يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

لبنان: الأزمة في الاقتصاد أم السياسة؟
29/03/2021

لبنان: الأزمة في الاقتصاد أم السياسة؟

هاني ابراهيم

يعيش لبنان انهيارًا اقتصاديًا ترافق مع تراجع مخيف لسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي فضلاً عن عدم الاستقرار السياسي، والذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة وكثرت المقاربات بخصوصه. البعض ذهب الى القول بتحكم الكيدية السياسية في الاداء فيما ذهب البعض الآخر الى تفسيرات تتعلق بنقص في الدستور مع اجتهادات لكل جهة بما يتناسب مع مشاريعها السياسية، ولكن، هل ذهب أحد ما الى القول أو التساؤل حول المانع من معالجة الانهيار الاقتصادي وضبط سعر الصرف والاهتمام بالشأن الاجتماعي والبطالة وغيرها من التداعيات والآثار السلبية بعيدًا عن السياسة؟

هذا السؤال يدفعنا الى البحث حول مدى امكانية الفصل بين الإثنين ولماذا الربط بينهما. لذلك كان السؤال الأهم، هل من الممكن أن يصبح الإنقاذ الاقتصادي مدخلًا للتغيير السياسي المتدرج أم أن النظام اللبناني قائم على الارتباط العضوي ما بين الإثنين؟
 
إن الشروع في إصلاحات إنقاذية للاقتصاد قبل التغيير السياسي في طرق ونظام الحكم غير ممكن، حيث إن التجارب وواقع الحال بينت لنا وبصورة لا تقبل الشك بأنه لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد في لبنان، ذلك أن النظام الاقتصادي في لبنان انعكاس واضح لموازين القوى الداخلية، وهو تفسير اقتصادي لنظام قائم على المحاصصة والزبائنية.

الكل متفق على المشهد الاقتصادي - المالي والمصرفي للأزمة الحالية، ما يعني أننا بحاجة ماسة الى إعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يتناسب مع حجم الاقتصاد اللبناني وخاصة أن هناك نماذج أوروبية تبين لنا عند الاطلاع عليها مدى فداحة ما ارتكبته المصارف في لبنان من مخالفات وجرائم بحق لبنان واللبنانيين، طبعًا على أن لا ننسى ضرورة إعادة هيكلة القطاع العام في لبنان والتدقيق في المالية العام للدولة اللبنانية.

 لكنها تتطلب أولًا وأخيرًا توافقًا سياسيًا يتمتع بالديمومة المطلقة، وذلك كون السياسات المالية والنقدية كانت مرتكزة على قاعدة "الرهان سياسي لما بعد الطائف حتى العام 2005"، حيث تم ما بعد وثيقة الوفاق الوطني تثبيت سعر النقد الوطني بناء على توقعات سياسية دولية واقليمية، كل هذه الخيارات الاقتصادية والتي كانت مبنية على جبال من الأوهام والسراب لم تصل الى أي نتيجة، وبالتالي أوجدت تراكمات ساهمت فيما بعد بتفاقم الانهيار وصولًا الى ما نحن فيه اليوم من شلل شبه تام على كافة الأصعدة وفي مختلف الاتجاهات.

رغم ذلك، ظهرت الكثير من الاقتراحات والنصائح والعلاجات لوضع لبنان الاقتصادي وكان التركيز في كثير من الأحيان على المقولة والتي أصبحت أشهر من "نار على علم" وهي الانتقال أو ضرورة الانتقال من "الاقتصاد الريعي الذي صبغ المشهد اللبناني منذ أكثر من ثلاثين عاما الى الاقتصاد المنتج" القائم على الاكتفاء الذاتي والذي يحول دون الحاجة الدائمة الى العملة الصعبة وبالتالي ينخفض سقف الاستيراد لمصلحة التصدير من جهة والاكتفاء الذاتي من جهة أخرى، وكان من ضمن هذه الاقتراحات التوجه إلى صندوق النقد الدولي، الذي يمكن أن يقدم لنا الحل فنحن بحاجة إلى ضخ سيولة "دولار" وهذا غير ممكن إلا بمساعدة من صندوق النقد، لكن المفاجأة كانت ان صندوق النقد الدولي أو ما يعرف بـIMF طلب من الدولة اللبنانية أن تقدم هي الحل وتقوم بشرح مفصل لوضع لبنان المالي والنقدي وتقترح كيفية المساعدة وعندها الصندوق ينظر بالأمر، مع الإشارة هنا الى أمر بغاية الأهمية وهو أن مساعدة الصندوق للبنان بالسيولة هو أمر مقيد وله ضوابط ترتبط بعضوية الدولة من جهة واحتساب المبلغ الذي يمكن تقديمه كمساعدة بناء على نسبة اشتراك الدولة في هذه العضوية. وعليه، تبين لنا فيما بعد أن ما يمكن أن يدفعه الصندوق لا يمكن أن يساهم بأكثر من ستة أشهر في ظل أداء سياسي قائم على الدعم ومن ثم ترشيده والهدر وقوننته وغيرها من التوصيفات التي لا تنتهي.

كما طلب الصندوق تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الإدارية لاستكمال عملية المساعدة هذه ولكن من سيقوم بكل ذلك؟ وهل الإصلاحات ستطبق بمفردها؟ هل القوانين ستطبق في هذا الإطار أم لا؟ وغيرها من التساؤلات، لذا فإن الوضع يتطلب جهة موثوقًا بها تنفذ الإصلاحات، لكن الإصلاح مستحيل في نظام المحاصصة، وهذا يحول دون الكثير من المساعدات ولقد لمسنا ذلك وما زلنا حتى اللحظة.

يذهب البعض الى القول فلنحتكم الى الدستور، لعلنا نجد فيه ما ينظم لنا الحياة العامة والنظام العام والمؤسسات بشكل لا يضطر المواطن اللبناني للدخول في نفق مظلم عند كل خلاف سياسي يعطل البلد اشهرا عديدة. إن المادة 95 من الدستور، والتي تتألف من تسعة أسطر ذكرت فيها الطائفية السياسية والطائفية والمناصفة بين المسيحين والمسلمين  اكثر من مرة. أي ان القواعد ذاتها التي يفترض أن نحتكم لها عند أي خلاف نراها تعترف وتزيدنا قناعة بأن المشكلة هنا، ما يعني أن هناك مشكلة تتعدى الإصلاحات والخطط والاستعانة بالخبراء وطلب المساعدة من المؤسسات والصناديق وغيرها من الأمور، بل هناك مشكلة سياسية نظامية أساسية ومن دون حلها لن نتخطى المرحلة الراهنة، ما يأخذنا الى طرح السؤال التالي: هل يمكن الفصل التام بين الطبقة السياسية والاصلاح؟

ذهب البعض الى حد القول بعدم امكانية النهوض والإصلاح مع من كان صاحب هذه الخيارات الاقتصادية والمالية والنقدية التي أوصلت لبنان واللبنانيين الى ما نحن فيه، ومشاركتهم بالحل اليوم يفقد هذا التغيير روحيته وحداثته وتجديده. إن فكرة قطع الوصال ما بين الاقتصاد والسياسة أصبحت محل تطبيق وأبحاث ونظريات في الكثير من الدول، وخاصة في الدول التي يلعب موقعها الجيوسياسي دورًا رئيسيًا وفعالًا كلبنان.

وما زاد الطين بلة أن الخيارات الاقتصادية للطبقة السياسية الممسكة بزمام الأمور منذ ما بعد الطائف وحتى اللحظة كانت قائمة على نظرية أثبتت عند أول مفترق هشاشتها كما وأثبتت أيضًا أنها لا تملك برامج اقتصادية فعلية تقدمها، للخروج من النفق المظلم.  

الواضح هو انكفاء الساسة في لبنان عن الاقتصاد، وترافق ذلك مع غياب الرؤية الواضحة للبنانيين عن المطالبة بسياسات اقتصادية واضحة قائمة على خبرات وتجارب، بالتالي، يصعب الفصل بين السياسة والاقتصاد.

أما الأمل الأخير وهو اللجوء الى الخبراء لمعالجة الواقع الإقتصادي المتدهور من دون أي حل أو توافق سياسي كان مثار نقاش أيضا حيث فسر البعض فشل المبادرة الفرنسية الأخيرة بالذهاب مباشرة الى الاصلاحات دون الأخذ بعين الاعتبار أساس الأزمة اللبنانية، حيث إن جوهر المشكلة سياسي ما جعل المبادرة الفرنسية طرحًا غير مكتمل لأن تغييب المشكلة الأساس والذهاب الى التداعيات دون أن تكون هناك أي مساءلة أو محاسبة يجعل من هذه المقاربة فرنسية ملبننة.

وعليه فإن الحل لن يكون بنظريات اقتصادية من خبراء لا يملكون زمام الأمور.

نختم بالقول إن ضياع الموقف اللبناني السياسي عطّل المسار الطبيعي باتجاه الاستفادة من برامج عديدة وجهات متنوعة، وكان من الممكن تجاوز ما يمر به لبنان من أزمات عدة من خلال خيار التوجه شرقًا.. ما يفرض علينا التوجه نحو الحل الشامل في السياسة والاقتصاد والابتعاد عن الحلول بالتجزئة.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل