طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

من ترومان إلى بايدن.. هكذا تضحي أمريكا بذيولها النفطية
22/03/2021

من ترومان إلى بايدن.. هكذا تضحي أمريكا بذيولها النفطية

إيهاب شوقي

تتسارع الأحداث  وتتخذ عناوين إعلامية براقة، في حين أن جوهرها لا يحمل جديدًا، فهي أشبه بتمارين "الجري في المحل"!
وكمثال على ذلك، يمكن رصد خبرين متزامنين:

الأول: هو إعلان البحرية الأمريكية أنها ستجري مناورات بحرية كبيرة إلى جانب بلجيكا وفرنسا واليابان في الشرق الأوسط، وستجري المناورات في منطقة بحر العرب وخليج عمان بقيام سفن من الدول الأربع بالمشاركة.
الثاني: هو إعلان رئيس وزراء العدو الصهيوني، بنيامين نتنياهو في مقابلة مع القناة "13" الصهيونية، لجمهوره أنه سيؤمن لهم رحلات جوية مباشرة من "تل أبيب" إلى مكة!

وهنا لنا وقفة لمناقشة الخبرين وتوضيح لماذا يمكن أن يتخذا مثلين على سياسة الدعاية والحرب النفسية، واستخدام الخليج كمطية للدعاية، ولماذا هما بمثابة "جري في المحل":

1- المناورات الأمريكية هي مناورات استعراضية تهدف فيما يبدو إلى إرسال رسائل بعينها من حيث تشكيلة الدول، وبالتالي الأطراف المعنية بالرسائل، فهي تثبيت لما تم إعلانه من عودة اللحمة بين أمريكا والناتو، واختيار بلجيكا يبدو موحيا بذلك، فهي مقر الناتو وبها مقر قيادة عمليات الحلف، ووجود فرنسا هو رسالة موجهة للروس، حيث الدور البارز والقيادي الفرنسي في الاتحاد الأوروبي والناتو، ووجود اليابان هو رسالة للصين، وبالتالي فإن مجمل المناورة ورسالتها، هو إعادة تحالف الحرب الباردة وتفعيله، وهي خطوة تثبيت أكثر من أن تكون خطوة تصعيد.

2- ما أعلنه نتنياهو هو إهانة للسعودية وشعبها، باعتباره إعلانا من طرف واحد واستباقا لأي تفاهمات رسمية علنية، حيث تصر السعودية على إنكار ما هو معلوم بالضرورة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ذكر مكة بدلا من الرياض، وهو يبدو إصرارا على انتهاك المقدسات والخصوصية التي تتمتع بها مكة، وإشراكا لها في دنس الخيانة والتطبيع.
ومن المعلوم أن تصريحات نتنياهو هي دعاية انتخابية وتعكس تفاهمات تحت الطاولة وأوضاعا قديمة، أكثر مما تعكس انجازًا أو فتحًا استراتيجيًا.

هذان النموذجان يشكلان انعكاسًا للوضع الدولي العائد بقوة نحو حرب باردة. وتبقى هنا قضية تشكل التباسًا لدى البعض، وهي التقارب الروسي مع الخليج، وكذلك التعاون الخليجي مع الصين، وهو ما يشكل خلطًا للمعسكرات يتناقض مع استقطابات الحرب الباردة. وهذا الالتباس يمكن أن يزول بالنظر للتاريخ وسننه، حيث لم تغير التحالفات السياسية أنماط التجارة بين الدول النفطية وبقية العالم في معظم الأحوال.

ويمكن اقتباس بعض الأمثلة من التقارير التاريخية خلال سنوات الحرب الباردة، عندما كانت العلاقات السياسية لا تعكس بالضرورة السلوك التجاري لمنتجي النفط.
فمن الأمثلة على ذلك ليبيا، حيث كانت حتى عام 1969 حليفًا استراتيجيًا للغرب واستضافت قواعد عسكرية بريطانية وأمريكية حتى الإطاحة بالنظام الملكي عام 1969 وصعود الرئيس القذافي وتحول السياسة الليبية لصالح الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك، وكما يرصد "شبلي تلحمي"، في تقرير له، كانت أنماط تجارتها قبل وبعد الثورة هي نفسها إلى حد كبير!

فعلى سبيل المثال، بلغت حصة التجارة مع دول الكتلة السوفيتية 1.9 في المائة في عامي 1960 و 1965 ، و 1.8 في المائة في عام 1970، و 1.3 في المائة في عام 1975، و 1.0 في المائة في عام 1980. علاوة على ذلك، كانت الدولة المصدرة للنفط ذات النصيب الأكبر من التجارة مع الكتلة السوفياتية هي إيران الشاه، وليس ليبيا أو الجزائر أو العراق، ويخلص "تلحمي" من ذلك إلى أن هذه الدول فعلت ما هو في مصلحتها الاقتصادية.

وفي حرب الخليج عام 1991، ومع تصاعد الزخم لنشر القوات الأمريكية وإنشاء ما يرقى إلى أسطول جديد في منطقة الخليج، اعتقد بعض المراقبين أن الوجود الأمريكي المتزايد سيمنح الولايات المتحدة ميزة حاسمة على أوروبا واليابان في التجارة مع دول الخليج، ولكن على المستوى الإجمالي، تظهر أرقام التجارة بين المنطقة وبقية العالم أن الولايات المتحدة ليس لديها ميزة واضحة. ففي عام 1989، قبل عام من غزو العراق للكويت، بلغت الصادرات الأوروبية إلى الشرق الأوسط 40.2 مليار دولار، مقابل 13.7 مليار دولار للولايات المتحدة، وفي عام 1992، العام الذي أعقب حرب الخليج، بلغ إجمالي صادرات أوروبا 57.2 مليار دولار، مقابل 19.9 مليار دولار للولايات المتحدة. واستمر الاتجاه في عام 2000، حيث شحنت أوروبا 63.7 مليار دولار من الصادرات إلى الشرق الأوسط، بينما شحنت الولايات المتحدة 23.0 مليار دولار.

وبالتالي، فإن سلوك الخليج مع الروس لا يعكس التفاتة خليجية أو تمردا على أمريكا.

من الواضح أنه يمكن لأمريكا أن تضحي بالأنظمة الخليجية بسهولة بالغة، فقد خلصت تقارير استراتيجية رصينة إلى أنه، ولأكثر من نصف قرن، كان الدافع الرئيسي وراء الإستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة الغنية بالنفط هو حرمان أعداء أقوياء من السيطرة على مثل هذه الموارد الهائلة، وبالتالي يصبحون أكثر قوة وأكثر تهديدًا، ولم يكن الهدف هو الحماية!

ومن الواجب هنا ذكر مثال صارخ سربته الوثائق الأمريكية التي كشف عنها لأول مرة مراسل لصحيفة كانساس سيتي ستار، حيث كشف عن مدى قلق إدارة ترومان بشأن الاستيلاء السوفياتي المحتمل على حقول النفط. والمفاجأة أن إدارة ترومان لم تبنِ إستراتيجيتها على الدفاع عن حقول النفط في مواجهة غزو سوفياتي محتمل، بل طورت بسرعة خطة مفصلة وقعها الرئيس ترومان في عام 1949 باسم مجلس الأمن القومي 26/2 واستكملت لاحقًا بسلسلة من توجيهات مجلس الأمن القومي الإضافية.

 ودعت الخطة، التي تم وضعها بالتنسيق مع الحكومة البريطانية وشركات النفط الأمريكية والبريطانية دون علم الحكومات في المنطقة، إلى نقل المتفجرات إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث سيتم تخزينها للاستخدام، في حالة الغزو السوفياتي، وكملاذ أخير، سيتم تفجير منشآت النفط والمصافي وسد حقول النفط لجعل من المستحيل على الاتحاد السوفياتي استخدام موارد النفط!

الدرس هنا هو أن أمريكا وحلفاءها في الناتو يمكن أن يدمروا الخليج بدلًا من حمايته، قطعًا للطريق على استفادة الروس أو الصينيين من حصص النفط والطاقة، ويمكن أن يدمروا الخليج في إطار عدائهم لإيران والمقاومة، بجعلهم كبش فداء في أي خطوة رعناء للعدوان على إيران، حيث الهدف الصهيو-أمريكي هو إشعال الصراع الإقليمي بعيدًا عن الصراع الرئيسي مع الصهاينة، وقطع الطريق على النمو الروسي الصيني واكتسابهما لمواطئ أقدام جديدة.

الخليج

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل