنان المأزوم اليوم، وما يشهده  لناحية ما يشبه الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، إضافة الى ما يشهده من تشرذم وعدم توازن سياسي، ولكن في الواقع، ورغم كل تلك المآسي التي تمر على لبنان، فقد حمل موقفه هذا أعلى مستوى من التحدي للكثير من اللاعبين الإقليميين والدوليين.

بداية، ميدان لعبة المصالح التي أوجد لبنان نفسه داخلها من خلال تعديل مرسوم تحديد مياهه الاقتصادية الخالصة، هو تقريبًا كامل منطقة شرق المتوسط، الغنية جدًا كما يبدو بالغاز والنفط، وذلك ما بين سوريا وتركيا شرقًا وشمالًا، وما بين فلسطين المحتلة ومصر جنوبًا وجنوب غرب، وما بين قبرص وتركيا واليونان غربًا. نتكلم هنا عن ميدان بحري، يشهد حاليًا نزاعًا حساسًا وخطرًا على تقسيم وتحديد المياه الاقتصادية الخالصة للدول المذكورة، غير بعيد عن احتمالية تدحرجه نحو مواجهة عسكرية، كالتي كادت تحدث بين اليونان وتركيا أو قبرص وتركيا.

من جهة أخرى، في الوقت الذي تُعتبر فيه "اسرائيل" الخصم الأشرس للبنان في هذا النزاع الحدودي البحري معه، و نظرا لحاجتها الماسة لاستغلال الثروة الضخمة من سواحل فلسطين المحتلة، ولتسارع وتقدم شراكتها مع منتدى دول شرق المتوسط (مصر وقبرص واليونان)، والقائمة على البدء باستخراج الغاز وتوريده، ونظرًا لانتهائها من اكمال وتحضير البنية الإدارية والفنية والقانونية لبدء التنقيب في حقل كاريش الحدودي مع لبنان، والذي أصابه التعديل اللبناني المذكور في أكثر من نصف مساحته، فإنها سوف تعتبر الموقف اللبناني لناحية تعديل حقوقه البحرية جنوبًا، بمثابة إعلان حرب عليها، الأمر الذي سوف يستدعي منها ردة فعل غير بسيطة، لن تكون فقط كما هددت، بوقف المفاوضات غير المباشرة مع لبنان.

من هنا، وفي الوقت الذي يعيشفيه لبنان هذا الانهيار شبه الكامل على كافة الأصعدة، وحيث تساهم أغلب الأطراف الخارجية المعنية بالنزاع أو بالملف، في تعميق الانهيار من خلال ممارسة الكثير من  الضغوط الاضافية على لبنان، لإجباره على التنازل أو الخضوع  في ملف الحدود البحرية أو في غيره، وحيث تعتبر هذه الأطراف أنه من المفترض أن يكون الموقف اللبناني متساهلًا ومسهلًا وبمعنى آخر متغاضيًا عن كامل ما يرى أنها حقوقه، لكي يستطيع الإستفادة السريعة التي يحتاجها قبل انهياره الحتمي، يقف لبنان هذا الموقف القوي.

وعليه، يبقى السؤال الأساسي: على ماذا يستند لبنان في موقفه القوي هذا؟ وما هي عناصر القوة التي يملكها في لعبة التحدي الحساسة التي أدخل نفسه فيها؟

طبعًا، كان للموقف الثابت لفخامة رئيس الجمهورية كمعني رسمي أساسي في توجيه عملية التفاوض، دور أساسيٌّ في تعديل المرسوم وتثبيت الحقوق اللبنانية البحرية، وذلك من خلال دعمه وتبنيه بالكامل وجهة نظر خبراء الجيش اللبناني واختصاصيي الوفد المفاوض في عملية ترسيم الحدود، والتي أضاءت بطريقة علمية قانونية على الحدود البحرية الصحيحة، والتي يجب أن تكون أولًا: مستندًا صالحًا للإيداع لدى الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع الدولي المعنية، وثانيًا: منطلقًا للتفاوض غير المباشر مع العدو ولترسيم الحدود وتحديدها بدقة بالاستناد إليها.

من جهة أخرى، فإن وجهة النظر القانونية والتقنية التي طرحها وأثبتها الجيش اللبناني بالتفاصيل العلمية، والتي كان موقفه واضحًا وحاسمًا منها، لناحية  ضرورة إكمال المفاوضات غير المباشرة مع العدو على أساسها، ولناحية عدم جدوى إكمالها من دونها، تثبت وبما لا يدعو للشك بتاتًا أن المؤسسة العسكرية ومن باب المسؤولية الوطنية والواجب، ستكون طرفًا أساسيًا في تثبيت وحماية ودعم قرار التعديل، مع كل ما يمكن أن ينتج عنه من تداعيات أو أخطار أو مضاعفات عسكرية أو أمنية.  

أيضًا، لا يمكن بتاتًا تجاوز الدور المهم الذي نتج عن الموقف اللبناني الداخلي الموحد حول التعديل، والذي أظهرته بالنهاية جميع الأطراف المعنية، الرسمية والحزبية والسياسية، ورغم بعض التحفظات بداية والتي كانت عن حسن نية بهدف عدم خسارة فرصة الترسيم وبدء الاستفادة بأسرع وقت من الثروات، للحاجة الماسة اليها اليوم، كان هذا الموقف الموحد لناحية التماسك وعدم الانقسام، أساسيًا في تثبيت القرار اللبناني بالتعديل بمواجهة جميع الأطراف الخارجية.

 وبالنهاية، الدور الفاصل يبقى للمقاومة، بما تملكه من قدرات ردع وتوازن قوة بمواجهة العدو الاسرائيلي، وهي الدعامة الأساسية في تثبيت وحماية الموقف اللبناني الدقيق والحساس والجريء، لناحية التعديل بشكل عام، ولناحية حساسيته في إصابة وسط حقل كاريش الذي تعتبره ""اسرائيل" تحت سيطرتها ( ضمن المناطق التي تحتلها في المياه الفلسطينية)، والتي كانت قد أنهت كامل الإجراءات المناسبة لبدء التنقيب فيه واستغلال ثرواته، مع ما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات وتطورات، ستنتج حكمًا كون العدو سيعتبر التعديل اللبناني الرسمي للمرسوم بمثابة حرب أو استهداف لما يدّعي أنها حقوق له. وكما تقول دائمًا المقاومة أنها وراء الدولة اللبنانية في دعم وحماية ما تحدده الأخيرة لناحية الحقوق الوطنية أو الحدود البرية أو البحرية أو حدود السيادة اللبنانية، فهي (المقاومة) ستبقى، بما تملكه من قدرات نوعية، صمام الأمان الأقوى والاكثر صلابة في حماية وصيانة وتثبيت هذه الحقوق الوطنية. 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات