يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

صندوق النقد الدولي.. الموت البطيء للبنان
20/03/2021

صندوق النقد الدولي.. الموت البطيء للبنان

أحمد فؤاد
تغازل دولارات صندوق النقد الدولي بعض العقول في لبنان، كما في دول عربية أخرى سبقتها، ويلقي الإعلام الممول أمريكياً بفكرة إنه حبل نجاة من الأزمات الاقتصادية الخانقة، ولا مانع من تصدير عدة كذبات أخذت عبر السنوات تتحول لحقائق في الأذهان، مثل ضبط الإنفاق أو منع هدر الموارد، ويقولون إن الصندوق قادر على فعله.


في أزمة تبدو مالية، وبالتأكيد هي مستحكمة، تضيق الحلول أمام الحكومات العربية، إلى حد يبدو معها صندوق النقد الدولي حبل النجاة الأوحد، في ظل تعثر الموازنات وعجزها المزمن، وقدرة تقارير الصندوق على فتح الباب للاستدانة الواسعة من الأسواق العالمية.

والحقيقة الوحيدة، والواضحة في كل دولة لجأت للصندوق كان هناك حبل شنق لا نجاة.

وعلاقة الناس والجماهير، من خارج لبنان، بالمقاومة الإسلامية هي علاقة عضوية، فكل انتصار للمقاومة هو انتصار للشعوب العربية، وأي ضرر ـ لا قدر الله ـ يقتل فرصنا في التحرر، ويعني بشكل مباشر اختناقنا وسحقنا أمام الولايات المتحدة ووكلائها من صهاينة العرب.

أطل السيد القائد، حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في ذكرى الوفاء لجرحى المقاومة، ليضع كل أمر في نصابه بالنسبة لوضع لبنان الداخلي، وهو وضع عربي شامل، تعاني منه أغنى الدول العربية وأفقرها، أكثرها موارداً وأقلها، وفند بالحلول الواقعية والمتاحة فكرة ذهاب لبنان إلى صندوق النقد الدولي كحل لأزمته الاقتصادية.

طرح السيد والأمين حل اللجوء إلى استيراد مشتقات النفط من إيران، أو التوجه شرقًا إلى التعاون مع الصين التنين الاقتصادي الصاعد كصاروخ لا يعرف التوقف، وهذه كلها أمور متاحة، لكن الفيتو الأميركي على كل حكومة عربية يمنعها، حتى اليوم.

لكن البعض يحاول تمرير فكرة إن الاقتصاد المنهك بحاجة شديدة إلى إصلاحات، وصندوق النقد هو القادر على فرضها في ظل حالة الاستقطاب الحاد في لبنان – وغيرها أيضًا - وهو قول يفتقر إلى رد الأسباب لمسبباتها، فالأزمة الاقتصادية سببها الأول الحصار الأميركي، ثم الاعتداءات الصهيونية على لبنان في الماضي، ومحاولة سرقة مساحات من المياه الاقتصادية اللبنانية، والتي تضم مخزونات من الغاز الطبيعي تبدو واعدة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وخلال الأعوام الست الماضية، لجأت عدة دول عربية إلى صندوق النقد الدولي، ولم يتباين الفشل بين السعودية، كأغنى دولة عربية وأكثرها تصديرًا للبترول، ومصر التي تعاني الأمرين من انفجار سكاني لا يوازيه زيادة في النشاط الاقتصادي أو موارد تكفل تحقيق تنمية ما، وزيادة فإن الحكومات ترى سهلاً اللجوء لنقد شعبها عوضًا عن القيام بدورها في معالجة الكوارث المتعاقبة.

بداية فإن صندوق النقد الدولي معني بالجوانب المالية للدولة التي تقع تحت أسنانه، كالإصلاح المالي والهيكلي للموازنة العامة، ولا يضع برامجًا أو شروطًا لما يتجاوز ذلك، مما يعني استبعاد كلمة إصلاح اقتصادي من قاموس التعامل معه، وما تقوم به الحكومات العربية من إدعاء في هذا الصدد، هو نوع من أنواع النصب على شعوبها.

يضع صندوق النقد الدولي ورقة معالجة أمام كل دولة تريد قروضه، مكونة من 4 طلبات، يجري تنفيذها بالتوازي مع صرف شريحة من القرض كل 3 أو 6 أشهر، ويحدد مدى استجابة الدولة المستهدفة للشروط وبالتالي حقها في صرف الشريحة الجديدة، بواسطة لجان متابعة يرسلها الصندوق، وتتمتع بسلطات مطلقة فيما يخص تقييمها للخطوات والإجراءات التي اتخذت.

ورقة الصندوق الثابتة تدور حول 4 إجراءات فورية ولازمة، هي: زيادة أسعار الطاقة كمقدمة لازمة لرفع الدعم العيني تمامًا ورفع أسعار تكاليف الخدمات العامة التي تقدمها الدولة لمواطنيها لتتساوى مع تكاليفها، مع تطبيق نظام ضريبي جديد يشمل إضافة بند ضريبة القيمة المضافة – تقليص القطاع العام وأعداد موظفي الحكومة لتقليل نسبة الرواتب الحكومية من الموازنة العامة – تطبيق نظام مرن لتحديد سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأخرى – وأخيرًا: خصخصة الشركات والبنوك المملوكة للدولة، لكسر أي قدرة للتدخل بالشأن الاقتصادي اليومي للمواطن. 

إلى جانب الشروط العامة، يضيف مسؤولو صندوق النقد شروطًا أخرى على الدولة المستهدفة، طبقًا لحاجتها أو لمدى تنازل حكوماتها في التعامل مع الصندوق سيئ السمعة، وفي الحالة المصرية مثلًا، جرى إجبار النظام على استدانة 30 مليار دولار من الأسواق العالمية، وبأسعار لفائدة غير مسبوقة، كأحد الشروط الأساسية لاستمرار صرف دفعات القرض.

ويبقى سؤال صندوق النقد معلقًا، هل سيتحمل الشعب رفع الدعم بالكامل، وخروج دولته من السوق، مقابل تركها للاحتكارات الأجنبية ووكلائهم المحليين من ذئاب وضباع تنهش.

والإجابة هنا معلقة بنظرة واحدة للمواطن اللبناني إلى الوضع الاقتصادي في مصر أو السعودية، عقب تطبيق عدة مراحل من اشتراطات الصندوق المفروضة عليهما، وسيعلم أن الذهاب إلى الصندوق هو ذهاب نحو الانتحار الطوعي، ولا يقدم الأميركي، ولا تقدم مؤسسات السيطرة المالية العالمية، لشعوبنا سوى الموت، موت سريع بالسلاح أو موت بطيء بالديون.

صندوق النقد الدولي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات