طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

01/04/2021

"المشرق الجديد" والمسارات القلقة في بيئة مضطربة

بغداد: عادل الجبوري

    "المشرق الجديد"، مفردة أخرى تدخل قاموس الأدبيات السياسية في ظل مشهد إقليمي ودولي مرتبك ومضطرب الى حد كبير، تتداخل فيه المصالح، وتتشابك الأجندات، وتتقاطع المشاريع.

   وهذه المرة، بدلًا من أن تتلقى بغداد أصداء وتفاعلات وتداعيات المشاريع والأطروحات السياسية المختلفة، من قبيل "صفقة القرن" و"الاتفاق الابراهيمي" والتطبيع، فإنها كانت مصدر انطلاق ما اطلق عليه "المشرق الجديد"، ارتباطًا بحراك اقليمي بدأ قبل حوالي عامين، وتحديدًا في شهر اذار-مارس من عام 2019 بقمة ثلاثية في العاصمة المصرية القاهرة، جمعت كلًّا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والملك الاردني عبد الله الثاني، تبعتها قمة مماثلة في نيويورك في شهر ايلول - سبتمبر من نفس العام على هامش اجتماعات الجمعية العامة لمنظمة الامم المتحدة، ومن ثم قمة ثلاثية في العاصمة الاردنية عمّان في شهر اب-اغسطس من العام الماضي 2020.

   وكان مقررًا أن تحتضن بغداد في السابع والعشرين من شهر اذار-مارس الماضي القمة الرابعة، إلا أنها تأجلت الى إشعار آخر بسبب انشغال الرئيس المصري بتداعيات حادث تصادم قطارين في مدينة سوهاج، وقضية باخرة (Ever green) التي علقت في مضيق السويس وأدت الى تعطل حركة الملاحة فيها، ليصار الى عقد اجتماع تحضيري على مستوى وزراء الخارجية، بينما كان الكاظمي يتهيأ للتوجه الى السعودية تلبية لدعوة رسمية تلقاها مؤخرًا من الملك سلمان بن عبد العزيز.

   ويبدو، بحسب أوساط مطلعة على كواليس حراك الحكومة، أن الرياض كانت راغبة جدا في أن تسبق زيارة الكاظمي اليها لقاء القمة مع السيسي وعبد الله، وان الكاظمي كان يحمل نفس الرغبة، وقد جاءت الحوادث المفاجئة في مصر لتترجم رغبات الطرفين الى واقع عملي على الارض، وتذهب تلك الأوساط، الى أن الرياض لا تريد أن يتشكل محور اقليمي بعيد عنها حتى وإن لم يكن معاديًا لها، ولا بالضد من مصالحها، لذلك لوحظ أن الزيارة السريعة والمفاجئة للكاظمي، أسفرت عن ابرام جملة اتفاقيات ومذكرات تفاهم بمجالات مختلفة بين الجانبين السعودي والعراقي، وهي اشارة ضمنية الى أن الثقل الاقتصادي للرياض بالنسبة لبغداد، أكبر بكثير من الثقل الاقتصادي لكل من عمّان والقاهرة مجتمعتين.

   أضف الى ذلك، فإن الرياض يمكن أن تفكر في أن وجودها وحضورها بمحور اقليمي تعد بغداد جزءًا منه، من شأنه تخفيف الضغط عنها بسبب تورطها بملفات اقليمية شائكة ومعقدة في اليمن وسوريا وغيرهما، ناهيك عن سعيها المحموم لإضعاف ومحاصرة خصمها التقليدي طهران، وغير ذلك، السعي الى وضع بغداد على سكة التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتلتحق بالقاهرة وعمّان وابو ظبي والمنامة والخرطوم والرباط والرياض.

   ولا شك أن مفهوم أو مصطلح المشرق الجديد، يحاكي مصطلح الشرق الأوسط الكبير، الذي طرح قبل بضعة أعوام، لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بطريقة مختلفة تفضي الى ضمان مصالح الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها وأصدقائها الكبار والصغار. وفي الواقع هذا ما يراه بعض الساسة والمراقبين والمتتبعين لتفاعلات الوقائع والأحداث في المنطقة، هذا في الوقت الذي لم يتبلور شيء واضح حتى الآن.

   وللعلم فإن أول من طرح مفهوم "المشرق الجديد"، هو رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، عند زيارته للولايات المتحدة الاميركية في اب-اغسطس 2020، وعاد ليكرر ما تحدث به في واشنطن، في القمة الثلاثية بعمّان، وقبيل انعقاد قمة بغداد، قال الكاظمي "ان المشرق الجديد ليس تحالفا سياسيا، بل هو مشروع اقتصادي اجتماعي بين شعوب الدول المعنية، يستهدف تحقيق المصالح المشتركة".

   بيد أن معطيات الحال وعموم التجارب، تؤكد أن كل المشاريع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، لا يمكن أن تنطلق ومن ثم تترسخ وتدوم ما لم تتوفر لها أطر ومناخات وتفاهمات وتوافقات سياسية بمستوى معقول ومقبول.      

  والمشرق الجديد، الذي يكتنفه الغموض، ويحيط به الكثير من التساؤلات والاستفهامات، من غير الممكن أن يكتب له النجاح، سواء طرح كمبادرة أو مشروع اقتصادي واجتماعي، وخارطة طريق للإصلاح والتفاهم الاقليمي، لأن هناك أطرافًا اقليمية أكثر تأثيرًا وحضورًا وأدوار في خارطة الأحداث، وأن الأطراف الثلاثة، حتى وإن كانت نواة لذلك المشروع، فهي مبتلاة بكمّ كبير من المشاكل والأزمات والتحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهي تحتاج من يأخذ بيدها وليس العكس، فضلًا عن كون البعض منها منخرطة بالأساس في مشاريع ومحاور إقليمية قبال مشاريع ومحاور اقليمية أخرى.

   وفيما يتعلق بالعراق، فإن انفتاحه على محيطه الإقليمي والفضاء الدولي، يشكل أولوية مهمة يفرضها تداخل المصالح، وتشابك الملفات والقضايا السياسية والأمنية والسياسية المختلفة، واذا كانت الإجتماعات الأخيرة لوزراء خارجية العراق والأردن ومصر في العاصمة بغداد، والقمة الثلاثية المرتقبة، ومبادرة المشرق الجديد، تأتي في هذا الاطار، فإن على صانع القرار السياسي العراقي، الالتفات الى جملة من المسائل، واخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ أي خطوات، والإقدام على أي مبادرات نحو المحيط الاقليمي أو الفضاء الدولي.

   ومن هذه المسائل، التوازن في عملية الانفتاح على الآخرين، وتجنب الدخول في اصطفافات ومحاور يمكن أن تجعل من العراق أداة وساحة لتصفية الحسابات وتمرير المصالح الخاصة. وكذلك لا بد أن تكون المصلحة الوطنية في نصب عين المفاوض العراقي، واعتبارها من الثوابت التي لا يمكن ولا يجوز الحياد عنها بأي حال من الاحوال.

   الى جانب ذلك، فإن كل خطوة من خطوات عملية الانفتاح ينبغي أن تخضع لدراسات وتقييمات موضوعية دقيقة، للوقوف على منافعها ومكاسبها بالنسبة للبلاد، سواء كانت تلك المنافع والمكاسب اقتصادية أو أمنية أو سياسية. ومن غير المنطقي ولا المقبول أن تكون منافع ومكاسب الآخر أكثر مما يتحقق للعراق منها.

   صحيح أن تعزيز العلاقات والروابط مع دول مثل الأردن ومصر، أمر ينطوي على جملة من الايجابيات، لكن من غير الصحيح أن يتركز الاهتمام بهذا الاتجاه، على حساب علاقات وروابط مع أطراف دولية واقليمية أخرى، كالصين وايران وتركيا وروسيا، على  سبيل المثال لا الحصر، من شأنها أن تحدث نقلات نوعية كبيرة في الواقع العام للبلاد، وهنا لا بد من الإشارة الى الاتفاقية العراقية - الصينية التي أبرمت في عام الفين وتسعة عشر، أي قبل حوالي عامين، دون أن يتم تفعيلها وترجمتها على أرض الواقع لأسباب غامضة، علمًا أن تلك الاتفاقية تنطوي على أهمية كبيرة جدًا بالنسبة للعراق.

  والمسألة الأخرى التي لا تقل أهمية عن سواها من المسائل الآنفة الذكر، هي أنه يجب أن يطلع الرأي العام العراقي بكل اتجاهاته وتوجهاته على مجمل مسارات ومعطيات المباحثات واللقاءات والاتفاقيات مع الأردن ومصر وغيرهما من الدول، وماهيه ما يطرح من مبادرات ومشاريع، حتى يعرف ويفهم انعكاساتها ومخرجاتها الآنية والمستقبلية عليه.

السعودية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل