ramadan2024

آراء وتحليلات

فلسطين في دائرة أولويات المرجعية الدينية
13/03/2021

فلسطين في دائرة أولويات المرجعية الدينية

بغداد - عادل الجبوري

رسالة شكر وتقدير تقدمت بها القيادة الفلسطينية إلى المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني بعد موقفه حيال مظلومية الشعب الفلسطيني والرافض لخيار التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، خلال لقائه التاريخي الأخير في السادس من شهر اذار-مارس الجاري مع زعيم الفاتيكان البابا فرانسيس. انطوى الشكر والتقدير الذي جاء من خلال برقية موقعة من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وصلت الى مكتب المرجع السيستاني عن طريق السفارة الفلسطينية في بغداد، على دلالات ومعان كثيرة وكبيرة، وحمل بين ثناياه حقائق مهمة للغاية لا يمكن بأي حال من الأحوال بالنسبة لأي مراقب موضوعي ان يتجاهلها او يغض الطرف عنها.

   مما لاشك فيه ان شكر وتقدير القيادة الفلسطينية، عكس أهمية موقف المرجع السيستاني وأثره الكبير في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني قيادة وشعبًا في ظل تخاذل العديد من أنظمة وحكومات الدول العربية والإسلامية وانبطاحها أمام الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها "اسرائيل"، وهرولتها المحمومة لإبرام معاهدات واتفاقيات التطبيع المذل والمهين مع "تل ابيب"، في الوقت الذي يتعرض الفلسطينيون في كل يوم لشتى أشكال وصنوف الإنتهاكات الإنسانية من قبل المؤسسات العسكرية والأمنية للكيان الصهيوني.

   موقف الإمام السيستاني الداعم والمساند للشعب الفلسطيني، يعد في واقع الأمر استمرارًا وتكريسًا للمواقف المبدئية الراسخة المرجعيات الدينية حيال القضية الفلسطينية منذ الإحتلال الصهيوني الغاصب وإقامة ذلك الكيان على أرض فلسطين قبل أكثر من سبعين عامًا. فمنذ البداية رفضت المرجعيات الدينية بشكل قاطع احتلال فلسطين ومصادرة حقوق أبنائها، وهنا فإنه من المهم جدًا استحضار مواقف الإمام محسن الحكيم، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، وآية الله العظمى الإمام الخميني قدس الله أسرارهم، ومراجع آخرين رفعوا الصوت عاليًا لنصرة الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه بمختلف الأشكال والصور. فالإمام الحكيم أصدر فتوى أجاز فيها دفع الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، فضلًا عن مجمل مواقفه الداعمة للفلسطينيين في كل المحطات والمراحل والتحديات الكبرى، والشهيد الصدر كان حريصًا في مجمل أطروحاته على تبيان مظلومية الشعب الفلسطيني وضرورة الوقوف الى جانبه، أما الإمام الخميني فقد تبنى منذ الأيام الأولى لإنتصار الثورة الاسلامية في مطلع عام 1979، اتخاذ خطوات عملية بهذا الشأن، تمثلت أساسًا بقطع كافة العلاقات مع الكيان الصهيوني، وإغلاق سفارته في طهران وجعلها سفارة لدولة فلسطين، وتحديد يوم سنوي لإظهار الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية، وهو آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام، حيث أطلق عليه "يوم القدس العالمي"، هذا فضلًا عن الدعم السياسي والجهادي والإعلامي المتواصل الى يومنا هذا.

   ولعل موقف المرجع السيستاني الأخير الداعم لفلسطين والرافض للتطبيع، لم يكن الأول من نوعه، بل إن المرجعية الدينية، حرصت دومًا على إظهار التعاطف والتأييد والدعم المعنوي والمادي لكل الشعوب المظلومة والمضطهدة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، بيد أن موقفها الأخير، بدا متميزًا، لأنه جاء خلال اللقاء مع زعيم ديني كبير يتمتع بمكانة روحية لدى الملايين من أتباع الديانة المسيحية في عموم العالم.          

   مثل هذه المواقف المشرفة تعكس الأفق الواسع للمرجعية الدينية وحرصها على الإنتصار للمظلومين والمضطهدين أيا كانت انتماءاتهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم، وعدم التفريط بالثوابت الدينية والوطنية والإنسانية مهما كانت الظروف والأحوال، ولعل إشادة بابا الفاتيكان بنصرة المرجعية والطائفة الشيعية لأبناء المكون المسيحي في العراق، خير شاهد ودليل، اذ إن إثارة الفتن الطائفية، وافتعال الحروب الأهلية بين أبناء الديانات والقوميات والطوائف المختلفة، من بين أبرز أدوات القوى الكبرى لتفتيت وتقسيم الدول وإضعافها، وقتل روح المقاومة والارادة فيها، وهو ما ينسجم تمام مع مبدأ تقوية الكيان الصهيوني وتعزيز تفوقه، وبالتالي ترسيخ وتكريس الاحتلال، وجعل التطبيع معه خيارًا واقعيًا لا مناص منه. ومثلما يعد اتساع محور المقاومة عامل قلق وفزع للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية وقوى دولية واقليمية عديدة، فإن مواقف المرجعيات الدينية بدعم القضية الفلسطينية ورفض الإحتلال والتطبيع، تزيد من قلق وفزع وخوف "تل ابيب" ومن يدعمها ويساندها ويقف وراءها، ذلك القلق والفزع والخوف الذي لم تستطع الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية والإميركية إخفاءه، وهي تشهد وتشاهد أصداء اللقاء التاريخي للسيد السيستاني مع البابا في ذلك البيت المتواضع البسيط في أحد أزقة مدينة النجف الأشرف الضيقة، وعلى بعد بضعة أمتار من مرقد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

 

آية الله العظمى السيد علي السيستاني

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات