طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الحياد: ما هي الضمانات؟
15/03/2021

الحياد: ما هي الضمانات؟

هاني ابراهيم

بين الحين والآخر، وعند كل أزمة يمر بها لبنان كما هي الحال الآن يبادر البعض - وتحت عنوان مبادرات لحل الأزمة - الى طرح موضوع الحياد، حيث يرى المنادون به محاولة لإبعاد لبنان عن الصراعات السياسية والعسكرية، معتقدين أن في ذلك ما يجعل من بلدنا واحة للسلام من جهة وحماية لاستقراره الداخلي ومانعًا من الاعتداء عليه من جهة أخرى.
 
إن مقاربة مفهوم الحياد من هذا الجانب هي مقاربة نظرية بحتة لا تمت الى الواقع بصلة، لا سيما لبلد مثل لبنان حيث المسلمات التاريخية والجغرافية والديموغرافية والثقافية، والسياسية وغيرها من الخصوصيات المرتبطة بشكل وثيق بوجود لبنان، كلها موجبات تحول دون الوصول الى طرح واقعي لهذا الحياد ما يضع من ينادي بهذا الطرح أمام حائط مسدود من الجهات الأربع.

لكن الى ماذا يحتاج الحياد ليكون قابلًا للحياة والتطبيق في لبنان؟

ألا يحتاج الى تصور صريح وواضح يترافق مع معطيات على أرض الواقع تكون انعكاسًا لآراء وأهداف كافة الأطراف الداخلية اللبنانية؟ هل الحياد يؤخذ بشكل منفرد أم أنه بحاجة الى غطاء دولي واقليمي لا سيما تلك الجهات الإقليمية والدولية التي تهيمن وتتصارع في مصالحها على المساحة الجغرافية لمنطقة الشرق الأوسط، أو ما يعرف بغرب آسيا؟

مما لا شك فيه أنّ هناك معضلات وعوائق شائكة لا بدّ من التوقف عندها، في كلّ مرة يجري فيها الحديث عن حياد لبنان والمطالبة به.
 لذلك كله، يتبين لنا أن الحياد لدولة ما، ليس بالأمر اليسير في ظل توازنات تتحكم بعلاقات الدول ومصالحها القومية بشتى المجالات لا سيما  الاقتصادي والتجاري والمالي، فضلًا عن سعي الدول الكبرى الحثيث لإيجاد موطىء قدم لها في البلدان الصغرى بهدف الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. ومن غير اليمكن في ظل كل هذه الاعتبارات أن نغفل عن الاعتبار الأهم وهو الوضع اللبناني الخاص والمتمثل بضعف الهيكل البنيوي فيه وانقسامه مؤخرًا بشكل عمودي لجهة المقاربات الداخلية والخارجية.
 
إن كل مفهوم يطرح على الساحة الدولية لا بد من شروط يفترض أن تتوافر له، لا سيما إن كان هذا المفهوم دوليًا ويفرض وضعًا وجوديًا جديدًا، ما يعني أن هناك شروطًا يجب توافرها لكي يمارس الحيادية، فهل هذه الشروط متوافرة في لبنان؟
 
* البعد القانوني

يعتبر مفهوم الحياد من المفاهيم المعقدة والمتشابكة. وفي أثناء انعقاد مؤتمر لاهاي الثاني من العام 1907، وقعت اتفاقية بتاريخ 18 تشرين الأول تضمنت نصوصًا تحدد الالتزامات والحقوق للدول المحايدة. ولعل أبرز وأهم هذه الشروط هو أنه لا يحق لدولة محايدة المشاركة المباشرة في نزاع مسلح أو مساعدة أحد الأطراف في النزاع من خلال تزويده بالرجال والسلاح. وفي محاولة اسقاط هذا البند على الحالة اللبنانية، يمكن القول إن تطبيقه يحتاج الى توافق داخلي أو أغلبية موافقة من جهة، وأن يكون لبنان قادرًا على حماية نفسه، فضلًا عن قبول الدول المجاورة بهذا الحياد.

وهنا نسأل، هل يمكن لبد مثل لبنان أن يحوز على موافقة أغلبية الشعب، باستفتاء عام شامل دون أن يصطدم بتدخلات سياسية داخلية وخارجية؟ ثم إن لبنان ينتمي الى جامعة الدول العربية، وانتماؤه هذا يفرض عليه الالتزام باتفاقية الدفاع المشترك فكيف للحياد ان يأخذ مكانه هنا؟ كما أن لبنان ملتزم بموقف ثانت الى جانب القضية الفلسطينية، وعليه هل لأحد أن يفسر لنا كيف يمكن جمع هذه التناقضات ومفهوم الحياد سويًا؟

* البعد الجيوسياسي

أما إذا تناولنا موضوع الحياد ومدى توافقه من الناحية الجيوسياسية، فستعترضنا أيضًا عوائق عديدة ومنها: هل من الطبيعي أن يتم تحييد بلد مثل لبنان يوجد على أرضه مختلف الجنسيات بمن فيهم النازحون الفلسطينون، فيما العدو الاسرائيلي يرفض عودتهم بموجب القرار الدولي 194؟ كيف ممكن تحييد لبنان في هذه الجزئية؟

هل حيادنا سيحمي لبنان من الأطماع الصريحة للعدو الإسرائيلي في مياهنا وأرضنا؟ هل الحياد وفق المقولة التي لا تستند الى أي منطق أو سند أو نظرية وهي أن (قوة لبنان بضعفه) قد جنب لبنان ويلات وأزمات وجعله بمنأى عن صراعات المنطقة؟
هل حياد بلجيكا حماها من الغزو الالماني؟
كل هذه الأسئلة يفترض أن نأخذ الجواب عنها من أصحاب الحياد.

لبنان يعتبر محور وقلب الصراع في المنطقة، لا سيما في ظل عدم وجود رؤية داخلية واضحة بين الأطراف اللبنانيين من جهة، وغياب الرؤية الواضحة للسياسة الخارجية التي تعكس مدى التوافق الداخلي من جهة ثانية. فهل هناك من يضمن أن يحمي حياد لبنان سيادته وأرضه وشعبه؟ والسؤال الأهم، هل الحياد بحاجة الى رعاية دولية لتفعيله؟ اذا كان الجواب بنعم، فمن مِن هذه الدول ستبادر الى دعم هذه الفكرة فيما أكثرها تتسابق فيما بينها لبسط السيطرة والنفوذ؟

الحياد

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات